سميحة أيوب ليست مجرد اسم في سجل الفن العربي، بل هي رمز من رموز المسرح المصري والعربي، وسيدة تجسد على خشبة المسرح تاريخًا من العطاء والإبداع استمر لأكثر من سبعين عامًا.
برحيلها اليوم عن عمر ناهز 92 عامًا، أسدلت الستارة على فصل نادر في الفن، فصل كتبته امرأة بكل قوة، عناد، وشغف، لتبقى في ذاكرة الأجيال مدرسة قائمة بذاتها.
البدايات: فتاة من شبرا تكتشف المسرح
ولدت سميحة أيوب في حي شبرا الشعبي بالقاهرة في 8 مارس 1932، ونشأت في أسرة متوسطة. لم تكن تحلم يومًا أن تصبح فنانة في مجتمع كانت النظرة فيه للفن مليئة بالتوجس. ومع ذلك، سحرتها العروض المدرسية، واكتشفت ميولها للمسرح في سن مبكرة، لتقرر لاحقًا الالتحاق بمعهد التمثيل العالي، متحدية تقاليد المجتمع آنذاك.
في عام 1953، تخرجت من المعهد على يد رواد كبار مثل زكي طليمات ويوسف وهبي، لتنطلق في مسيرة استثنائية على خشبة المسرح لم تنقطع حتى الرمق الأخير.
تألقها في الستينيات: مرحلة الصعود الذهبي
شهدت فترة الستينيات أوج عطائها الفني، حيث قدمت مجموعة من أبرز أعمالها المسرحية التي أثبتت من خلالها أنها ليست مجرد ممثلة موهوبة، بل فنانة تحمل رسالة. برزت في أدوار مركبة نفسياً وإنسانياً، من أبرزها مسرحية سكة السلامة والسبنسة، وحققت نجاحًا جماهيريًا ونقديًا واسعًا.
في تلك المرحلة، عُرفت بقدرتها على تجسيد المرأة المصرية بكل تناقضاتها، من الأم المكافحة إلى العاشقة الثائرة، وكانت تملك نبرة صوت مسرحية حادة قوية، وخطوات محسوبة تعكس تمكناً من أدوات الممثل الكلاسيكي، مع قدرة مبهرة على التأثير في المتلقي.
مديرة لمسرح الحديث.. المرأة التي قادت الخشبة
في عام 1972، تولت سميحة أيوب إدارة المسرح الحديث، لتكون أول امرأة تدير مؤسسة مسرحية حكومية كبرى في مصر. لم يكن هذا التعيين مجرد لقب، بل شهد المسرح في عهدها نهضة حقيقية سواء على مستوى الإنتاج أو اختيار النصوص أو اكتشاف المواهب.
أشرفت على إنتاج مسرحيات كانت علامة فارقة، من بينها "دماء على أستار الكعبة"، و**"ثأر الله"**، ونجحت في دفع المسرح المصري إلى المنافسة عربياً، وساهمت في نقل العروض إلى عدة دول عربية، مكرسة للمرة الأولى صورة المسرح المصري كمسرح قومي الهوية، بعيدًا عن الترفيه التجاري.
السينما والتلفزيون.. إطلالات محسوبة بعناية
رغم أن المسرح كان حبها الأول، فإن سميحة أيوب لم تغب عن الشاشة الكبيرة أو الصغيرة، لكنها اختارت أدوارها بعناية فائقة. شاركت في أفلام مهمة مثل "الزوجة الثانية" و**"فجر الإسلام"، وفي مسلسلات منها "الضوء الشارد" و"سوق العصر"**، حيث أدت شخصية الأم الصعيدية الصلبة بقوة درامية لافتة.
تميزت بميلها الدائم إلى الأدوار المركبة، ورفضها للانجراف نحو أدوار التكرار أو النمطية، وهو ما جعل ظهورها في كل عمل حدثًا فنيًا يستحق التوقف عنده.
سميحة أيوب والسياسة.. الفن كوسيلة للمقاومة
كانت سميحة تؤمن بأن الفن لا ينفصل عن السياسة، وعبّرت عن هذا من خلال أدوارها واختياراتها الفنية. دعمت القضية الفلسطينية، وقدمت أعمالًا تناولت قضايا التحرر، وشاركت في مهرجانات سياسية ثقافية مثل مهرجان قرطاج وأيام المسرح التجريبي، كما كانت عضواً ناشطاً في نقابة الممثلين لسنوات طويلة.
التكريمات.. ووسام سيدة المسرح العربي
حصلت سميحة أيوب خلال مسيرتها على عشرات الجوائز والتكريمات، من أبرزها وسام الجمهورية من الطبقة الأولى، ووسام الفنون من تونس، وتم اختيارها سفيرة للثقافة العربية في 2015 من قبل الجامعة العربية.
وفي 2021، أُطلق اسمها على قاعة المسرح القومي تكريماً لدورها الرائد، كما منحها مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي درع الريادة تكريماً لمسيرتها الممتدة.
الحياة الخاصة لسميحة توفيق
تزوجت سميحة أيوب ثلاث مرات، وكان من بين أزواجها الفنان محمود مرسي، والمخرج سعد الدين وهبة. ورغم متاعب الحياة، ظلت محافظة على توازنها بين حياتها الشخصية ومسيرتها المهنية، ورفضت مرارًا أن تُستدرج لظهور إعلامي سطحي.
كانت الأم الروحية لكثير من الفنانين الشباب، تؤمن بتوريث الخبرة، وتفتح ذراعيها دومًا لكل من يرغب في التعلم.
السنوات الأخيرة.. حضور حتى الرحيل
حتى في سنواتها الأخيرة، لم تغب سميحة أيوب عن المسرح، وكانت تقدم مشاركات رمزية وورشًا تدريبية، وتحل ضيفة شرف في مهرجانات المسرح. ورغم التقدم في السن، لم تخفت نبرة صوتها الحادة أو نظرتها الثاقبة للمشهد الفني.
توفيت سميحة أيوب في القاهرة في مايو 2025، بعد صراع قصير مع المرض، تاركة خلفها إرثًا ثقافيًا وفنيًا قلّ نظيره. نعاها فنانو الوطن العربي، وشيّعت جنازتها في موكب مهيب حضره كبار النجوم والمثقفين.
إرثها.. ما بعد الرحيل
بعد وفاتها، أُعلن عن تخصيص جائزة سميحة أيوب للمسرح النسائي ضمن فعاليات مهرجان المسرح العربي، كما أُطلق مشروع لتوثيق أعمالها رقميًا ليكون مرجعًا للأجيال القادمة.
تبقى سميحة أيوب، سيدة المسرح العربي، نموذجًا للمرأة التي كسرت القيود، وأثبتت أن الفن ليس مهنة بل رسالة، وأن الخشبة ليست فقط مكانًا للعرض بل منبرًا للحرية والتنوير
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة ليالينا ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من ليالينا ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.