لم تقتصر القطاعات التي يستهدفها الرئيس "ترامب" بأجندته التجارية على المعادن أو السيارات أو حتى السلع الزراعية فقط، بل امتدت إلى قطاع حيوي وهو الأدوية لعدة أهداف منها إضافة وظائف، ونقل التصنيع للداخل، ومعالجة مخاوف تتعلق بالأمن القومي، لكنه ربما يغفل خطرًا كبيرًا وهو مواجهة المواطنين أسعارًا أعلى أو نقصًا أكبر في الأدوية الأساسية. تعريفات على الأدوية هدد "ترامب" بفرض تعريفات جديدة بنسبة 200% على الأدوية قريبًا جدًا، لكنه سيمنح مهلة تستمر عامًا أو أكثر للشركات المصنعة لترتيب أمورها، ما يوضح رؤيته بأنه كلما ارتفعت التعريفات، سرّعت شركات الأدوية نقل مرافقها التصنيعية إلى البلاد، لكن يرى الخبراء أن الرسوم لن تحقق ذلك الهدف لأن نقل التصنيع سيكون مكلفًا للغاية ويستغرق سنوات. للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام تصنيع الأدوية كانت أمريكا تضم عمليات تصنيع ضخمة للأدوية في عدة ولايات لكن على مدى العقدين الماضيين أولت الشركات الأولوية للاستثمار في التصنيع الخارجي ونقلت عملياتها إلى أوروبا مستفيدة من السياسات الضريبية المواتية في سويسرا وأيرلندا وألمانيا، أما عن التصنيع منخفض التكلفة وخاصة للأدوية المكافئة فتركز في الهند والصين. الاعتماد على الواردات تنتج معظم الأدوية المستهلكة في الولايات المتحدة جزئيًا على الأقل في الخارج، وخلال العقد الماضي تضاعفت قيمة وارداتها من الأدوية من 73 مليار دولار في 2014 إلى أكثر من 215 مليار دولار في 2024، حسب بيانات الجمارك الأمريكية. أيرلندا حسب قاعدة بيانات إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، قامت العديد من أكبر شركات الأدوية المحلية بما يشمل "إيلي ليلي" و"فايزر" بتعهيد جزء كبير من عمليات التصنيع إلى أيرلندا بدعم من بيئة ضريبية مواتية، وتدير تلك الشركات ما يقرب من 24 مصنعًا في أيرلندا تشحن منتجاتها إلى أمريكا. نظرة على أكبر واردات الولايات المتحدة من الأدوية الدولة قيمة وارداتها من الأدوية لأمريكا لعام 2024(مليار دولار) أيرلندا 49.963 سويسرا 18.875 ألمانيا 16.511 سنغافورة 15.253 بلجيكا 12.349 الهند 12.323 إيطاليا 11.279 اليابان 7.272 المملكة المتحدة 6.986 الصين 6.912 هولندا 6.691 خطر نقص الأدوية هناك حالة من عدم اليقين بشأن الحجم الفعلي لتلك الرسوم أو مدتها، لكن عمومًا يحدث نقص الأدوية عندما تعجز سلاسل التوريد عن استيعاب صدمات العرض أو الطلب، وبالتالي فإن الأمر يعتمد على ما إذا كانت سوق الأدوية تتمتع بالمرونة الكافية لاستيعاب أي اضطرابات في المعروض، ويختلف الأمر حسب نوع الدواء. تباين تأثير التعريفات الجمركية المحتملة الدواء التوضيح الأدوية المحمية ببراءات اختراع يكمن أحد المخاوف الرئيسية من التعريفات الجمركية في التكلفة، لكن تأثيرها على المرضى سيعتمد بصورة كبيرة على كيفية استجابة شركات الأدوية التي يمكنها تحمل التكلفة الإضافية للحفاظ على حصتها السوقية، أو اختيار نقل التصنيع إلى أمريكا لتجنب الرسوم ودمج بعض تكاليف تلك الخطوة في السعر. أوضح "جيرومي بالريتش" الحاصل على الدكتوراه في العلوم الصحية أن في كلتا الحالتين ستنتقل زيادات الأسعار إلى شركات التأمين، والتي قد تغير سياساتها وترفع أقساطها، كما ستنتقل تلك الزيادات السعرية إلى برنامج "ميديكير". الأدوية المكافئة هي الأدوية غير المسجلة ببراءات الاختراع، والمركبة كيميائيًا والتي تقتصر المنافسه فيها على تقديم أدوية مختلفة لعلاج نفس الحالة، وبالتالي فإن هامش أرباحها منخفض. يتم تصنيعها في الهند والصين بصورة كبيرة نظرًا لانخفاض التكلفة، وقد لا تستطيع شركات تلك الأدوية الانتقال للولايات المتحدة لتجنب الرسوم الجمركية، لكنها قد تلجأ لطرق أخرى مثل استخدام منتجات أقل جودة وسعرًا أو خفض عمليات صيانة المعدات أو ضمان الجودة، ما يفاقم مشكلة نقص تلك الأدوية أو يؤثر سلبًا على صحة الأمريكيين. وأشارت "ماريانا سوكال" الأستاذة المساعدة في سياسات وإدارة الصحة في جامعة "جونز هوبكنز" إلى أن نقص تلك الأدوية قد يجبر المرضى على الاعتماد على أدوية ذات علامات تجارية أغلى ثمنًا. إلى جانب أن حوافز نقل الإنتاج إلى داخل البلاد أقل بكثير من تلك الخاصة بمصنعي الأدوية ذات العلامات التجارية، فمثلا يمكن بناء منشأة تصنيع في الهند بجزء بسيط مقارنة بالتكلفة في أمريكا نظرًا لانخفاض تكلفة العمالة والأرض وغيرها إلى جانب قلة التصاريح المحلية المطلوبة. كما أن هامش الربح الذي سيحصل عليه مصنعو تلك الأدوية سيكون محدودًا في أمريكا، أولاً نظرًا للحصول على حصة كبيرة من المدخلات من خارج البلاد وحتى لو كانت متاحة محليًا فربما تكون أكثر تكلفة من نظيرتها الأجنبية وخاصة فيما يتعلق بالمواد الكيميائية الدقيقة. فترة سماح يرى "أكاش تيواري" المحلل لدى "جيفريز" أنه إذا بدأت فترة السماح التي أشار لها "ترامب" هذا العام واستمرت لمدة عام ونصف فيمكن للشركات مواصلة استيراد الأدوية معفاة من التعريفات حتى 2027، ويمكنها اكتساب المزيد من الوقت حال راكمت مخزوناتها في تلك الفترة لتغطية الطلب حتى 2028 على الأقل، ما يمنحها وقتًا لبناء منشآت تصنيع أمريكية جديدة بالكامل. استعدادات قامت "ميرك" بتخزين جرعات من الدواء الأكثر مبيعًا في العالم وهو العلاج المناعي للسرطان "كيترودا" -الذي يصنع بشكل أساسي في أيرلندا- من أجل تلبية الطلب الأمريكي ما يسمح لها بتجنب أي تعريفات مستقبلية على الدواء الذي يمثل ما يقرب من نصف إيراداتها السنوية، أما "إيلي ليلي" فأعلنت خطة بقيمة 27 مليار دولار لبناء أربعة مواقع تصنيع ضخمة في الولايات المتحدة. الخلاصة قد لا تسفر التعريفات الجمركية الأمريكية على واردات الأدوية عن زيادة سعرية فورية نظرًا للمخزونات التي راكمتها الشركات وفترة السماح التي قد تقدمها واشنطن، لكنها ربما تؤدي إلى زيادات لاحقة لأن بناء منشأة جديدة للتصنيع يستغرق عادة من 3 إلى 5 سنوات كما أن تكلفة بناء مصنع ما قد تزيد على مليار دولار، وبالتالي فإنها ربما تؤثر على ميزانيات المرضى قبل تحقيق أهداف "ترامب". المصادر: أرقام - نيويورك تايمز – تريدنج إيكونومكس – ذا موتلي فول – بلومبرج – جامعة "جونز هوبكنز " – أكسيوس – "هارفارد بيزنس ريفيو" – بروكينجز – وول ستريت جورنال