د. رامي كمال النسور*
في تحول غير مسبوق في السياسة الاقتصادية، أحدث سعي إدارة ترامب النشط لخفض قيمة الدولار آثاراً سلبية في المشهد المالي العالمي. هذه الاستراتيجية، التي تهدف إلى تعزيز القدرة التنافسية للصادرات الأمريكية من خلال جعل السلع الأمريكية أرخص في السوق الدولية، لها عواقب بعيدة المدى ليس فقط على الولايات المتحدة، بل على الاقتصاد العالمي ككل.
وللحقيقة فإن هذه المرة ليست الأولى حيث سبقه الرئيس ريغان، الأمر الذي دفع إلى عقد اتفاقية بلازا في سبتمبر 1985 نسبة إلى فندق بلازا في مدينة نيويورك حيث اجتمع محافظو البنوك المركزية من أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا واليابان حيث تم التوصل إلى اتفاق يقضي بتخفيض قيمة الدولار الأمريكي بنسبة 40% خلال عامين بهدف إعادة التوازن للأسواق العالمية.
وفي هذا المقال سنعمل على تتبع الآثار والعواقب وهي سلبية وإيجابية والتي تترتب على تخفيض الدولار وسنبدأ بأنه من الآثار المباشرة لضعف الدولار زيادة القدرة التنافسية للصادرات الأمريكية. فمع انخفاض قيمة الدولار، تصبح المنتجات الأمريكية أرخص للمشترين الأجانب، ما قد يعزز قطاع التصنيع الأمريكي ويقلص العجز التجاري - وهو هدف رئيسي لإدارة ترامب. ومع ذلك، فإن هذه الميزة لا تخلو من سلبيات. فالدول التي تعتمد بشكل كبير على الواردات من الولايات المتحدة، مثل كندا والمكسيك، قد تشهد ارتفاعاً في تكلفة السلع، مما يؤدي إلى التضخم وتوتر العلاقات التجارية.
كما أن انخفاض قيمة الدولار يعني ارتفاع أسعار استيراد السلع الواردة إلى الولايات المتحدة، ما يساهم في التضخم المحلي. في حين أن الارتفاع المعتدل في التضخم قد يكون علامة على نمو الاقتصاد، فإن التضخم المفرط قد يُضعف القوة الشرائية، ويؤثر في المدخرات، ويضع ضغوطاً تصاعدية على أسعار الفائدة. قد يجد الاحتياطي الفيدرالي نفسه في موقف صعب، إذ يحاول موازنة الحاجة إلى السيطرة على التضخم دون عرقلة النمو الاقتصادي.
ومن عواقب هذا القرار أنه قد تتضاءل جاذبية الأصول الأمريكية للمستثمرين الأجانب بسبب انخفاض قيمة الدولار. وتصبح الاستثمارات في الولايات المتحدة، سواء في سوق الأسهم أو العقارات أو السندات الحكومية، أقل جاذبية مع انخفاض العائدات بالعملة الأجنبية. قد يؤدي هذا إلى انخفاض تدفق رأس المال، مما يؤثر في سوق الأسهم، وربما يؤدي إلى ارتفاع أسعار الفائدة حيث تعوّض الحكومة عن انخفاض الطلب على سنداتها.
وفي حين أن ضعف الدولار قد يُخفف العبء الحقيقي للديون المحلية، إلا أن تداعياته على التزامات الديون الدولية أكثر تعقيداً. قد تجد الكيانات الأمريكية التي لديها التزامات مقومة بالعملات الأجنبية نفسها تدفع أكثر بالدولار. في المقابل، قد تصبح التزامات الحكومات والشركات الأجنبية التي لديها ديون مقومة بالدولار الأمريكي أقل، شريطة ألا تنخفض قيمة عملاتها بالتزامن مع ذلك.
ويمكن أن يؤدي إضعاف الدولار المتعمد إلى إثارة إجراءات انتقامية أو تخفيضات تنافسية في قيمته من دول أخرى، مما يُنذر ب»حرب عملات» قد تُزعزع استقرار الأسواق المالية العالمية. تُخل هذه السيناريوهات بتوازن التجارة والاستثمار الدوليين، وقد تؤدي إلى زيادة التقلبات وعدم اليقين في الاقتصادات العالمية.
قد تكون لسياسة إدارة ترامب أيضاً تداعيات استراتيجية طويلة المدى، ما قد يُقوّض دور الدولار كعملة احتياطية رئيسية في العالم. فالثقة بالدولار عنصر أساسي في مكانته، وقد يُؤدي التخفيض المنهجي لقيمته إلى تآكل هذه الثقة، مما يؤدي إلى تحولات نحو عملات أو أصول أخرى كاحتياطيات عالمية. سيكون لهذا تداعيات عميقة على النفوذ الاقتصادي الاستراتيجي للولايات المتحدة عالمياً. وهنا سؤال مهم للغاية ما هي انعكاسات هذا التخفيض على الدول العربية، حيث ترتبط العديد من اقتصادات العالم، بما فيها الدول العربية، بالدولار الأمريكي، سواء مباشرة أو عبر سلة عملات يحتل فيها الدولار وزناً كبيراً. ويُعتمد هذا الربط غالباً من قبل البنوك المركزية لضبط سعر صرف العملة الوطنية. إن أي انخفاض في قيمة الدولار ينعكس مباشرة على تلك الاقتصادات، ومن أبرز التأثيرات:
* غلاء الأسعار وارتفاع تكلفة الواردات: يؤدي انخفاض الدولار إلى ارتفاع أسعار السلع المستوردة غير الأمريكية، وهذا يزيد من معدلات التضخم.
* انخفاض القدرة التنافسية للصادرات: قد يؤثر انخفاض الدولار سلباً في عائدات صادرات الدول النامية، ومنها الدول العربية.
* تبعية اقتصادية: ربط العملة بالدولار يجعل الاقتصادات المحلية عرضة لتأثيرات السياسات الأمريكية، بما في ذلك تقلبات أسعار الفائدة والتضخم.
* ارتفاع أعباء الديون: في حال كانت الديون مقوّمة بعملات أخرى، فإن ضعف الدولار يزيد من تكلفة سدادها.
ختاماً في حين أن سياسة إدارة ترامب لخفض قيمة الدولار قد تُقدم فوائد قصيرة الأجل من حيث القدرة التنافسية التجارية وربما تخفيف أعباء الديون، إلا أن التداعيات الأوسع نطاقاً قد تُشكل تحدياً لكل من الاقتصاد الأمريكي والاقتصاد العالمي.
* مستشار الأسواق المالية والاستدامة
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.