اقتصاد / صحيفة الخليج

بيئات حضرية ومدن مرنة

سعيد محمد القطامي*

يسلط إعلان 2025 عام المجتمع في الضوء على تركيز الدولة على بناء مجتمعات متماسكة ومتعاونة. وتشكّل هذه الرؤية الإضافة المثالية لتلبية الحاجة المتنامية للتصميمات الحضرية المدروسة والتي تدعم الشمولية والاستدامة والرفاهية للجميع. وفيما تمضي الإمارات في هذه المبادرة الوطنية، فإنها تدعونا جميعاً للإسهام في هذه الرؤية التقدمية المشتركة، والتي تنسجم بعمق مع التطور المستمر في أنماط الحياة الحضرية.
تُعدّ الإمارات من أسرع الدول نمواً في العالم، وتحظى بمكانة رائدة في مجالات عديدة، مثل الابتكار والاستدامة والرفاهية التي ينعم بها الجميع، وهو ما يزيد من اعتزازنا بوطننا الغالي وتسلط الأسواق العقارية المزدهرة في مختلف إمارات الدولة الضوء على مكانة الإمارات بصفتها مركزاً عالمياً للاستثمارات العقارية. وحققت دبي مستويات غير مسبوقة في المعاملات العقارية في عام 2024، مع قيمة إجمالية تجاوزت 760.7 مليار درهم إماراتي من 226000 صفقة. وتُسهم هذه الأرقام الكبيرة في إرساء مكانة دبي بوصفها وجهة أساسية لفرص استثمارية متنوعة وجذابة، بما يساعد على الوصول إلى مستويات أعلى في السوق.
وتشكل دبي على غرار مدن عديدة القلب النابض للحياة، حيث، يعيش اليوم أكثر من 4.4 مليار نسمة في المناطق الحضرية حول العالم. ويتوقع البنك الدولي ارتفاع هذا الرقم ليصل إلى 70% بحلول عام 2050. وينطوي هذا النمو الحضري على تحديات وفرص للمطورين وصنّاع السياسات والمسؤولين عن التخطيط المدني، لإعادة تصوّر المدن بطريقة تضع الرفاهية في صميم أهدافها.
وعلى الرغم من أن المدن باتت تتطور بطريقة غير مخطّطة، إلا أنه يمكن إعادة تصميم المساحات الحضرية بعناية ورؤية مدروسة لتعزيز الرفاهية البدنية والنفسية والاجتماعية. وهنا يبرز السؤال، كيف يمكننا بناء مجتمعات تدعم حياة أكثر صحة؟ وتكمن الإجابة في النهج الاستراتيجي الذي يدمج الرفاهية والاستدامة والتفاعل المجتمعي في جوهر وأساسات التصميم الحضري.
فعلى سبيل المثال، تشجع الأحياء المُصمّمة للمشي، والتي تحتوي على مساحات خضراء على النشاط البدني، وتوفر راحة نفسية من صخب المناطق الحضرية. فالعناصر المُخططة بعناية، مثل المسارات المتعرجة والحدائق على الأسطح والمناطق الهادئة، توفر بيئات للاسترخاء والهدوء الذهني. وتعمل الحدائق الحسية ومناطق العافية في الهواء الطلق على تعزيز الرفاهية العاطفية، مما يوفر ملجأً ضرورياً للغاية من ضغوط الحياة في المدينة.
ويشكّل المشروع السكني «ميدتاون» في مدينة دبي للإنتاج مثالاً في هذا السياق، حيث يحتضن مساحات خضراء ومناطق مشتركة مدروسة التصميم، مما يدعم الرفاهية البدنية والنفسية، ويُنشئ بيئة متّزنة تتيح للسكان النمو والازدهار. كما يضمّ المجتمع مجموعة من المرافق المفيدة، تتضمن خدمات تجزئة ومطاعم، مما يُسهم في تحسين نمط الحياة للسكان، ويعزز من جاذبية المشروع.
ويُعدّ الشعور بالوحدة مشكلة تواجه العالم أجمع، ولا سيما في أوساط الشباب وكبار السن، حيث تسلط الضوء على الحاجة إلى بنية تحتية مجتمعية تدعم التواصل البشري. ولمعالجة هذه المشكلة، لجأت مدن عديدة، مثل لندن وغوتنبرغ، إلى فكرة «مقاعد الدردشة» لتشجيع الأشخاص على التحدث إلى بعضهم. وأثبتت هذه الإجراءات البسيطة فاعليتها الكبيرة في الحدّ من الشعور بالوحدة في المناطق الحضرية. ومن جهة أخرى، يمكن أن تلعب المتنزهات المدروسة التصميم والمساحات المشتركة والفعاليات المجتمعية دوراً حيوياً في تعزيز الترابط المجتمعي والصحة النفسية.
ويعزز دمج عناصر التجزئة والضيافة والتجارة داخل المجتمعات السكنية الراحة ويثري التجربة الحضرية. ويُسهم التركيز على إنشاء مشروعات عقارية متعددة الاستخدامات في إنعاش الاقتصاد وتعزيز فرص العمل ودعم الأعمال المحلية، وذلك من خلال جذب السكان والزوار على حد سواء، مما يُسهم في حياة غنية ومترابطة.
وإضافة إلى ذلك، تساعد الروابط المجتمعية القوية على تحسين الرفاهية، فازدهار الأحياء السكنية والشركات المحلية يستند إلى هذه الشبكات. وتُسهم المجتمعات المتعددة الاستخدامات، والتي تدمج المساحات السكنية والتجارية والترفيهية في نسيج حضري متكامل، في جعل الحياة أكثر حيوية وقيمة.
لم تعد الرفاهية عنصراً مكملاً في سوق العقارات اليوم، بل باتت جزءاً من التوقعات البديهية عند المستثمرين. وتتجاوب الحكومات في جميع أنحاء العالم مع هذا التحول من خلال تضمين الرفاهية في السياسات الحضرية. فمثلاً، وافقت دبي مؤخراً على المخطط الشامل لتطوير مسارات المشاة، وهي مبادرة طموحة تهدف إلى تحويل دبي إلى مدينة صديقة للمشاة، مما يشجع على اتباع أنماط حياة نشطة، ويعزز الاعتماد على المشي ليكون جزءاً رئيسياً من الحياة اليومية. وتُرسي هذه الرؤية مكانة دبي بوصفها إحدى أكثر المدن صحة واستدامة في العالم. وتحتضن ديار هذه الرؤية من خلال مشاريع تركز على المجتمع، بما فيها بارك فايف الذي تم إطلاقه مؤخراً في مدينة دبي للإنتاج، والذي يرتقي إلى معايير جديدة في أسلوب الحياة الحضري. ومن خلال تحسين حركة المشاة وخيارات التنقل الفردي داخل المجتمع، يجسد بارك فايف مبادئ التصميم التي تركز على الرفاهية، والتي تتماشى مع أهداف دبي الأكبر نطاقاً في الاستدامة.
وتلعب التكنولوجيا أيضاً دوراً حيوياً في تعزيز رفاهية المجتمع، إذ توفر المنازل المتصلة بالإنترنت وأنظمة الفعّالة وحلول إدارة النفايات الذكية الراحة وتُسهم في تخفيف التأثير البيئي. كما تعزز المنصات الرقمية المجتمعية التفاعل بين أفراد المجتمع من خلال الترويج للفعاليات والتحديات الرياضية والموارد المشتركة، مما يساعد في إنشاء أحياء حيوية ومترابطة.
على الرغم من أن السعي نحو بناء مجتمعات تركز على الرفاهية يمثّل أفقاً واعداً، فإنه يواجه تحديات عدة. وتظل موازنة التكلفة مع البنية التحتية العالية الجودة أمراً بالغ الأهمية، خاصة في المناطق الحضرية سريعة النمو. كما أن الديناميكيات المتغيرة للحياة العصرية – مثل تزايد العمل عن بُعد والطلب المتنامي على مرافق الرفاهية – تتطلب حلولاً مرنة ومتكيفة مع المستقبل تلبي أنماط الحياة المتنوعة.
وسيكون التعاون بين كلِّ من الحكومات والمطورين والمجتمعات خطوة حاسمة في مواجهة هذه التحديات وضمان وصول الرفاهية للجميع. ومن خلال إعطاء الأولوية للشمولية والاستدامة، يمكن تحويل المساحات الحضرية إلى بيئات تعزز جودة الحياة على مختلف الصعُد.
ومع استمرار توسع المدن، باتت الحاجة إلى التصاميم الحضرية المدروسة أكبر من أي وقت مضى. ويقود المطورون الطريق، لرسم ملامح مستقبل تتوازن فيه الابتكارات مع الرفاهية والاستدامة. وبجهودنا الجماعية، يمكننا بناء مجتمعات تستوعب النمو وترتقي بحياة ساكنيها.
* الرئيس التنفيذي لشركة ديار للتطوير

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا