يملك زياد الرحباني قدرة نادرة على الجمع بين الإبداع الفني والرسائل العميقة. هو ليس فقط ملحنًا وكاتبًا مسرحيًا، بل حالة فكرية وموسيقية استثنائية، استطاعت أن تزرع في أغنياته مزيجًا من الحب والغضب، الحنين والتهكم، والوضوح والغموض. فما القصص وراء أشهر أغانيه؟ خلف الكثير من أعمال زياد الرحباني توجد قصص حقيقية، بعضها شخصي وبعضها سياسي، وبعضها مموه بدهاء. في هذا التقرير نكشف أبرز تلك الحكايات التي جعلت من أغانيه أيقونات لا تنسى. ع هدير البوسطة: قصة اسمين وامرأتين أغنية "ع هدير البوسطة" التي قدمتها فيروز تعتبر واحدة من الأعمال التي تشعل فضول الجمهور. يتساءل الكثيرون عن شخصية "عليا" التي ذُكر اسمها في الأغنية. وفي أحد تصريحاته، كشف زياد الرحباني أن الاسم الأصلي الذي كان يرغب في استخدامه لم يكن "عليا"، بل اسم فتاة مصرية أحبها في مرحلة ما تدعى ليلى. ومع ذلك، قرر تعديل الاسم لتجنب الكشف عن الطابع الشخصي للعمل. وأوضح أن اسم "عليا" كان اختيارًا رمزيًا، اتخذه للحفاظ على خصوصية العلاقة، مع إبقاء لمسات الحنين والشوق وتعزيز جمالية الوصف في الأغنية. رجعت الشتوية: رسائل حب مشفرة أغنية رجعت الشتوية التي غنتها فيروز من كلمات زياد الرحباني ولحنه، ليست مجرد وصف لطقس بارد، بل مرآة لعلاقة حب باردة، تنبعث من رمادها الذكريات مع كل قطرة مطر. كتبها زياد الرحباني في فترة كان يعيش فيها توتراً عاطفياً، وقد أشار في أكثر من لقاء إلى أن كلماتها كتبت في لحظة حنين حقيقية، وكان يحمل في داخله شعورًا بالفقد والرغبة في الرجوع إلى علاقة خبت نارها، لكنها لم تنطفئ تمامًا. كيفك إنت: نداء حنين لامرأة لم ترحل تمامًا في أغنية كيفك إنت الشهيرة التي غنتها فيروز، كتب زياد الرحباني واحدًا من أكثر النصوص صدقًا وهدوءًا في التعبير عن الاشتياق والخذلان. يقول في مقطع منيحة، فيكسر الكليشيهات التقليدية ويرد على السؤال بـبساطة قاتلة. تلك البساطة جاءت من عمق الألم. الأغنية ليست خيالية، بل نابعة من قصة حقيقية، تحدث عنها زياد الرحباني في مقابلات نادرة، إذ قال إن تلك الكلمات ولدت من لحظة صامتة بينه وبين امرأة أحبها، وحين سألها عن حالها، أجابت بـ"منيحة"... فانكسر. بكتب اسمك يا حبيبي: بين الوطن والمرأة أغنية بكتب اسمك يا حبيبي التي أدّتها فيروز وكتبها زياد الرحباني هي واحدة من أكثر الأغاني التي تحتمل تأويلات متعددة. بعض المستمعين يراها أغنية حب تقليدية، والبعض الآخر يفسّرها كتحية للوطن الجريح خلال الحرب الأهلية اللبنانية. زياد الرحباني قال إن الأغنية تنطلق من مكان شخصي جدًا، لكنها تتحول تدريجيًا لتُصبح نشيدًا عامًا، وكأنه يقول إن الحب الشخصي لا ينفصل عن حب الوطن، وأن الكتابة للحبيبة قد تكون في حقيقتها كتابة للبنان. خلص: التكرار المتعمد للخذلان في أغنية خلص التي جاءت على شكل مونولوج داخلي، يظهر زياد الرحباني في ذروة الصراحة العاطفية. الكلمات تكرارية، لكنها ليست عبثية، بل تتعمد خلق دوامة ذهنية يعيش فيها العاشق المصدوم من التكرار ذاته. "خلص خلص ما بقا بدي" هي جملة فيها من الإنكار بقدر ما فيها من التمني. القصة التي خلف الأغنية تعود إلى تجربة شخصية من خيبة أمل في الحب، تكررت، فكتب زياد الرحباني نصًا يعيد رسم المأساة بشكل متعمد، وكأنه يقول: لا شيء جديد، سوى الألم ذاته. بلا ولا شي: أقصى درجات التعبير بقلة التعبير من الأغاني التي تختصر فن زياد الرحباني في أقصى تجلياته هي بلا ولا شي. الأغنية التي تبدأ بجملة شو بدك تحكي وتنتهي بعبارة "بلا ولا شي" تعبر عن اختناق الكلام، وبلوغ العجز عن التعبير. هذه الأغنية، كتبها زياد الرحباني بعد جدال طويل مع امرأة أحبها، ولم يجد فيها انتصارًا سوى الصمت. القصة الحقيقية هي حوار لم يكتمل، حوله زياد الرحباني إلى أغنية اختزلت مشاعر كاملة في أقل قدر من الكلمات. لما الحكي بيجرح: زياد الرحباني الذي لا يعرف المجاملة في هذه الأغنية، يظهر زياد الرحباني كما هو، دون تنميق، يضع الكلمات كما يشعر بها دون مراعاة للأذن المعتادة على التزويق. الأغنية تحمل عنفاً عاطفياً في ظاهرها، لكنها صادقة في عمقها. كتبها زياد الرحباني كرد فعل على علاقة صدمت فيها كرامته، لكنه لم يستخدم الشتائم أو الغضب، بل واجه الخيبة بجمل صادمة وصامتة في آن. أغاني زياد الرحباني: تمويه دائم ومعان رائعة في أغاني زياد الرحباني، لا يمكن الجزم إن كان يتحدث عن حبيبة أم وطن، عن لحظة أم عن مرحلة. وهذا جزء من عبقريته، إذ يكتب دائمًا بلغة مزدوجة، يمكن قراءتها شعريًا، سياسيًا، شخصيًا، وحتى ساخرًا. ورغم محاولاته التمويه، تكشف لقاءاته ومسرحياته وموسيقاه كثيرًا عن القصص المخفية خلف الكلمات. شاهدي أيضاً: أهم الأزمات في حياة عبقري الموسيقى زياد الرحباني شاهدي أيضاً: محطات في حياة زياد الرحباني: دايمًا بالآخر في وقت فراق