اقتصاد / صحيفة الخليج

كيف تُحول فشل المشروع إلى نجاح مستدام؟

ماجد الحداد *

في كل مشروع، هناك لحظة صدق لا مفر منها. لحظة تقف فيها وتُمعن النظر في الطريق الذي تسلكه، لتسأل نفسك: «هل ما زال هذا المشروع يستحق أن أقاتل من أجله؟ أم أن الوقت قد حان لأبدأ من جديد؟»
هنا تماماً، تبدأ «نظرية الحصان الميت» في العمل.
ما هي نظرية الحصان الميت؟
في علم الإدارة هناك العديد من المصطلحات الغريبة التي قد تُستخدم لوصف حالات معينة بأسلوب بسيط. ونظرية الحصان الميت إحدى هذه النظريات التي تدرس في العديد من كليات الإدارة، حيث تقول: «إذا اكتشفت أنك تركب حصاناً ميتاً، فإن أفضل استراتيجية هي النزول عنه».
في السياق الإداري، يرمز «الحصان الميت» إلى أي مشروع أو مبادرة فقدت قدرتها على التقدّم أو تحقيق أهدافها. ومع ذلك، يصر بعض المديرين أو رواد الأعمال على الاستمرار فيها، متجاهلين المؤشرات الحمراء. هذه الظاهرة معروفة في علم النفس الاقتصادي باسم «مغالطة التكلفة الغارقة» (Sunk Cost Fallacy)، أي الإصرار على الاستمرار في مشروع فقط لأننا استثمرنا فيه المال أو الجهد أو الوقت، حتى لو فاقت تكاليفه الحالية فوائده.
هذه المغالطة تقودنا للبقاء على ظهر «حصان ميت»، ونُقنع أنفسنا أن الانسحاب هو الفشل، بينما في الحقيقة... الاستمرار الخاطئ هو الفشل الحقيقي الذي يمنعنا من اغتنام فرص أكثر جدوى لماذا نتمسك بالحصان الميت؟
قد نعلم أن المشروع متعثر، وربما ميؤوس منه. لكننا نبقى عليه، لماذا؟ الأسباب كثيرة، وبعضها عاطفي أكثر مما هو عقلاني:
الاستثمار العاطفي: نربط بين المشروع وهويتنا الشخصية، فنخشى أن يعكس فشله فشلنا نحن.
الخوف من نظرة الآخرين: نعتقد أن التراجع يعني الضعف، رغم أن التراجع المدروس شجاعة حقيقية.
رفض الاعتراف بالخسارة: نحاول جاهدين أن نضع مبررات خاطئة للاستمرار حتى لا نشعر أن كل ما أنفقناه قد ضاع.
غياب آلية فعالة للتقييم والمراجعة: في بعض البيئات، لا توجد آليات شفافة للتقييم، فيستمر الخطأ دون تصحيح.
لكن لحسن الحظ، هناك نماذج ناجحة تخبرنا أن التعامل مع الفشل يمكن أن يكون بوابة للنجاح، إذا ما توفرت القيادة الواعية والرؤية المرنة.
ما الذي يجعل نموذجاً مختلفاً؟
قبل أن نغوص في التجارب، يجب أن نفهم الفلسفة التي تحكم الإدارة في الإمارات: «الفشل ليس ، بل محطة لإعادة الابتكار».
هذا التوجّه هو ما يجعل الإمارات واحدة من أكثر الدول ديناميكية في تحويل المشاريع المتعثرة إلى فرص واعدة.
الإمارات لا تُخفي الأخطاء، بل تعيد تقييمها، وتحوّلها إلى دروس. ومن خلال القيادة الحكيمة، وثقافة التعلّم المستمر، طوّرت الدولة نموذجاً إدارياً مرناً لا يخشى التغيير.
الإمارات لا تنظر للفشل كنقطة نهاية، بل تعتبره خطوة ضرورية نحو الابتكار الحقيقي، وهذا ما يظهر جلياً في عدد من التجارب الواقعية.
كيف نحول الفشل إلى فرصة؟
هنا الدرس الحقيقي الذي يمكن أن يتعلمه الجميع، أفراداً ومؤسسات:
التقييم الصادق: لا تنتظر حتى تتضاعف الخسائر. راجع الأرقام، واستمع للفريق، وواجه الواقع بشجاعة.
المرونة لا العناد: ليس من العيب تغيير المسار. العيب هو الاستمرار في اتجاه تعرف أنه خاطئ. الاستفادة من الموارد القائمة: حتى في المشاريع الفاشلة، هناك ما يمكن إنقاذه – المعرفة، الفريق، البنية التحتية. الخروج الذكي: خطّط للخروج كما تخطط للانطلاق. تأكد من أن القرار يُدار باحترام، ومهنية، دون أن يضر بالسمعة.
ماذا يمكن أن نتعلم كأفراد ومؤسسات؟
من تجربة الإمارات، هناك دروس عملية تُلهم أي شخص يدير مشروعاً، أو حتى يسعى للتغيير الشخصي:
لا تسجن نفسك داخل فكرة قديمة، فقط لأنها كانت فكرتك.
احترم التجربة، لكن لا تفرضها على المستقبل.
اعترف بالفشل قبل أن يفرضه عليك الواقع.
غيّر الاتجاه، لا الهدف.
دع المرونة لتكون رفيقك، لا العناد.
الأهم من كل ذلك: لا تنتظر إذناً لتبدأ من جديد. القرار بيدك... الشجاعة بداخلك... والدروس حولك.
القرار الشجاع هو نقطة الانطلاق، ليس من الشجاعة أن تستمر في طريق خاطئ. الشجاعة هي أن تتوقف، وتقول: «هذا لا يصلح. وسأبدأ من جديد».
وهذا ما تفعله الإمارات، مرة تلو الأخرى، إنها لا تتردد في إعادة التقييم، ولا تخاف من التخلي عما لم يعد ينفع، ولهذا تستمر في النمو وبناء مستقبلها. وهكذا يمكن لكل فرد أن يبني مشروعه، حياته، أو حتى رؤيته الخاصة من جديد.
في الختام، الحصان الميت لا يذهب بك إلى أي مكان.. لكن النزول عنه قد يأخذك إلى حيث تستحق أن تكون.
* مدير البرامج وتطوير المشاريع، المجلس الوطني الاتحادي
[email protected]

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا