في صباحٍ بارد من فبراير، كانت مدينة كُروبي اليابانية مغطّاة بطبقة من الثلج الكثيف، حيث يقع مقرّ شركة تصنع شيئًا صغيرًا نستعمله يوميًا دون أن نوليه اهتمامًا: السحّابات. اجتمع كبار مسؤولي "واي كيه كيه YKK" لمراجعة الميزانية السنوية، لكن تحوّل النقاش سريعًا إلى تساؤل ملحّ: هل يمكن أن تتغيّر فجأة قواعد التجارة العالمية، فتنهار معها سلاسل الإمداد التي اعتدنا الاعتماد عليها؟ بداية إمبراطورية - تأسست شركة "يوشيدا"، المعروفة باسم "واي كيه كيه"، عام 1934 على يد "تاداو يوشيدا" في طوكيو، وكان منتجها الأساسي هو السحّاب المعروف، الذي بدأ إنتاجه لأول مرة في الولايات المتحدة عام 1893 لكنه لم ينتشر إلا بعد تطويره في 1913، وبدأ "يوشيدا" بصنع السحابات يدوياً، ثم استورد في عام 1950 آلات متطورة لتحسين الإنتاج. للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام واي كيه كيه - تعتبر أكبر مصنّع للسحّابات في العالم، وتزوّد منتجاتها ملايين الملابس والحقائب والمعدات والسيارات حول العالم، كما تعتبر محركًا رئيسيًا للسلاسل الصناعية العالمية، حيث تمتد شبكة إنتاجها وتوزيعها إلى 70 دولة حول العالم، وحققت إيرادات بلغت 6.9 مليار دولار خلال العام المالي المنتهي في 31 مارس. مفاجآت ترامب - بحلول أوائل فبراير، أصبح واضحًا لدى "جيم ريد"، رئيس الشركة في أمريكا، أن زملاءه في اليابان يركزون على متابعة الأعمال في ظل ظروف متغيرة، ولم يكن لدى عملاء "واي كيه كيه" في قطاع الملابس مجال لتعديل الإنتاج بسرعة، خاصة مع بدء إنتاج طلبيات الخريف/الشتاء 2025، ما يجعل إعادة توجيه الشحنات لتجنب التعريفات أمرًا شبه مستحيل. عدم اليقين - قال "ماسايوكي سارومارو"، الرئيس التنفيذي آنذاك، إن أكبر مصدر للقلق هو عدم القدرة على التنبؤ بالمستقبل، فرغم خبرته الطويلة، وجد أن هذا المزيج من الإجراءات السياسية والردود المتبادلة خلق حالة من عدم اليقين لا تشبه أزماتٍ سابقة طوال فترة عمله الممتدة لخمسين عامًا. قطاعات متضررة - لا يعد مقر "كُروبي" مصنعًا واحدًا فحسب؛ لأنه مركز أبحاث وهندسة، وواحد من أكثر من 500 منشأة تملكها المجموعة حول العالم، حيث تستخدم السحّابات المنتجة هناك في ملابس من علامات عالمية وفي منتجاتٍ تقنية، كما طوّرت الشركة مكوّنات تُستخدم في السيارات والأجهزة الطبية. ضارة نافعة - قال "تيبّي فوجيماكي"، الذي عمل في قسم المبيعات بالشركة في بنجلاديش بين 2017 و2020 خلال الولاية الأولى للرئيس "دونالد ترامب"، إن فريق التسويق العالمي للشركة تنبأ مسبقًا، استنادًا إلى تراجع الطلبات في الصين، بمدى الحاجة لزيادة الطاقة الإنتاجية في بنجلاديش لاستيعاب النمو المتوقع في صناعة الملابس هناك. تعدد المصادر - قال "برايان لا بلانت"، مدير الاستدامة الأول: "الجميع يتحدث عن التعريفات الجمركية، ونحن لا نتحدث عن خفض إنتاج الملابس، نحن نتحدث فقط عن مصادرها المستقبلية، فلا يهم إن كانت بنجلاديش أو فيتنام أو أمريكا الجنوبية.. هذا لن يؤثر علينا بشكل عام". استراتيجية مرنة - في حديثها عن مآل الأمور خلال ولاية "ترامب" الثانية، اعتبرت "كوزو تشايلدريس"، مديرة إدارة سلسلة التوريد، أن ذلك يشكل فرصة للشركة، حيث يمكنها الاستفادة من مصنعها لأسلاك النحاس في ولاية "جورجيا"، وجاء ذلك قبل فرض "ترامب" تعريفات جمركية بنسبة 50% على النحاس. مخاوف استثمارية - تخوف "ريد" من توقف الاستثمارات طويلة الأجل في الأسواق المعرضة للرسوم الجمركية، قائلًا: "عندما تخلق حالة من عدم الاستقرار، يتوقف تدفق رؤوس الأموال، وقد لا يكون لهذا تأثير كبير على الطلبيات اليومية والشهرية أو حتى الفصلية، لكنه سيكون له تأثير كبير على من كان يخطط لبدء بناء مصنع جديد". تحدي التكيف - بين 1974 و2000، فقدت الولايات المتحدة نحو مليون وظيفة في صناعة الملابس، نتيجة العولمة وتحولات سلاسل التوريد، ورغم بساطة المنتجات مثل السحابات، فإن تعقيد الإنتاج والتوزيع يحول دون استعادة الوظائف، ويضع شركات كبرى مثل "واي كيه كيه" أمام تحديات كبيرة للتكيف مع السوق العالمي.ب المصدر: بلومبرج