اقتصاد / صحيفة الخليج

عالم غير متساوٍ.. هل يمكن سد الفجوة؟

د. عبد العظيم حنفي*

هناك أهمية كبيرة للاجتماعات الاقتصادية والحلقات الدراسية، التي عادة ما تعطي لقطات فكرية لحالة التفكير في الاقتصاديات الجادة في عشية تحولها. على سبيل المثال، تلك اللقطة التي أخذت في الاجتماعات التي عقدت في «دالاس» في شهر ديسمبر/كانون الأول 1984. هذه اللقطة عبارة عن كتاب صغير، تم إنتاجه من حلقة دراسية بعنوان «تاريخ الاقتصاد والاقتصادي الحديث»، وهذا الكتاب هو عبارة عن صورة ذاتية للمجموعة، توضح المكان الذي يقف فيه أفضل رجال الاقتصاد من «أعظم جيل»، والذين كانوا على مشارف الوصول إلى غاية حياتهم المهنية، عندما اجتمعوا في قاعة الاجتماعات في فندق هيلتون «دالاس»، ليتناقشوا في علاقة النظرية الاقتصادية بالتاريخ.
تم صنع كثير من صفحات التاريخ في العالم في شتاء عام 1984. لم يكن الرجال الموقرون الذين اجتمعوا في «دالاس» غير مهتمين بالأحداث الجارية، ولكنهم لم يأتوا إلى هذا الاجتماع ليقوموا بمناقشتها، حيث كان ما يشغلهم أساساً، هو السلطات الاقتصادية والتعامل معها على أنها علم قائم بذاته. كما أنه في تلك الاجتماعات والحلقات الدراسية، يتم عرض الآراء الاقتصادية، في إطار «سباق بين علماء الاقتصاد، وفي ذلك الاجتماع، تحدث عالم الاقتصاد دافيد بول عن «الانغلاق» على معيار معين والتعامل معه على أنه أمر واقع كنتيجة ل«لاقتصاديات نظام الحجم». (مثل الكلفة المنخفضة للحصول على خطاب مكتوب على الآلة الكاتبة من قبل السكرتارية) والترابط التقني الذي (سُمّي في ما بعد بالتكامل الاستراتيجي) بين «البرمجيات» Software، وتقنيات الكتابة باللمس، والتي أصبح جميع العاملين في مجال السكرتارية معتادين عليها والأجهزة Hardware الممثلة في لوحة المفاتيح نفسها. جميع تلك النتائج كانت «معتمدة على أحداث وقعت في الماضى». لكن ديفيد كان في سباق مع زميل له من جامعة ستانفورد يدعى بريان آرثر، وهو سباق لقول ما هو الشيء المميز في التغيرات التي تحدث خارج جدران الفندق، وأنه الأمر سيستغرق مرور عشر سنوات إضافية، قبل أن يبدأ الناس حديثهم عن اقتصاد جديد. كان أستاذ ستانفورد واحداً من حفنة العلماء الذين تذكروا بوضوح آلين يونج وورقته البحثية، التي كانت بعنوان «تزايد العوائد والتقدم الاقتصادي»، فقد كان دافيد يعرف كل شيء عن التاريخ السري للتغذية الاسترجاعية الإيجابية كما كان يدرك أن المتحدثين من زملائه هم من العلماء الموقرين في معبد البرنامج الحديث New Deal، كما كان يفهم وبصورة مؤكدة الجهاز الكامل للمنافسة الاحتكارية، والذي تم استنباطه، منذ خمسين عاماً مضت، للتعامل مع المواقف المماثلة.
لم يكن برايان آرثر هو منافس بول دافيد الوحيد في هذا السباق نحو التفسير. كان هناك طالب دراسات عليا شاب يدعى وارد هانسون، وكان بدأ في إلقاء محاضرات حول الجامعي ل«ستانفورد»، حول ما وصفة ب«يتامى التكنولوجيا» و«عربات الاحتفالات»، وهم الضحايا والمستفيدون، على التوالي من تزايد العوائد.
انتقل المشهد إلى إنجلترا. كان ذلك بعد اجتماع دالاس بعام تقريباً، في ديسمبر 1995، عندما تم توجيه الدعوة إلى محاضر مميز لإلقاء محاضرات «مارشال» في جامعة كامبريدج. كانت المحاضرات التي تم توجيه الدعوة إليها، لابد أن تكون ممتازة، حيث إن هذه المحاضرات التي تم تأسيسها 1932، كانت من أكثر المحاضرات امتيازاً من بين جميع ما يماثلها.
كانت هناك دراما مضافة إلى الموضوع، طالما أن هيئة تدريس الاقتصاد في كامبريدج كانت منقسمة بشدة حول الدعوة. لم يكن قد مضى بالكاد 12 شهراً على الكلمة التي ألقاها بول دافيد في «دالاس». كانت التأكيدات على ادعاءات نظرية النمو الحديثة على وشك الحدوث لأول مرة، وكان الضيف هو روبرت لوكاس، في عمر الثامنة والأربعين، أكثر المنظرين الاقتصاديين نفوذاً في العالم (حاصل على جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية عام 1995).
وكان الموضوع مدار الحديث هو ثروة الأمم، وبقليل من الصدمات المسلم بها، رسم لوكاس بعضاً من الفروق المبدئية، كما وجدت عام 1980، بين أسواق الاقتصاديات الصناعية من سويسرا إلى أيرلندا، كان متوسط دخل الفرد 100 دولار، وفي الوقت نفسه كان متوسط دخل الفرد في الهند 240 دولاراً، وفى هايتي 270 دولاراً، وهكذا الفارق هو أربعة أضعاف الدخل، وكانت 240 دولاراً لا تكفي للحفاظ على الحياة في إنجلترا، لمدة عام، ومن ثم فإن الفجوة ضخمة ورهيبة ومستمرة أيضاً. لقد مرت بعض الدول بثورات صناعية، أو شاركت فيها بصورة كاملة، في حين أن الدول الأخرى لم تقم بذلك.
ولكن هل يمكن أن تستمر هذه الحالة من عدم المساواة؟ أثبت جميع تجارب السنوات الأخيرة أنه يمكن سد الفجوة، على الأقل في ظل بعض الظروف الخاصة، فمعجزات والنمور الآسيوية الأربعة وهي كوريا الجنوبية وتايوان، وهونغ كونغ، وسنغافورة، تعطى أفضل عرض ممكن على أن معدلات النمو يمكن أن تختلف.
*كاتب مصري وأستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية
[email protected]

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا