تعيش مدينة قرطبة في ظلال ماضيها العريق، حيث كانت في القرن العاشر الميلادي أعظم عاصمة في أوروبا، متفوقةً على باريس وروما في إنجازاتها الأكاديمية والمعمارية والفنية. وتشتهر بالحرف اليدوية وفنون الطهي، لذلك لا يجب تفويت فرصة تذوق الأطباق المحلية المميزة مثل «نارانجا كون أسيتيه إي باكالاو» (سمك القد المملح بزيت الزيتون والبرتقال)، و«سالمورخو» (حساء طماطم طازج، يشبه الجازباتشو ولكنه أكثر كثافة) ومن أشهر معالم هذه المدينة الأندلسية، مسجدها المسمى «لا ميزكيتا»، وهو مسجد مدرج في قائمة اليونسكو، ويعد أحد أروع المباني الإسلامية في أوروبا. الجسر الروماني من المعالم الشهيرة في قرطبة «بوينتي روماني»، والتي تعني الجسر الروماني، وهو من أطلال العصر الروماني القديم، ويمتد هذا الجسر ذو ال 16 قوساً على نهر الوادي الكبير، ويقع خلف جامع قرطبة مباشرةً. وبُني الجسر في الأصل، بعد انتصار قيصر على بومبيوس الكبير، وبعد ذلك بُني جسر آخر على أساسات الجسر الروماني. ويقع عند أحد طرفي الجسر برج كالاهورا، وهو برج بوابة يعود تاريخه إلى القرن الثاني عشر، والذي كان جزءاً من تحصينات المدينة في العصور الوسطى، ومنع فرديناند الثالث من دخول قرطبة. ويضم البرج متحف الأندلس، والذي يعرض العناصر الدينية والثقافية، التي شكلت الهوية الأندلسية، ويحتفي هذا المتحف التفاعلي، من خلال الوسائط المتعددة والتجارب الحسية، بالفترة التاريخية، التي عاشت فيها المجتمعات المسيحية واليهودية والمسلمة في قرطبة معاً في وئام. المسجد الكبير لاميزكيتا هو المسجد الأعظم الذي شُيّد ل «خلافة قرطبة» في العصر الثامن الميلادي، وهو مُدرج في قائمة اليونسكو للتراث العالمي، ويعد تحفة معمارية إسلامية ومن أبرز معالم إسبانيا. ويكون دخول المسجد، عبر بوابة «بويرتا ديل بيردون» المؤدية إلى فناء «باتيو دي لوس نارانخوس» (فناء البرتقال) الخلاب، المزروع بأشجار البرتقال العطرة والنخيل. وفي هذا الفناء كان يجري الوضوء. ومن باحة النارنجوس، تصل إلى باب لاس بالماس المُصمم على الطراز المُدجن، والذي يُؤدي إلى قاعة الصلاة في المسجد، وتُشكل هذه القاعة الرائعة غابة لا متناهية من 856 من الأعمدة والأقواس المُهيبة. ترتبط أعمدة الرخام واليشب بأقواس حدوة حصان حمراء وبيضاء. وفي قاعة الصلاة تُشير المحاريب إلى اتجاه مكة المكرمة ويُعدّ المحراب الجديد، الذي يعرض القرآن الكريم، تحفة فنية إسلامية فريدة من نوعها، وقد صُنع من كتلة رخامية واحدة، ومُغطى بوفرة من الزخارف النباتية والهندسية وآيات قرآنية مكتوبة بخط عربي. وتم تحويل المسجد إلى كاتدرائية، عام 1523، على يد الملوك الكاثوليك ووُضِعَ حرم الكاتدرائية، بجوقته القوطية، في وسط المسجد، مع الحفاظ على الإطار الأساسي للعمارة الإسلامية. قصر الملوك لاستكشاف تراث قرطبة المتعدد الثقافات بشكل أعمق، يوصى بزيارة قصر الكازار، الذي يقع مواجهاً للجسر الروماني، في موقع يضم آثاراً رومانية وقوطية غربية. وكان هذا القصر في السابق قصراً للخليفة، ثم أصبح مقراً للحكام المغاربة، حتى تم فتح المدينة بواسطة الملك الكاثوليكي فرديناند الثالث عام 1236. ويعود تاريخ بعض أسوار وأبراج القلعة الدفاعية القديمة إلى العصر المغاربي إلا أن معظمها، بما في ذلك برج محاكم التفتيش، بُني لاحقاً عندما حسّن الملوك المسيحيون القلعة. ويُعدّ القصر نموذجاً للعمارة الأندلسية، ويتألف من قاعات متنوعة تحيط بباحات مليئة بالزهور والأشجار والنباتات العطرية النادرة، ويحتوي أيضاً مجموعة من الآثار، بما في ذلك فسيفساء رومانية رائعة في قاعة الفسيفساء، حيث اكتُشفت هذه القطع. وداخل أسوار قصر الكازار العتيقة، تمتد حدائق خلابة على الطراز العربي، تضم أحواضاً مزخرفة، وأسيجة، ونوافير مزخرفة. وفي فترة من الربيع إلى الخريف، تتفتح أزهار ملونة في أرجاء المكان. وفي أمسيات الصيف تُضاء النوافير، ويُقام عرض للضوء والصوت في الحدائق، وهو معلم جذب سياحي شهير يُحوّل الحدائق إلى تجربة ساحرة. وبخلاف جامع ميزكيتا، لا يُشكّل انتظار الدخول مشكلةً، (باستثناء برج الجرس)، قد تكون طوابير الدخول إلى القصر طويلةً وبطيئة. مهرجان باحات قرطبة يزدهر جمال قرطبة كل عام (عادةً في مايو/ أيار)، خلال مهرجان باحات قرطبة، وهو مهرجان شعبي في شكل مسابقة بين سكان قرطبة للفوز بالجائزة المرموقة «أجمل باحة». ويرحب السكان المحليون بالزوار في باحاتهم الداخلية (الباحات الداخلية للمنازل الخاصة)، المزينة بأصص زهور القرنفل وغيرها من الزهور الزاهية، وتضفي أزهار الياسمين والحمضيات العطرة عبيراً على المكان. وتتميز هذه الساحات المدرجة في قائمة اليونسكو أيضاً بالنوافير المتدفقة، والزهور، والتفاصيل المعمارية المغاربية المزخرفة مثل الشرفات المقوسة والبلاط الخزفي المزخرف. وللحصول على لمحة عن الساحات الرائعة المليئة بالأزهار النابضة بالحياة، تجول حول منطقة القصر القديم، بين القصر وكنيسة القديس باسيل، وحول منطقة سانتا مارينا، وحول كنيسة القديس لورانس، وبالقرب من كنيسة المجدلية. زقاق الزهور من أبرز معالم الحي اليهودي القديم في قرطبة شارع الزهور الضيق والملون، والمعروف محلياً باسم كاليخا دي لاس فلوريس، ويقع هذا الزقاق قبالة شارع فيلاسكيز بوسكو، وقد يتم تفويته بسهولة، إذا لم يكن الشخص منتبهاً له. وما أجمل التجول ببطء في هذا الشارع الضيق، والاستمتاع بالزهور الزاهية والرائحة الزكية، وهو شارع قصير نسبياً وسرعان ما يتم الوصول إلى ساحة صغيرة، توفر عند النظر منها إلى أسفل الشارع، ثم إلى أعلى صورة تُجسّد الأيقونة القرطبية، وهي شارع الزهور مع برج جرس جامع ميزكيتا في الخلفية. ولالتقاط صورة مميزة يفضل زيارة المكان في وقت متأخر من الصباح، أو في وقت مبكر بعد الظهر، عندما تضيء الشمس الزهور، ويصبح البرج مرئياً بوضوح.