على مدار (خدمتي) بالمركز القومي للسينما حتى وصولي لرئاسته لمدة تقل عن عام في وزارة المرحوم المثقف الكبير د.شاكر عبد الحميد عاصرت كثيرا من رؤساء المركز اذكر منهم هاشم النحاس المخرج والناقد السينمائي الكبير وعلى أبو شادي الناقد السينمائي الكبير والذي تولى الكثير من المناصب مع رئاسته للمركز وبعد أن خلفه د. خالد عبد الجليل وبينهم فيما أذكر فترة قصيرة تولى الرئاسة فيها د. كامل القليوبي ولكني أذكر الآن إثنان كان لي معهما حوارا طويلا حول دور المركز وأعتقد أن كليهما كان يملك تصورا مهما عن أهمية تطوير الموقع وإدراكا محددا لطبيعة دوره الهام. كان تعيين فاروق حسني وزيرا للثقافة سنة 1987 مفاجئا لكل المثقفين المصريين إذ كان شخصية مجهولة تماما للوسط الثقافي في مصر والعالم العربي ولكن كونه إبنا للثقافة الجماهيرية (كان مديرالقصر ثقافة الانفوشي بالاسكندرية) ثم أرسل إلى أكاديمية روما.. للأكاديمية المصريه التي عرف عنها (داخل دواليب الدولة المصرية) إنها مركز لتدريب القيادات المحتملة وخاصة في المجال الثقافي والفني... كل هذا دفع الكثير إلى التريث في الهجوم على الوزير الشاب وإعطاءه فرصة كاملة لفهم الواقع المعقد لوزارته والتعامل معه كفنان مثقف قادم من عالم الفن التشكيلي ويعلم تفاصيله وأساليب التعامل معه .. وفي الحقيقة فإن فاروق حسني (رغم طول بقاءه في الوزارة وكثير من المآخذ على ادائه يعتبر الآن من أفضل وزراء الثقافة في مرحلة ما بعد الرواد وهذا أمر ربما نعود إليه فيما بعد)... أثبت أنه صاحب عقل سياسي واعي وإدراك لأهمية الثقافة وأقدار المثقفين ووعي بأهمية دورهم مما أسهم في خلق فترة خصبة في تاريخ الثقافة المصرية خاض فيهما الوزير معارك كثيرة تحت قبة البرلمان وخارجة دفاعا عن حرية الإبداع وسندا للمبدعين رغم اختلاف الكثيرين معه ورفض الكثير منهم لسياساته. عين وزير الثقافة الفنان الكثير (كرم مطاوع) رئيسا للمركز القومي للسينما... ورغم أن تعيين ممثل ومخرج مسرحي لمهمة سينمائية كان مفاجئا إلا أن الترحيب بكرم مطاوع كان هو الغالب على المهتمين في الوسط السينمائي كون كرم مطاوع فنان. عرف عنه التزام بقضايا الوطن وممارسة لفن الإخراج المسرحي (وحتى السينمائي) وكونه قبل كل شئ مثقف كبير مهموم بقضايا الثقافة والفن في مصر وخارجها.. وبدأ كرم مطاوع عمله بالدعوة إلى اجتماع بكل الفنانين العاملين بالمركز (وهو فعل لم يمارسه غيره طوال مدة معرفتي برؤساء المركز ) .. لمناقشة دور المركز وسبل تطوير إمكانياته وبحث المشاكل التي تعوق العمل به .. وفي الحقيقة أنه كان مستمتعا جيدا و (مندهشا) عظيما مما يسمع من أحوال تحولت إلى أمراض مزمنة تحاصر الكيان واذكر في هذا الاجتماع أني طلبت الكلمة (وكنت وقتها مساعدا للإخراج ومخرجا لفيلم تسجيلي وحيد) وقلت له ما جعلنا أصدقاء فيما بعد:إن اهتمام الدولة بالسينما كصناعه وفن في اتجاه متناقص منذ بداية عصر السادات وإن التحسن النسبي الحادث الآن ربما لن يطول وأن منصبك الحقيقي ليس (رئيس مركز للسينما) وإنما وزير للسينما حيث إنك تشغل الوظيفة الوحيدة المعنية حقا بصناعة الأفلام وإن إدراكك لهذه المهمة سوف يخلق في المركز بؤرة هامة لتنشيط الصناعة... كل الصناعة...رد كرم على مدخلتي بأنه يدرك تماما المسئوليه الملقاة على عاتقه وامتدح اختيار فاروق حسني له (وإن تفاجأ به) وأعلن أن باب مكتبه سيظل مفتوحا للجميع لأنه لا يستطيع وحدة أن ينجز شيئا في مجال غريب قليلا عن خبرته السابقة كمدير لمسرح الجيب والمسرح القومي والبيت الفني للمسرح. بدأ كرم عمله بجدية شديدة محاولا للقفز فوق قواعد البيروقراطية التي تلجأ اليها عادة القيادات الإِدارية والمالية في مثل هذه المؤسسات ..كنت في مكتبة مرات عديدة وهو يدخل في (مشاجرات) يعلو فيها صوته على كبار موظفين يحذرونه من (التوقيع) على خطوات يرونها غير مدروسة وأنها قد تحمل له عواقب (قانونية) خطيرة. كان يقول ببساطة (وقد تعلمت منه ذلك واعترف بأني حذوت حذوه) :(يا ستي احبسوني .. أنا راجل معنديش مشكلة .. احبسوني )ثم يضع توقيعه وسط (مصممه )شفاه الموظين الذي تتجلى مهاراتهم في محاولة السيطرةعلى الرئيس الجديد بكونه غير ملم (بقواعد) العمل وآلياته البيروقراطية.. وللأسف تم إقالة كرم مطاوع من منصبه بعد فترة وجيزه ليس بسبب خطأ مالي وإداري ولكن لأنه (تطوع )برفت مخرجه تعمل بالمركز لأنها سافرت بدون إذنه إلى إسرائيل بل وتزوجت من اسرائيلي... لم يكن كرم مؤمنا بفكرة التطبيع مع العدو شكلا وموضوعا ... ولكن السفارة ضغطت والإعلام العبري اعتبر هذه الحكايه خرقا لاتفاقية السلام !! فاستجاب الوزير وأنهى خدمة كرم القصيرة والوهاجة.