لم تنجُ شركة انفيديا، الشركة الأكبر قيمة سوقية في العالم، من نيران الحرب التجارية التي يشنها الرئيس دونالد ترامب على الصين، وأصبح تفوقها في مجال رقائق الذكاء الاصطناعي وبالاً عليها، حيث أصبحت أقوى سلاح أمريكي ضد المنافس الصيني. فشركة انفيديا ذات علاقة وثيقة بما تحتاج إليه الصين من الولايات المتحدة، وهو رقائق الذكاء الاصطناعي، ولم يفوّت ترامب استغلال هذه الفرصة فصرّح الاثنين الماضي، حيث أبرم صفقة مع «إنفيديا» تسمح لها ببيع بعض رقائق الذكاء الاصطناعي للصين مقابل حصول الحكومة الأمريكية على حصة من إيرادات المبيعات هناك. وقال ترامب: إنه تفاوض أيضاً على صفقة مماثلة مع شركة «أدفانسد مايكرو ديفايسز» مصنّعة الرقائق. تراجع أم استفادة؟تمثل هذه الصفقة تغيراً واضحاً في موقف الولايات المتحدة التي كانت تبذل جهداً كبيراً للحيلولة دون حصول الصين على أشباه الموصلات المتقدمة، وذلك بسبب المخاوف الأمريكية من استخدام هذه التكنولوجيا من قبل الصين للتطور العسكري. وكانت واشنطن قد بدأت تقييد صادرات بعض أشباه الموصلات إلى الصين في عام 2022، على الرغم من أن شركة إنفيديا تمكنت من تصدير رقاقة H20 المصممة خصيصاً للصين على الرغم من تعمد إبطاء تصديرها. 2.5 مليار دولار إيرادات في إبريل/نيسان الماضي، أعلنت إدارة ترامب أن تصدير تلك الرقاقة سيتطلب ترخيصاً، ما أدى بشكل مفاجئ إلى تعطيل شحنة إلى الصين كانت ستحقق لشركة انفيديا إيرادات تبلغ 2.5 مليار دولار في الربع المالي المنتهي في 27 إبريل/ نيسان. وقد نتج عن هذا الإعلان أن اضطر الرئيس التنفيذي لشركة إنفيديا جينسن هوانغ، بالتعهد باستثمار 500 مليار دولار لصنع خوادم الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة. وفي الشهر الماضي، أعلنت إنفيديا أنها ستستأنف مبيعات H20 إلى الصين بعد لقاء جمع ترامب وهوانغ في المكتب البيضاوي، وبدأت وزارة التجارة الأسبوع الماضي في ترخيص الرقائق للتصدير. لكن هذه الصفقة غير العادية يحذر المحللون والمشرعون من أنها ليست مجرد سماح لانفيديا بمعاودة تصدير رقائقها إلى الصين؛ بل أنها ربما تفتح الباب أمام سياسة تجارية قائمة على مبدأ «ادفع لتلعب». صفقات قادمة وتتضمن الصفقة السماح بتصدير بعض معالجات الذكاء الاصطناعي إلى الصين مقابل قيام «انفيديا» و«أدفانسد مايكرو ديفايسز» بدفع 15% من إيرادات المبيعات في الصين للحكومة الأمريكية. وصرح ترامب خلال مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض يوم الاثنين الماضي، بأنه طالب انفيديا بنسبة 20%، لكن هوانغ تفاوض معه وخفض الرقم إلى 15%. وقال ترامب: إن الصفقة الحالية تقتصر على رقائق H20 من شركة إنفيديا، والتي قال إنها «عتيقة»، وكذلك الرقاقة البطيئة MI308 من شركة أدفانسد مايكرو، لكنه أشار إلى أن صفقة مماثلة قد تكون قيد الإعداد للرقائق الأكثر تطوراً. وأشار ترامب في رقاقة الذكاء الاصطناعي الأكثر تطوراً التي تنتجها شركة انفيديا إلى أن رقاقة «بلاكويل» متطورة للغاية ولن أقبل بصفقة كهذه «ثم قال إنه قد يوافق بصفقة على نسخة مُحسّنة نوعاً ما من هذه الرقاقة بصفقة تتراوح بين 30% و50%، وقال إنها الأحدث والأروع في العالم ولا أحد يمتلك مثلها، ولن يتمكن أحد من امتلاك مثلها خمس سنوات. ومن جهتها أبدت شركة إنفيديا احترامها للقرار الجديد قائلة في بيان لمجلة تايم: إنها تتبع القواعد التي وضعتها الحكومة الأمريكية لمشاركتهم في الأسواق العالمية، وتأمل في أن تسمح قواعد مراقبة الصادرات. ردة فعل لم تكن الصين لتراقب كل ما يجري من دون أن تحرك ساكناً؛ فقد أفادت التقارير بأن بكين منعت الشركات المحلية من استخدام رقاقة H20، ولم تحظر استخدامها بشكل قاطع، لكنها نصت على عدم استخدامها في الأعمال المتعلقة بالأمن القومي. وذكرت تقارير أخرى أن بعض الشركات الصينية وضعت خططاً لتقليص طلبياتها على رقائق إنفيديا بعد أن طلبت الحكومة من الشركات تبرير سبب شرائها لرقائق إنفيديا H20 بدلاً من الرقائق المحلية، مثل تلك التي تنتجها شركة هواوي الصينية، والتي حظرتها الولايات المتحدة. وفرضت الصين ضوابط تصدير صارمة لكن محللين صرّحوا بأن الرقائق الأمريكية، حتى في نسختها المخففة، تُعدّ عالمية المستوى وستظلّ مطلوبة من قِبَل الشركات. وعلى الرغم من أن ترامب وصف رقائق H2O بأنها «عتيقة» وقال إن الصين «تمتلكها بالفعل بشكل مختلف»، إلا أنه أشار أيضاً إلى أنها «لا تزال تحظى بطلب في السوق». أداة ضعيفة كان وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت قد صرح في يوليو/تموز الماضي، بأن ضوابط تصدير شركة إنفيديا استُخدمت أيضاً كـ«أداة تفاوض» في محادثات التجارة الأمريكية الصينية. وكان الموعد النهائي للتوصل إلى اتفاق تجاري بين الولايات المتحدة والصين هو 12 أغسطس، لكن البلدين مدّدا هدنتهما 90 يوماً لمواصلة المفاوضات. لكن إذا اشترت الشركات الصينية عدداً أقل من الرقائق من شركة إنفيديا، فإن الصفقة التي طال انتظارها من جانب ترامب، وأي محاولات أخرى لاستخدام الرقائق بصفتها أداة للمساومة، قد تكون أقل قيمة. مخاوف قانونية يُعتقد أن رقائق H20 التي تنتجها شركة انفيديا قد استُخدمت في تطوير نموذج الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر لشركة «ديب سيك» DeepSeek، الصينية، ما أثار حالة من الذعر في الولايات المتحدة بشأن ما إذا كانت تقنية الذكاء الاصطناعي الصينية أكثر تقدماً مما كان يُعتقد.