اقتصاد / صحيفة الخليج

بين النمو وفقاعة التصنيع

أليسيا غارسيا هيريرو *
تجاوز الناتج المحلي الإجمالي للصين في الربع الأول توقعات السوق، بمعدل نمو قدره 5.3%، ما يشير إلى بداية واعدة لهذا العام بالنسبة لثاني أكبر اقتصاد في العالم، وإلى الجهود التي تبذلها لخلق انتعاش اقتصادي قائم على التصنيع تكسب من خلاله المزيد من الثقل.

مع ذلك، وفي ظل أرقام النمو الإيجابية الصادرة عن المكتب الوطني للإحصاء، لا تزال المخاوف قائمة بشأن القطاعات الاقتصادية الأخرى، وخاصة تجارة التجزئة، وسوق العقارات المحاصر، بالإضافة إلى فقاعة القدرة التصنيعية الفائضة! وهو تباين يستدعي تقييماً شاملاً للصحة الاقتصادية في الصين بما يتجاوز الأرقام الرئيسية.

وعليه، من الضروري وضع نمو الناتج المحلي الإجمالي الصيني في الربع الأول في سياق السرد الأوسع للتعافي في مرحلة ما بعد كوفيد. حيث ظلت البلاد تحت تأثير الإغلاق حتى إبريل/ نيسان ، ما يعني أن أحدث أرقام الناتج المحلي الإجمالي لا تزال تعكس الانتعاش الأولي من إعادة الفتح بدلاً من التوسع الاقتصادي المستدام.

ورغم أن الأرقام مشجعة، فإنها لا تقدم سوى لمحة جزئية عن المسار الاقتصادي في الصين. وسوف يأتي الاختبار الحقيقي لمرونة الاقتصاد وزخمه في الفصول اللاحقة من العام، وخاصة الربعين الثاني والثالث، في ظل توقعات بأن تصل تأثيرات الانتعاش الأولي إلى مرحلة الاستقرار. وسيراقب المحللون والمستثمرون هذه الأرقام القادمة عن كثب لقياس قوة ومتانة التعافي في الصين، خاصة وسط الشكوك المستمرة المحيطة بالتوقعات الاقتصادية العالمية والتوترات الجيوسياسية.

وبالعودة إلى القدرة التصنيعية الفائضة، ركز تقرير العمل الصادر مؤخراً عن مؤتمر المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني، واللجنة الوطنية للمؤتمر الاستشاري السياسي، بشكل أكبر على جانب العرض بدلاً من الطلب في الاقتصاد، وأشار إلى القوى الإنتاجية الجديدة، وأثرها في التحول الاقتصادي الذي تشهده البلاد. ومن خلاله، نرى أن الصين تهدف إلى مضاعفة التصنيع الأساسي والمتقدم في حين تبدو تدابير التحفيز الموجهة نحو الطلب أقل أهمية.

وشعر المستثمرون الأجانب بخيبة أمل بعد صدور تقرير العمل الذي أدى إلى انخفاض بنسبة 2% في مؤشر «هانغ سينغ»، وهو المقياس الخارجي الأكثر صلة بالميول الأجنبية في الصين. وبعد أن توقعوا إعلان بكين عن حوافز مالية ونقدية لدعم اقتصادها المحلي، يواجه المستثمرون اليوم المزيد من الضغوط التي تبذلها الصين في سعيها لتثبيت مكانتها «مصنعاً للعالم»، وهذه المرة، مصنع كل شيء، بما في ذلك المنتجات الأكثر تقدماً.

إن نجاح التركيز على الإنتاج الصناعي بدلاً من الاستهلاك يعتمد على كمية المنتجات الصينية التي سيقبلها بقية العالم. ومن خلال زيادة الاستثمار في التصنيع، ستتمكن البلاد من بناء قدرة إضافية تُضاف إلى قدرتها الفائضة القائمة بالفعل، وهو ما يمكن رؤيته من الضغوط الانكماشية المنتشرة والمستمرة في بعض القطاعات، في ظل بقاء أسعار المنتجين سلبية لما يقرب من عامين بالفعل.

والحقيقة هي أنه حتى مع انخفاض أسعار الصادرات، فإن الصين لم تتمكن من زيادة صادراتها حتى وقت قريب للغاية، الأمر الذي يضع علامة استفهام كبيرة حول ما إذا كان العالم راغباً عن طيب خاطر باستيعاب القدرة التصنيعية الفائضة لدى الصين.

لكن الواقع يقول إن نزعة الحمائية التي ظهرت في العالم، وتوسعت بداية من الولايات المتحدة، لن تؤدي إلا إلى زيادة الصعوبات التي تواجهها الصين في بيع السلع الناجمة عن هذه القوى الإنتاجية الجديدة.

وعلى هذا، يبدو أن هناك تناقضاً متأصلاً بين توقعات التصنيع الفائضة التي ستقدم الحل لآلام الصين المتزايدة من ناحية، وسياسة الحماية الاقتصادية المتنامية على مستوى العالم من ناحية أخرى. وصُناع السياسات في الصين بالطبع ليسوا مستعدين للقفز إلى المنطقة المجهولة من التنمية الاقتصادية عالية الجودة، والتخلي عن أهداف النمو القديمة في البلاد، وخاصة في ضوء مدى التركيز الذي توليه الحكومة لجودة النمو.

ويتوقف التركيز على الجودة على تصميم الصين على الابتعاد عن قطاع العقارات بوصفه المصدر الرئيسي للنمو والاتجاه نحو التصنيع المتقدم. ومع ذلك، فإن الإبقاء على هدف نمو الناتج المحلي الإجمالي الفعلي عند نفس مستوى العام الماضي بنسبة 5% يشير إلى الافتقار إلى الثقة في الحياد عن النموذج القديم.

ومن شبه المؤكد أن الضغوط الرامية إلى تحقيق النمو بما يتجاوز الإمكانات، وخاصة من خلال مضاعفة التصنيع المتقدم، ستخلق توترات إضافية مع شركاء الصين التجاريين الرئيسيين. وبالتالي فإن الوصول لهدف النمو هذا العام سيكون أصعب مما كان عليه في العام الماضي، بسبب التباطؤ البنيوي المتواصل وتعديل الخطط الاقتصادية وفقاً لذلك.

والخطوة الأكثر جرأة تتمثل أولاً في إدراك الصين لهذه المعطيات. لكن حتى لو تحقق ذلك، فسوف يكون بفضل بقية العالم الذي استوعب عن طيب خاطر القدرة الفائضة لدى الصين، وهو أمر لا يزال قيد الشبهات.

إن الانتقال إلى النمو العالي الجودة يعني ضمناً ضرورة تحمل بعض التكاليف الناجمة عن التباطؤ الاقتصادي في الانتقال من النموذج القائم على العقارات إلى نموذج يحتاج إلى قدر أقل من الاستثمار والمزيد من الاستهلاك. ولا تحتاج الصين إلى المزيد من الاستثمار في قطاع مختلف «مثل التصنيع» لأن هذا لن يؤدي إلا إلى تأخير إعادة التوازن للاقتصاد.

* كبيرة الاقتصاديين لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ في بنك الاستثمار الفرنسي «ناتيكسيس» (آسيا تايمز)

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا