اقتصاد / صحيفة الخليج

دمج صندوق النقد والبنك الدوليين

د. محمد الصياد *
هاتان المؤسستان الماليتان الدوليتان تنتميان لعصر مضى وانقضى، عصر بناء ما هدمته الحرب العالمية الثانية، الذي هو بالقياس، يحاكي العصر الوسيط، إذا ما أخذنا في الاعتبار الطفرات التي عصفت بالعالم منذ ذلك الوقت، منذ حوالي 80 عاماً. والدليل على ذلك أنهما بقيتا منذ ذلك اليوم مؤسستين غربيتين قائمتين على الحصرية Exclusivity، وتفتقران إلى العالمية Universalism، والتنوع والشمولية

Diversity and inclusiveness رغم انضواء معظم بلدان العالم في عضويتهما.

المؤسستان اُنشئتا بالتزامن في يوليو/تموز 1944 في مؤتمر بريتون وودز في الولايات المتحدة التي كُرِّست أعماله لإنشاء نظام نقدي عالمي جديد بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. ومع أن المؤسستين متآخيتين في كل شيء، الا أن النهج الذي أسند لكل منهما يختلف الواحد عن الآخر قليلاً، إنما يؤديان نفس الغرض. فبينما يركز صندوق النقد الدولي على استقرار الاقتصاد الكلي والاستقرار المالي، فإن البنك الدولي يركز على التنمية الاقتصادية طويلة الأجل ومحاولة عدم تفاقم الفقر في بلدان الجنوب النامية. لكن قاعدة عملائهما واحدة، في ذات الوقت الذي يوجد فيه مجلس إدارة مختلف عن مجلس إدارة الآخر، وكل منهما يضم 24 مديراً تنفيذياً يشرفون على معاملات نفس البلدان المقترضة. أيضاً، وكما يصدر صندوق النقد الدولي توقعاته للاقتصاد العالمي، كذلك يفعل البنك الدولي في تناوله للمؤشرات الاقتصادية العالمية. وتصدر المؤسستان تقارير ومنشورات تغطي موضوعات مماثلة.

وللمؤسستين ممثلون مقيمون في معظم البلدان المتعاملة معهما، والتي يتعين عليهم استقبال البعثات رفيعة المستوى من المؤسستين في أوقات الأزمات. وهو ما يضع ضغوطاً كبيرة على البلدان الصغيرة التي غالباً ما تكون فقيرة وذات بنية تحتية إدارية ضعيفة، إذ يتعين عليها أن تستوعب زيارات عدد كبير من مبعوثي المؤسستين. والدول التي لا يتمكن الصندوق والبنك من إرسال بعثاتهما المشتركة إليها، يتعين على حكوماتها أن تقوم بهذه الممارسة مرتين خلال فترة زمنية قصيرة، مع اضطرارها للتعامل مع إجراءات وثقافات مؤسسية ومشورات مختلفة لا تتسق دائما مع طاقات وإمكانيات هذه الدول وممارساتها الاقتصادية والإدارية السائدة.

لذلك، لم يكن ممكناً تجنب الازدواجية والتداخلات في عمل المؤسستين. في هيكليتهما المتكررة، سنجد أن لدى كلتيهما إدارات قطرية منفصلة، ومجموعات بيانات إحصائية وغيرها، وخبراء في السلع والتجارة، ومراكز تدريب ونحوها. وتنطوي هذه الازدواجية على مخاطر جمة للبلدان النامية المتعاملة مع المؤسستين، خصوصا فيما يتعلق بقدرتها الإدارية المحدودة في كثير من الأحيان على التعامل مع تدابير الاستجابة لمتطلبات جميع عملياتها التمويلية.

المثير أن صندوق النقد الدولي انتقل إلى ضفاف عمل البنك الدولي، وصار هو الآخر يمول أعمال التنمية المتوسطة والطويلة الأجل، التي تعد تقليدياً مجال عمل البنك الدولي. بدوره دخل البنك الدولي على خط مجال عمل صندوق النقد الدولي، بتقديمه هو الآخر ما تسمى قروض التكيف. حتى اختلط الحابل بالنابل، فلم يعد هناك فرق بين هذه القروض وقروض دعم موازين المدفوعات التي يقدمها الصندق لأعضائه. فكان أن اكتسبا لقب «التوأمين المتشابهين للغاية» في بعض وسائط الاعلام الغربية، على الرغم من تنافسهما على «مناطق النفوذ». وخشية من تزايد الحديث عن توأمتهما وحتمية دمجهما، فقد لجأت المؤسستان لتنسيق مواقفهما. لكن ذلك لم يوقف الدعوات والدراسات الداعية لدمج إدارتيهما ومجلسيهما، بما يشمل كافة مؤسسات بريتون وودز المالية والنقدية العالمية ومنها مؤسسة التمويل الدولية (IFC). فمنذ تأسيسهما، ما برحت الدعوات لتوحيدهما، تتردد وتتكرر من جانب عدة جهات رسمية وأكاديمية اقتصادية، وباحثين جامعيين، بل وحتى مجلة معروفة بتمثيلها مصالح الرأسماليات الغربية، مثل مجلة الإيكونومست البريطانية، التي دعت لمثل هذا الدمج في يناير 1976.

والأكيد أن تكتل مجموعة السبع بقيادة أمريكا، لا يحبذ مجرد مناقشة فكرة استطلاع فرصة وإمكانية دمج هاتين المؤسستين، الصندوق والبنك، في مؤسسة عملاقة واحدة بهيكل تنظيمي وإداري وتكليف، أقل تكلفة، وأكثر فاعلية واستجابة لمتطلبات التنمية العالمية من تلك التقليدية التي تجاوزها الزمن منذ وقت طويل (قرابة 80 سنة). وقد يتطلب الأمر وجود مبادرين وداعمين لهذه الفكرة، يتحلون بشجاعة مواجهة حقيقية ومستجدات العصر الكوكبي الراهن، ويبددون ما يشيعه الإعلام الاقتصادي لمجموعة السبع، حول أن من شأن عملية الدمج أن تتسبب في حدوث فجوة تمويل عالمية خلال الفترة الانتقالية. وهذه الهواجس المثارة، هي في حد ذاتها تعبير عن الجمود البيروقراطي والثقافة المؤسسية التقليدية السائدة التي آن أوان لتغيير واقعها. خصوصا وقد باتت الدول الأعضاء تخاطر إن هي قررت التقدم بطلب مساعدة من إحداهما، من حيث ارتباط المساعدة بشروط تقيد حركتها التنموية السيادية الداخلية. والشروط متشابهة في المؤسستين، فالدولة التي يُرفض طلبها من قبل إحداهما لا تستطيع اللجوء للأخرى.

* خبير بحريني في العلاقات الاقتصادية الدولية

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا