كتب عبد الحليم سالمالخميس، 21 أغسطس 2025 10:22 ص الجمعية العامة للأمم المتحدة يجب أن تركز على الحلول العملية لأزمات التنمية والديون أكد مقال مشترك شارك في كتابته الدكتور محمود محيي الدين، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لتمويل التنمية المستدامة والمكلف من أمين عام الأمم المتحدة برئاسة فريق الخبراء لتقديم حلول لأزمة الدين العالمي، أن النظام الحالي لتمويل التنمية وإعادة هيكلة الديون يحتاج إلى إصلاح عاجل، فمع تراجع تدفقات المساعدات، وتسارع وتيرة تغيّر المناخ وفقدان الطبيعة، وتباطؤ النمو العالمي، ستزداد هشاشة أوضاع الديون في البلدان النامية، كما ستتفاقم التهديدات للاستقرار العالمي.جاء ذلك في مقال مشترك بموقع Project Syndicate تحت عنوان "أجندة لمعالجة أزمات الدين والتنمية"، شارك في كتابته مارتين جوزمان، الأستاذ بكلية الشؤون الدولية والعامة بجامعة كولومبيا ووزير الاقتصاد الأسبق بالأرجنتين، وڤيرا سونجوي، زميلة غير مقيمة بارزة في برنامج الاقتصاد العالمي والتنمية بمعهد بروكينجز، ورئيسة مشاركة في اللجنة المستقلة رفيعة المستوى المعنية بتمويل المناخ. وأفاد المقال بأنه عقب انعقاد المؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية في يونيو الماضي، وصل المجتمع الدولي إلى لحظة فارقة أدركت فيها الحكومات والمؤسسات المالية الدولية ومنظمات المجتمع المدني ضرورة مواجهة أزمتي الدين والتنمية الراهنة، وأبدت استعدادها للتحرك قُبيل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر. وأوضح المقال أن التقارير الحديثة التي شارك في إعدادها محيي الدين وجوزمان وسونجوي -مثل دين صحي على كوكب صحي، وتقرير اليوبيل، وتقرير فريق الخبراء التابع للأمين العام للأمم المتحدة حول الديون- إلى جانب أعمال العديد من الخبراء، خطورة هذه الأزمات المتشابكة وإلحاحها، فضلًا عن تداعياتها المدمّرة. ففي عام ٢٠٢٤، دفعت البلدان النامية ٢٥ مليار دولار إضافية للدائنين الخارجيين مقارنة بما تلقته من تدفقات مالية جديدة. ويعني ذلك أن ٣,٤ مليار شخص -أي أكثر من ٤٠٪ من سكان العالم- يعيشون في دول تنفق على فوائد الديون أكثر مما تنفق على الصحة أو التعليم، ومع تراجع المساعدات وتسارع تغيّر المناخ وفقدان الطبيعة وتباطؤ النمو، فإن أوضاع ديون هذه البلدان ستزداد هشاشة، وكذلك التهديدات التي تطال البشر والاستقرار العالمي والكوكب بأسره. وجاء في المقال أن الأمر لا يقتصر على إدراك خطورة المشكلة وإلحاحها، بل يتفق كثيرون أيضًا على كيفية وصول المجتمع الدولي إلى هذه النقطة، فالنظام المالي العالمي الحالي لم يتم تصميمه لتلبية احتياجات الإنسان والكوكب، ونظرًا إلى التفاوتات التاريخية وضعف القدرة التفاوضية، تواجه البلدان النامية تكاليف اقتراض مرتفعة باستمرار، إضافةً إلى عدم التكافؤ في تطبيق القواعد الاحترازية، ومع عدم وجود ضمانات للشفافية والمساءلة والتخطيط الاستثماري الاستراتيجي، فشلت سياسات الاقتراض والإقراض في تحفيز الاستثمارات الإنتاجية اللازمة لدفع النمو المستدام، كما أن تدفقات رأس المال شديدة التقلب، إذ تتدفق بكثافة على البلدان النامية في أوقات الرواج ثم تنسحب سريعًا عند وقوع الصدمات، وفي الوقت نفسه، فإن القوانين والسياسات المنظمة لعمليات إعادة هيكلة الديون طالما شجعت على التسويف بدلًا من الحلول. وأوضح المقال أن الوضع تفاقم في السنوات الأخيرة، فاستجابةً لجائحة كورونا، أنفقت الدول القادرة مبالغ هائلة لدعم مواطنيها، بينما عجزت البلدان النامية عن القيام بالمثل لغياب شبكة أمان عالمية، ورغم أن التخصيصات الجديدة لحقوق السحب الخاصة من صندوق النقد الدولي قد ساعدت إلى حد ما، إلا أنها لم تكن كافية، أما الجهود الأخيرة لمعالجة ضائقة الديون -مثل الإطار المشترك لمجموعة العشرين- فقد جاءت دون التوقعات بكثير. وأشار المقال إلى أن عمليات إعادة هيكلة النظام المالي العالمي ما زالت بطيئة وغامضة، ونتائجها محكومة في الغالب بفوارق القوة التفاوضية بين الدول ودائنيها، كما باتت هذه العمليات معقدة أكثر من أي وقت مضى بفعل تعدد الأطراف المعنية، من نادي باريس للدائنين السياديين، إلى المقرضين الثنائيين الجدد مثل الصين، مرورًا بتزايد أعداد الدائنين من القطاع الخاص، وحتى عندما تُمنح الأولوية للإعفاء من الديون، فإنه غالبًا ما يأتي متأخرًا جدًا وبقدر قليل جدًا. وأفاد المقال بأنه بالنظر إلى تعقيد الأزمة فإنه لا يوجد حل سحري واحد، لكن في المقابل فإن العالم لا يفتقر إلى الحلول العملية الفعالة، فمن أجل معالجة جذور المشكلة، ينبغي تسريع إصلاح الطريقة التي يجري بها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي تحليلات استدامة الديون، فالنهج الحالي ليس شاملًا، ولا يأخذ في الاعتبار بشكل كافٍ المخاطر المرتبطة بالمناخ والطبيعة، كما أنه لا ينظر في كيفية استخدام الأموال، ورغم أن هذه القضايا تبدو تقنية لكنها بالغة الأثر، إذ طالما أعاقت الأطر المعيبة إمكانات الاقتراض الإنتاجي الضروري لتحسين رأس المال البشري، وزيادة الاستثمار في البنية التحتية، وتعزيز القدرة على مواجهة التغير المناخي. في الوقت نفسه، ثمة مبرر قوي لإنشاء هياكل ومؤسسات جديدة، بدءًا بنادي المقترضين، فكما نسّق الدائنون جهودهم لعقود، لا يمكن للمقترضين المنافسة إلا إذا نسقوا جهودهم أيضًا، حيث أنه من شأن هذا التنسيق أن يعزز قوتهم التفاوضية الجماعية ويضمن مراعاة مصالحهم، كما يمكن أن يوفر منصة لتبادل الخبرات بين دول الجنوب، وتقديم المساعدة الفنية، وتحسين إدارة الديون. وبحسب المقال، فقد شاب محاولات التنسيق السابقة بين المقترضين ضعف العزم، لكن هناك اليوم زخم جديد، وما نحتاجه الآن هو المضي قُدمًا في وضع أهداف استراتيجية مشتركة، وهيكل حوكمة، وتمويل كافٍ، ولتحسين عملية إعادة الهيكلة، يجب كذلك تغيير الحوافز أمام كل من الدائنين والمدينين، ومن الخيارات المطروحة إدراج آلية تعليق تلقائي لخدمة الدين ضمن الإطار المشترك لمجموعة العشرين لصالح الدول التي تواجه أعباء ديون غير مستدامة، كما يمكن لصندوق النقد الدولي أن يستخدم سياسته في "الإقراض في ظل المتأخرات" لضمان أن التمويل المتعدد الأطراف يحقق غايته، بدلًا من أن يُستخدم في سداد سندات متعثرة كان ينبغي إعادة هيكلتها، فلا منطق اقتصادي ولا عدالة في أن تتدفق الأموال الشحيحة إلى دائنين بعيدين بعد إعصار مدمّر، بدلًا من أن تُوجَّه لمن هم في أمس الحاجة إلى الغذاء والمأوى. وشدد المقال على ضرورة أن يكون إصلاح التشريعات المنظمة لعمليات إعادة الهيكلة جزءًا أساسيًا من الأجندة المشتركة، بما في ذلك تعديل سعر الفائدة "التعويضي" قبل صدور الأحكام في ولاية نيويورك على الديون المتأخرة، والذي ظل ثابتًا عند ٩٪ منذ عام ١٩٨١ حين كان معدل التضخم ٨,٩٪، إضافةً إلى إدخال حدود قصوى على حجم الاسترداد، وليس سرًا أن الدائنين لا يهرعون حاليًا إلى طاولة المفاوضات. وجاء في المقال أنه عبر هذه الحلول الأساسية: إصلاح تحليلات استدامة الديون، وإنشاء نادي المقترضين، وتحسين توقيت وعمق عمليات إعادة الهيكلة؛ فإن ما يهم بقدر أهمية الأفكار هو قوة الالتزام بها. ففي عام ٢٠٠٠، ساعدت جهود تحالف عالمي قوي على تحقيق إعفاء كبير من الديون للدول منخفضة الدخل، لكن الواقع الحالي يتطلب إصلاحات أوسع وأعمق لمعالجة الأزمة الراهنة التي تؤثر في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل على حد سواء، ومنع الأزمات المستقبلية، وتعزيز النمو وخلق الوظائف والازدهار. وفي نهاية المقال، قال محيي الدين وجوزمان وسونجوي إنه مع اقتراب انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر، ينبغي أن يتركز الاهتمام على دفع التقدم نحو هذه الحلول العملية.