وسط حالة من الزخم الموسيقى والألبومات والأغاني المنفردة والحفلات الصيفية الممتلئة عن آخرها، واتساع الساحة الغنائية في مصر، لتشمل كافة أنواع وألوان الغناء، تطل المطربة سمر طارق بمشروع "طوفنا"، ولفظ المشروع هنا يعادل فكرة الألبوم وربما يتخطاها، من ناحية الكلمات والألحان والأفكار الجريئة التى تطرحها سمر، لينتقل وصف الجرأة من الموضوعات إلى سمر نفسها. معلش سمر طارق أعلنت عن وجودها بقوة من خلال شهر رمضان الماضى من خلال مجموعات من الأغنيات داخل السياق الدرامي لمسلسل " الشرنقة "، وبعيدا عن جودة أغنيات المسلسل، لكنها تظل مرتبطة ارتباط وثيق بالحالة الدرامية في المسلسل ومسار البطل وتحدياته والصعوبات التي يواجهها في مشواره. ليه أما "طوفنا" فهو مشروع كامل، خاص بسمر طارق نابعا من تجربتها الموسيقية والشخصية، بعيدا عن أي مسار درامى آخر، فما يميز الألبوم بشكل واضح، هو وحدة الأغنيات وارتباطها بفكرة عامة، فالأغنيات الـ 8 تبدو وكأنها مرتبطة في سلسلة واحدة، ومع ذلك، فقد استطاعت سمر أن تتجنب التكرار أو الأنماط المشابهة. تفاصيل ما يُعطى مشروع "طوفنا" المزيد من قوة الدفع، والتفرد هو استحواذ سمر طارق على كتابة كلمات الأغاني وتلحينها وبالطبع غناءها، وهو السبب الرئيس فى وحدة الألبوم وترابطه، وذلك فى شكل تساؤل كبير، بداخله مجموعة من التساؤلات الصغيرة. عادي الانطباع الأول الذى قد تخرج به من سماع الأغنيات الـ 8 أن الألبوم حالة من الدوران داخل دائرة اليأس والإحباط المفرغة، تبحث فيها كاتبة الكلمات والمؤدية عن مَخرج، دون جدوى، وها هي تزيح الستار عن فكرتها الأم، وتلجأ لكلمات مثل "طوفنا"، "لفينا ورجعنا"، "يلف الزمان"، "ليه في دايرة مقفولة بتلف"، و"الحياة متعادة في دايرة"، كما جاء في أغنيات "طوفنا"، و"معلش"، و"صح وغلط"، بل أن الألبوم نفسه اسمه "طوفنا". يا غايب أغنية "معلش" ذاتها تقدم نوعا من "المواساة" الرقيقة، بل حينما تنتهى الأغنية، لا تعرف إذا كانت سمر تواسى نفسها، أم تواسى من يسمعها، ما يعنى أن الهم واحد، وهو ما يتجلى في أكثر من جملة مثل "سيب اللي كان واجعك يخف"، و"معلش شوية وقت ويعدوا وتكون تمام". صح غلط نمط آخر يقفز من دائرة سمر طارق كاشفا عن نفسه، يتجلى فى أزمة هوية، ومحاولة البحث عن الذات، وتحديدا في أغنية "ليه" التي تبدأها سمر بـ "تنهيدة غريق" بسيطة، تتماشىى مع مطلع الأغنية الذى تقول فيه: "بقع من فوق.. على ولا شيء.. كإني حاجة مابتحصلش.. كإني بغرق أو بضل طريق للأبد فمابنوصلش". ثم تقدم سمر مجموعة من التنويعات اللحنية لسؤال "ليه" وبأكثر من إيقاع، لتطرح سؤال الهوية والمعنى والبحث عن ذاتها: "زاد الشيب.. بواقي الفرح فـى قلبي ماتت.. روحت لطبيب.. واتنين تلاته نفسي خابت.. قولت عيب" ثم تصل سمر لذروة حيرتها وهى تتحدث عن الزمن وتأثيره على النفس وتقول: "عديت يا سنين ع الماضي.. عقرب دق ولف قصادي.. بلمح عمري اتغير.. شكلي ماعرفتوش.. وقع الوقت نمد إدينا". تاتا وفي هذه الأغنية تحديدا، نكاد نلمح طيف الشاعر الراحل ميدو زهير، الذى كان دائما يطرح مثل تلك التساؤلات، والأقرب لحالة أغنية "ليه"، كانت أغنيته "مكعب سكر" التي غناها فريق بلاك تيما، ويقول فيها ميدو: "أملك صورة أنا فيها صغير.. شكلى اتغير ما عرفتوش.. كان فى جيوبى مكعب سكر.. داب السكر ما لقيتهوش.. وامّا اتقطعت منى الساعة.. وقع الوقت لاقيتنى كبير" وليس هذا فحسب، فهناك مجموعة من الأنماط، التي تُعادل الدوران داخل هذه الدائرة المفرغة، أو ربما تتولد منها، كنمط "فقدان الأمل"، الذى حافظت عليه سمر ما بين سطور الكلمات، يظهران بوضوح فى أغنية "صح غلط"، حين تقول: "والأمل بقى كدبة بايخة"، وفى أغنية "تاتا" التى تقول فيها: "إيه العمل.. لو مابقاش في أمل.. الحلم ليه.. اتعمل" استطاعت سمر أن تعبر بوضوح عن حيرتها كإنسانة في أغنية "صح غلط"، لتنقل لنا أحاسيس أعمق بالضبابية في المشهد وعدم اتضاح الرؤية، والحاجة إلى العودة خطوات إلى الوراء، أو ربما تحتاج كما تقول إلى "إعادة ضبط المصنع"، وتقول كلمات الأغنية: "صح غلط.. الأمر اختلط صح غلط.. مالقتش وسط" وإذا كانت حالة من الكآبة واليأس وانعدام الرؤية وضبابيتها، قد سادوا الألبوم بشكل أو بآخر، إلا أن سمر تعود وتتمرد، بل وربما تحرض على التوحش الذى وصل إليه المجتمع، "امتى نشوفك يا أصيل.. تكسر كل التماثيل"، فالأغنية أشبه بالنقد الاجتماعى في صورته الأولى والبسيطة، فهى تنتقد "الدنيا" التي تحولت إلى غابة يسكنها وحوش: "دنيا إيه دي مش دنيا دي غابة.. وحوش على بعض متسابة.. الإيد قصيرة والنيّة غلابة" ختاما، فإن أغنيات الألبوم تتماهى مع فكرة صور "كوفرات" الأغنيات على "يوتيوب"، وتسير معها فى خط متوازِ، فالاستماع للألبوم من خلال منصة مُخصصة للأغاني، قد يحرم المًستمع من تجربة التدقيق في تفاصيل الصورة المصاحبة للأغنية، والتى تم تصويرها كُلها في مدينة ملاهي، وبالطبع الدلالة هنا واضحة، وتتماشى مع الفكرة العامة للدوران في الدوائر المفرغة، وفى محاولة استعادة براءة الطفولة المفقودة التي يشوبها الألم، فرغم وجودها فى مدينة ملاهي لكنها تظهر على الأغلفة مُتجهمة دون أى ابتسامة. مقدمة كليب طوفنا لابد من الإشارة أيضا إلى كليب "طوفنا"، الذى يُقدم ومضة من حياة شخص عاني في طفولته من رؤية الخلافات بين الأب والأم، الأمر الذى ترك بداخله جرح غائر لم يستطع تجاوزه، وهو ما يتضح في الجُملة التي يضعها صُناع الكليب في بدايته "نعانق الألم كما نعانق أنفسنا.. نحن أبناء الذاكرة".