أثارت الكتابة الأسبوع الماضي عن الحاجة إلى تطوير الأنظمة الرقمية التي تسهّل إنجاز معاملات المراجعين وصيانتها، صدى واسعاً لدى القراء.. جاءت معظم ردود الفعل لتؤكد أن التعطل أو التأخر في إنجاز المعاملات، حتى وإن كان «استثناءً»، لا ينسجم مع المكانة التي وصلت إليها الإمارات في المؤشرات العالمية، ولا مع مستوى الخدمات التنافسية التي تفتخر بها في الإقليم.بعضهم طالبوا، في إطار هذا التفاعل، بإيجاد حل للتأخير الذي يواجهه المراجع، عندما تحتاج المعاملة إلى أكثر من موافقة داخل الدائرة الواحدة، ففي مثل هذه الحالات، يجد صاحب المعاملة نفسه عالقاً بين قسمين أو أكثر، كل قسم يحيل المسؤولية إلى الآخر، لتضيع الأوقات والجهود، وتتضاعف الكلفة على المستثمر أو المتعامل.وتطرق آخرون إلى حالة مشابهة لا تقل تعقيداً، حين يحتاج الطلب إلى موافقة دائرتين حكوميتين مختلفتين، رغم أنه قُدِّم إلى دائرة بعينها. هنا تصبح المعاملة رهينة بانتظار الدائرة الأولى لموافقة الثانية، في وقت لا يملك فيه المراجع الحق في متابعة طلبه مباشرة لدى الجهة الأخرى. والنتيجة أن الزمن يضيع، والمسؤولية تضيع معه، والمراجع لا يملك سوى الانتظار.كما تحدّث بعضهم عن إشكالات مالية تحدث أحياناً، عندما يُطلب تسديد رسوم لخدمة، يتضح لاحقاً أنها غير لازمة. ورغم اعتراف الموظف بالخطأ، فإن استرداد المبلغ يصبح عملية معقدة، تتطلب مراجعات مطوّلة وإجراءات بيروقراطية مرهقة، ما يجعل استرجاع المبالغ شبه مستحيل.من المهم هنا التأكيد أن مثل هذه الملاحظات، وأكيد أن هناك أمثلة عدة، لا تعني أن خدمات الدوائر الحكومية متدنية، أو أن أداءها ضعيف، بل تظل استثناءات لا تمس الإنجازات العامة. لكن وجودها يستدعي يقظة أكبر من المسؤولين، ويؤكد الحاجة إلى تفعيل أدوات المتابعة والرقابة، سواء عبر فرق الجودة أو بتقارير «العملاء السريين» التي تقيس مستوى الخدمة على أرض الواقع.الخدمات الحكومية في الإمارات تتصدر بالفعل المؤشرات التنافسية العالمية، وتُعد عنصراً رئيسياً من عناصر قوتها الناعمة، ومغناطيساً يجذب الاستثمارات الأجنبية، غير أن الرهان على الإنجازات السابقة وحده لا يكفي، فالتجارب الناجحة في العالم أثبتت أن الحفاظ على الصدارة يتطلب تطويراً مستمراً ومراجعة دائمة لأي ثغرات، مهما بدت صغيرة.الخدمة المتميزة ليست مجرد واجب إداري يُقدَّم للمراجعين، بل استثمار استراتيجي يعزز سمعة الإمارات ويقوي موقعها التنافسي، ويرسّخ ثقة المستثمرين باقتصادها. أما غياب هذا التميز أو السماح ببوادر بيروقراطية، فسيؤدي إلى نتائج مباشرة تمس صورة الدولة، وهو ما لا يتوافق مع ثقافة الإمارات التي تسعى دائماً إلى أن تكون صفراً في البيروقراطية، و100% في الخدمة.