كتب محمود عبد الراضيالإثنين، 20 أكتوبر 2025 12:00 م لم يكن يوم العشرين من أكتوبر لعام 2017 يومًا عاديًا في ذاكرة مصر، ففي قلب الصحراء، حيث الصمت والبعد عن أعين الناس، كُتبت ملحمة من ملاحم البطولة، وسُطرت بدماء رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وبينهم اللواء البطل امتياز كامل، الذي سقط شهيدًا وهو يؤدي واجبه الوطني بشرف. لكن هذه الذكرى لا تعيش في أرشيف الأخبار فقط، بل تسكن القلوب، وتُروى كل يوم في بيوت الشهداء، كما ترويها السيدة سحر السيد، أرملة الشهيد امتياز كامل، التي فتحت قلبها لتشاركنا كيف أن الموت لم يكن نهاية، بل بداية لحياة جديدة من الفخر، والوفاء، والكرامة. "رغم مرور السنوات، إلا أن زوجي ما زال حاضرًا في ذاكرتنا ووجداننا، البطل شرفنا حيًا وميتًا"، بهذه الكلمات بدأت أرملة الشهيد حديثها، ولم يكن من السهل عليها أن تسترجع لحظات الفقد، لكنها كانت تتحدث بروح امرأة قررت أن تبقى قوية، مثلما كان زوجها شجاعًا. تقول إن اللواء امتياز كامل كان محبوبًا من الجميع، لا يهاب الموت، يؤدي واجبه حتى النفس الأخير، وتضيف: "كان دايمًا يقول إن حب الوطن مش كلام، وإن اللي بيخاف ميدخلش معركة". لكن المعركة التي خاضها لم تكن سهلة، في صحراء الواحات، خرجت قوة أمنية في مهمة استنادًا إلى معلومات دقيقة تشير إلى وجود وكر إرهابي في منطقة بالكيلو 135 بطريق الواحات البحرية، لم يكن الطريق ممهدًا، وكانت الطبيعة الوعرة للصحراء الغربية تزيد من صعوبة المهمة. استشهد عدد كبير من الضباط والجنود، الذين ثبتوا في مواقعهم، وقاتلوا حتى اللحظة الأخيرة، ورفضوا التراجع أو الهرب، سقط منهم من سقط، لكنهم جميعًا ارتقوا شهداء للوطن، حاملين معهم آخر نبضات الولاء والأمانة. تقول سحر، وهي تضع يدها على قلبها، "اللي خلف ما ماتش، ابننا دخل كلية الشرطة وتخرج منها، وأكمل مسيرة والده، عشان يثبت إن مصر عمرها ما هتتهزم طول ما فيها رجالة"، ثم توجه رسالة إلى روح زوجها قائلة: "نام في سلام، بلدنا انتصرت على الإرهاب، وحقك رجع". تكريم الدولة لأسر الشهداء لم يكن يومًا غائبًا، كما تؤكد أرملة الشهيد، فقد تم تكريمها أكثر من مرة، وكان آخر تلك التكريمات تعيينها عضوًا في مجلس الشيوخ، ما اعتبرته رسالة تقدير من الدولة لأسرة قدمت واحدًا من أبطالها فداءً للوطن، "الدولة ما نسيتش، وإحنا كمان عمرنا ما هننسى". وتتابع حديثها بتأثر شديد: "في كل مرة بفتكر اللي حصل، بحس إن اللحظة لسه عايشة جوايا، بس بفتكر كمان إن مصر استحملت كتير، ودم الشهدا مراحش هدر، بدليل إن الإرهابيين النهاردة مهزومين، وبلدنا مستقرة وأمنة". تحولت ملحمة الواحات إلى رمز للفداء، ليس فقط في السرد الرسمي، بل في ذاكرة الأسر التي فقدت أعز ما تملك، لتبقى القصة شاهدة على أن الوطن لا يُبنى إلا بالتضحيات، ولا يُحمى إلا بالدماء الطاهرة، لقد كانت المعركة قاسية، والظروف شديدة، لكن البطولة كانت أعظم. يقول المحيطون بالشهيد امتياز إنه كان يعرف أن العمل في مواجهة الإرهاب ليس طريقًا مفروشًا بالورود، لكنه لم يتردد يومًا في أداء واجبه، وكان قدوة لزملائه في الميدان، وضرب مثلاً في التفاني والصبر. واليوم، وبعد مرور سنوات على تلك الواقعة، ما زالت سيرته حاضرة، لا تُنسى، في كل احتفال وطني، وفي كل تكريم رسمي، وفي كل بيت فقد بطلًا. في قلب مصر، وفي وجدان شعبها، باقية هي تلك اللحظات، وفي عيون الأرامل والأبناء والآباء الذين فقدوا أحبّتهم، تتجدد الذكرى، لا كبكاء على الفقد، بل كراية مرفوعة، تقول: إن الوطن لا ينسى من ضحوا لأجله. السيدة سحر السيد أرملة الشهيد امتياز كامل