كتب محمود عبد الراضيالثلاثاء، 21 أكتوبر 2025 05:00 ص مع تسارع وتيرة التكنولوجيا وتغلغلها في تفاصيل الحياة اليومية، برز نوع جديد من الجرائم لا يستخدم فيه الجاني سلاحًا تقليديًا، بل يكفيه جهاز حاسوب أو هاتف ذكي واتصال بالإنترنت، إنها جرائم الابتزاز الإلكتروني، التي تحولت إلى خطر داهم يطارد الأفراد من خلف الشاشات، ويهدد أمنهم النفسي والاجتماعي. تعتمد هذه الجرائم في جوهرها على استغلال صور شخصية أو محادثات خاصة أو حتى معلومات تم جمعها بطرق ملتوية، سواء عن طريق اختراق الحسابات أو التواصل المباشر مع الضحية، ليبدأ بعدها مسلسل التهديد والضغط النفسي، إما بطلب مبالغ مالية أو بمطالب غير أخلاقية، مقابل عدم النشر أو الفضح. ويبدأ السيناريو عادة بخداع الضحية، حيث يتم استدراجه في محادثة أو علاقة افتراضية، يتخللها تبادل للصور أو التفاصيل الخاصة، ثم يتم استغلالها لاحقًا كورقة ضغط. وفي حالات أخرى، يتم الحصول على هذه المعلومات من خلال اختراق الحسابات أو استخدام برمجيات تجسس تزرع خلسة في أجهزة المستخدمين. خطورة الابتزاز الإلكتروني لا تقف عند الضرر المادي أو المعنوي فحسب، بل قد تدفع بعض الضحايا إلى الانتحار، خاصة في حالات المراهقين أو الفتيات، ممن يتعرضن للتهديد بفضح صور أو مقاطع فيديو محرجة، وغالبًا ما تتردد الضحايا في الإبلاغ خوفًا من الفضيحة أو من نظرة المجتمع، وهو ما يعزز من تغوّل المبتز واستمراره في إيذاء الآخرين. لكن في المقابل، تبذل وزارة الداخلية جهودًا كبيرة لملاحقة مرتكبي هذا النوع من الجرائم، من خلال قطاع مكافحة جرائم تقنية المعلومات، حيث يتم تتبع البلاغات بدقة، والوصول إلى هوية المتهمين رغم محاولاتهم إخفاء أنفسهم خلف حسابات وهمية أو برامج تشفير. وقد أسفرت الحملات عن ضبط عدد كبير من المتورطين في جرائم الابتزاز والنصب الإلكتروني، وإحالتهم للنيابة العامة لاتخاذ الإجراءات القانونية. قانون العقوبات لم يغفل هذه الجرائم، فقد نصت المادة 327 على أن كل من هدد غيره كتابة بارتكاب جريمة ضد النفس أو المال يعاقب بالحبس، أما إذا كان التهديد مصحوبًا بطلب أو بتكليف بأمر فإنه يعاقب بالسجن، كما تنص المادة 25 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات على معاقبة كل من اعتدى على أي من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر، وغرامة تبدأ من 50 ألف جنيه وقد تصل إلى 100 ألف جنيه. ويتكرر تحذير الجهات الأمنية للمواطنين بضرورة عدم إرسال أو الاحتفاظ بصور خاصة على الإنترنت، وعدم التفاعل مع الغرباء، والإبلاغ الفوري في حالة التعرض لأي تهديد، مؤكدين أن سرية بيانات المبلّغ مضمونة بالكامل، وأن القانون يقف إلى جانب الضحية ويحاسب الجاني. يظل الوعي الرقمي هو خط الدفاع الأول، ولا تزال الحاجة ملحة لنشر الثقافة القانونية والتقنية بين فئات المجتمع، خاصة الشباب والمراهقين، للحد من انتشار هذه الجرائم التي تستهدف الخصوصية وتزعزع الأمن الاجتماعي في صمت.