- في الرابع من يوليو عام 1776، دوى صوت إعلان الاستقلال الأمريكي إيذانًا بميلاد أمة جديدة، وبعد سنوات من حرب ضروس، انتزعت الولايات المتحدة حريتها السياسية من بريطانيا العظمى.
- ولكن، هل كان ذلك استقلالًا حقيقيًا؟ الحقيقة أن الأمة الوليدة ظلت أسيرة لتبعيتها الاقتصادية؛ فالنظام المصرفي، والمصانع المتقدمة، والخبرات الصناعية، كلها كانت لا تزال في قبضة القوة الاستعمارية القديمة.
- في خضم هذا الواقع الهش، وبينما كانت أمريكا تبحث عن هويتها، بزغ نجم رجل لم يكن من الآباء المؤسسين التقليديين، لكن رؤيته كانت حجر الزاوية في بناء الاقتصاد الأمريكي الحديث هذا الرجل هو ألكسندر هاملتون.
من اليُتم في الكاريبي إلى قلب السياسة الأمريكية
- وُلد ألكسندر هاملتون عام 1755 في جزيرة نيفيس بجزر الهند الغربية البريطانية، في ظروف أقل ما يُقال عنها إنها كانت متواضعة.
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
- نشأ يتيمًا فقيرًا بعد أن هجر والده الأسرة وتوفيت والدته، ليعمل كاتبًا في أحد المتاجر التجارية وهو في الحادية عشرة من عمره. لكن خلف هذا الفتى اليتيم كانت تختبئ عبقرية فذة وطموح لا حدود له.
- وهكذا سرعان ما لفتت قدراته الاستثنائية أنظار من حوله، فجمعوا له المال وأرسلوه إلى نيويورك لإكمال تعليمه.
- وهناك، في كينجز كوليدج (جامعة كولومبيا حاليًا)، صقلت موهبته وتفتحت مداركه على وهج الثورة الأمريكية التي كانت تلوح في الأفق.
- لم يكتفِ هاملتون بالدراسة، بل انغمس في العمل الثوري، فكتب منشورات سياسية نافذة دافع فيها بحماس عن حق المستعمرات في تقرير مصيرها، وأظهر نضجًا فكريًا فاق عمره بمراحل، لدرجة أن كتاباته نُسبت خطأً إلى قادة كبار في الثورة مثل جون جاي وجون آدامز.
- لم تُضعف هذه النشأة الصعبة هاملتون، بل منحته صلابة جعلته يدرك أن الاستقلال السياسي بلا قوة اقتصادية ليس إلا وهمًا.
رؤية هاملتون: ثلاث ركائز لبناء الأمة
- عندما تولى هاملتون منصب وزير الخزانة الأول في تاريخ الولايات المتحدة عام 1789، لم يكن يهدف إلى تنظيم الشؤون المالية فحسب، بل حمل مشروعًا متكاملًا لتحويل أمريكا من مجموعة مستعمرات زراعية متناثرة إلى إمبراطورية صناعية واقتصادية.
وقد ارتكزت خطته على 3 دعائم أساسية لا تزال أصداؤها تتردد في السياسات الاقتصادية حتى يومنا هذا.
3 دعائم أساسية ارتكزت عليها خطة هاملتون الاقتصادية | |
1- تأسيس الائتمان العام: تحويل الدَّيْن إلى قوة
|
- ورثت الولايات المتحدة ديونًا هائلة من حرب الاستقلال، وكان الرأي السائد هو التملص من هذه الديون، لكن هاملتون رأى بعين الخبير الاستراتيجي أن "الدَّيْن العام، إذا لم يكن مفرطًا، سيكون نعمة وطنية". - كانت فلسفته ثورية: فمن خلال التزام الدولة الوليدة بسداد ديونها بالكامل، ستكتسب "مصداقية ائتمانية" لا تُقدر بثمن، ستسمح لها بالاقتراض مستقبلًا لتمويل مشروعاتها وتجاوز أزماتها. - نجح في إقناع الكونجرس بخطته، ليؤسس سمعة الولايات المتحدة كدولة تحترم التزاماتها المالية، وهي السمعة التي لا تزال حجر الزاوية في قوة الدولار اليوم. في الحاضر: - لا تزال الولايات المتحدة، شأنها شأن أي دولة حديثة، تعتمد على الدين العام لتمويل نفقاتها. - ورغم أن حجم الدين قد وصل إلى مستويات غير مسبوقة تفوق ما كان عليه خلال الحرب العالمية الثانية، فإن العالم (من دول ومؤسسات وأفراد) لا يزال يُقبل بشغف على شراء السندات وأذون الخزانة الأمريكية. - غني عن القول إن هذا الإقبال ليس إلا شهادة على نجاح رؤية هاملتون طويلة الأمد؛ فالثقة التي بناها قبل أكثر من قرنين هي التي تضمن اليوم تدفق الأموال إلى الاقتصاد الأمريكي. |
2- إنشاء نظام مصرفي قوي: قلب الاقتصاد النابض
|
- أدرك هاملتون أنه لا يمكن لأي اقتصاد أن ينمو بدون نظام مالي يضخ فيه الأموال بكفاءة، ومن هنا، جاءت فكرته لإنشاء "البنك الأول للولايات المتحدة". - لم يكن هذا البنك مجرد مؤسسة مالية، بل كان بمثابة القلب النابض الذي يربط بين المدخرين والمستثمرين، ويمنح القروض لرواد الأعمال، ويمول المشروعات، وينظم المعروض النقدي. - أسس هاملتون لشبكة من الوسطاء الماليين الذين شكّلوا الركيزة الأساسية للاقتصاد الأمريكي. في الحاضر: - تغيّر شكل النظام المصرفي الأمريكي بشكل جذري. فبعد أن كان هناك أكثر من 15,000 بنك في عام 1990، انخفض العدد اليوم إلى أقل من 5,000. - لكن صاحبَ هذا الانخفاضَ تركزٌ هائلٌ للثروة والقوة في عدد قليل من المؤسسات المالية العملاقة. - ورغم هذا التغيّر في الهيكل، فإن المبدأ الذي أرساه هاملتون لا يزال قائمًا: وجود قطاع مصرفي قوي وفعّال هو شرط أساسي لازدهار أي اقتصاد. |
3- تشجيع التنوّع الاقتصادي والبنية التحتية: من المزرعة إلى المصنع
|
- كانت أمريكا في عام 1790 اقتصادًا زراعيًا بالكامل. لكن هاملتون أدرك بحصافته أن الاعتماد على الزراعة وحدها هو وصفة للضعف والتبعية. - لذلك، دعا في "تقريره حول الصناعات" إلى دعم القطاع الصناعي الناشئ من خلال فرض رسوم جمركية لحماية المنتجات المحلية وتقديم إعانات للمصانع الجديدة. - لم تقتصر رؤيته على المصانع، بل امتدت لتشمل "البنية التحتية" التي تربط أجزاء الاقتصاد ببعضها؛ فقد شدد على ضرورة بناء الطرق والجسور والقنوات المائية لتكون بمثابة الشرايين التي تنقل البضائع والأفكار عبر الأمة الشاسعة. في الحاضر: - بعد مرور أكثر من 230 عامًا، لا يزال النقاش حول تحديث وتوسيع البنية التحتية يتصدر المشهد السياسي الأمريكي. - والمقترحات التي يناقشها الكونجرس اليوم، والتي تشمل الطرق والجسور والإنترنت فائق السرعة والطاقة النظيفة، ليست سوى امتداد حديث لرؤية هاملتون الأصلية. - فكما أدرك هاملتون، تدرك أمريكا اليوم أن البنية التحتية المتطورة هي العمود الفقري للتنافسية والنمو الاقتصادي. |
خاتمة: إرث لا يزال حيًا
- لم تكن أفكار ألكسندر هاملتون مجرد حلول لمشكلات القرن الثامن عشر، بل كانت مبادئ راسخة في بناء الدول.
- إن الحاجة إلى إدارة حكيمة للدين العام، ودعم نظام مصرفي نابض بالحياة، وتشجيع التنوّع الاقتصادي من خلال بنية تحتية حديثة، هي تحديات تواجه كل أمة طامحة إلى التقدم.
- في النهاية، قُتل هاملتون في مبارزة مأساوية مع خصمه السياسي آرون بور عام 1804، بعد أن كان المهندس الذي وضع المخططات التفصيلية لقوة أمريكا الاقتصادية.
المصدر: الموسوعة البريطانية
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة ارقام ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من ارقام ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.