كتب جمال عبد الناصر
الجمعة، 07 نوفمبر 2025 02:00 مولد كامو في الجزائر عام 1913، وسط عالمٍ يبحث عن معنى في رماد الحروب وأطلال الإنسان، ومن هناك، بدأ يُؤسِّس لفكرٍ فلسفيٍّ عميقٍ قوامه الرفض والتمرد، تجلى في رواياته كما في مسرحياته، حيث تحوّل العبث من فكرة فلسفية إلى لغة درامية تفضح خواء الإنسان المعاصر، الذي يبحث عن جدوى في عالمٍ بلا معنى.
في أعماله المسرحية، كان كامو يرى أن الخشبة ليست مكانًا للعرض فحسب، بل مساحة للاعتراف الوجودي، وفي مسرحية "كاليجولا"، التي قدمها في بدايات الأربعينيات، نرى الإمبراطور الروماني وقد تحوّل إلى مرآةٍ للعبث الإنساني، يبحث عن الحرية المطلقة حتى لو كان ثمنها الجنون، وفي هذه الشخصية كتب كامو جوهر فلسفته: "من يطلب المستحيل لا يرضى إلا بالعدم".
ألبير كامو ونور الشريف.. حين التقى الفيلسوف بالممثل في مرآة العبث
وقد أحيا نور الشريف هذه المأساة الفكرية على خشبات المسرح المصري في تجربة لافتة شاركته فيها النجمة إلهام شاهين، حيث قدّما معًا ترجمة بصرية عربية لفكر كامو، جعلت من "كاليجولا" حوارًا بين السلطة والمطلق، بين الإنسان وقدره، وبين السؤال واللاجدوى.
أما في "سوء تفاهم" (Le Malentendu)، فيقودنا كامو إلى دراما مأساوية بسيطة المظهر، لكنها عميقة الأثر، حيث تلتقي الأم بابنها بعد غيابٍ طويل دون أن تعرفه، لتقتله في مشهدٍ يجسد مأساة الغربة الوجودية والعمى الإنساني، وفي "العادلون" (Les Justes)، يستلهم الكاتب تجربة الثوار الروس ليطرح سؤال الأخلاق في وجه الثورة: هل يمكن أن يُبرر العدلُ القتل؟.. وهنا لا يدافع كامو عن الفعل الثوري بقدر ما يُحاكمه بمنطق الضمير والإنسان.
نور الشريف والهام شاهين في مسرحية كاليجولا
ينتمي ألبير كامو إلى تيار المسرح العبثي الذي ساد أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، جنبًا إلى جنب مع صموئيل بيكيت ويونسكو، غير أن عبث كامو لم يكن تشاؤمًا بل وعيًا بالعبث، أي إدراك الإنسان لعدم وجود معنى نهائي للحياة، ثم إصراره رغم ذلك على أن يعيش ويقاوم، فهو لا يدعو إلى اليأس، بل إلى التمرد الهادئ الذي يجعل من الوعي باللاجدوى قوةً للحرية.
كتب كامو الرواية والمقال والمسرحية، لكن ما يجمعها جميعًا هو الإيمان بالإنسان كقيمةٍ كبرى، مهما ضاقت به المعاني، ومن الغريب إلى الطاعون، ومن السقطة إلى المنفى والملكة، ظل يبحث عن النقاء وسط الغموض، وعن الحقيقة وسط الضجيج، ونال جائزة نوبل للآداب عام 1957، لكنه ظل حتى رحيله المفاجئ عام 1960 صوتًا للتمرد النبيل، وصدىً للأسئلة التي لا تموت.
في ذكرى ميلاده، يعود ألبير كامو لا ككاتبٍ فرنسي فحسب، بل كضميرٍ إنسانيٍّ ما زال يهمس لنا: في عمق الشتاء، أدركت أن في داخلي صيفًا لا يُقهر.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة اليوم السابع ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من اليوم السابع ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
