اقتصاد / صحيفة الخليج

دور قطاع الخدمات اللوجستية في دعم الطموح الإماراتي

طارق هنيدي *

على مدى العقد الماضي، تقدّمت دولة بخطىً ثابتة في تنفيذ رؤيتها الوطنية الرامية لبناء اقتصاد متنوع وجاهز للمستقبل. جوهر هذه الاستراتيجية يكمُن في نمو القطاعات غير النفطية، كالتجارة والخدمات اللوجستية والابتكار، والتي تلعب دوراً متزايد الأهمية في دعم مرونة الاقتصاد على المدى الطويل.
هذا الأداء الرفيع للتجارة الخارجية غير النفطية يدعم التقدم الاقتصادي لإحراز الأهداف المنشودة، إذ تواصل دولة الإمارات المضيّ باتجاه الوصول بحجم التجارة الخارجية غير النفطية إلى 4 تريليونات درهم بحلول عام 2027، متقدمةً بذلك على الجدول الزمني الأصلي المقرر لهذا الهدف. ففي الربع الأول فقط من عام 2025، نمَت التجارة الإماراتية الخارجية غير النفطية بنسبة 18.6% على أساس سنوي، لتصل إلى 835 مليار درهم، في دلالة على استدامة جهود الدولة وتعاظمها لإثراء دورها الحيوي في التجارة العالمية.
ومما يساند هذا التقدم، التخطيطُ طويل الأمد، والاستثمار المستمر في البنية التحتية، والتوافق والانسجام مع الاستراتيجيات الوطنية التي تُعنى بتحسين الوصول إلى الأسواق العالمية وتحقيق الترابط على امتداد سلاسل التوريد.
على الرغم من أهمية الموقع الجغرافي الاستراتيجي، إلا أنه لا يُشكّل سوى إحدى الركائز الأساسية لنجاح التجارة العالمية. فالحفاظ على نمو التجارة يتطلب منظومة لوجستية تتميّز بالكفاءة والقدرة على التوسّع. وفي هذا السياق، تبرز البنية التحتية عالمية المستوى في دولة الإمارات — والتي تشمل مطار دبي الدولي، ودبي وورلد سنترال، وميناء جبل علي، ومنطقة خليفة الصناعية في أبوظبي، وغيرها — كعامل تمكين محوري في تعزيز الربط الإقليمي والدولي. لكن النجاح الحقيقي يكمن في كيفية دمج البنية التحتية مع العمليات اللوجستية القائمة على البيانات، والأنظمة التي تتيح الاطلاع على أحدث المستجدات وتضمن استمرارية حركة البضائع بسلاسة.
هذا التقاطع بين البنية التحتية المادية والتكنولوجيا الذكية هو ما يشغّل الشبكات اللوجستية المتقدمة بطريقة فعالة. فالتكامل الفعال بين مراكز الشحن الجوي والبري والشبكات ذات وسائل النقل المتعددة بطرقها البحرية والبرية، أصبحت بحاجة إلى الاقتران بحلول تجارية رقمية، وأدواتٍ مُعززة بالذكاء الاصطناعي لتسهيل عمليات سلاسل التوريد، وأنظمة تخليص جمركي فعّالة. هذه العناصر مجتمعةً تشكّل الركيزة الداعمة لقيام منظومة تجارية رشيقة وسريعة الاستجابة.
لقد تحوّل قطاع الخدمات اللوجستية في دولة الإمارات إلى دعامة تمكين استراتيجية للتنويع الاقتصادي، إذ لا يقتصر دوره على تحفيز عمليات التصدير وحدها، وإنما يمتد ليسند عمليات إعادة التصدير والشحن المتسمة بالتعقيد. فهذا النموذج المتكامل المدعوم بالتكنولوجيا يمكّن البضائع من التحرك بسرعة عبر المناطق الحرة والنقاط الحدودية والبوابات العالمية، ما يدعم طموح الدولة في الإمساك بزمام الريادة في تنمية حركة التجارة العالمية.
في دولة الإمارات، تُمثّل الشركات الصغيرة والمتوسطة أكثر من 94% من المؤسسات، وتُعدّ قدرتها على الوصول إلى الأسواق العالمية بكفاءة وبتكلفة معقولة، أمراً أساسياً للوصول بحجم التجارة الخارجية غير النفطية للدولة إلى الهدف المتمثل بأربعة تريليونات درهم.
وفي هذا الإطار، يحرص مزودو الخدمات اللوجستية الذكية على إتاحة أدوات رقمية تساعد الشركات الصغيرة والمتوسطة على إدارة مهام الشحن والاستيراد. وتشمل هذه الأدوات التتبع شبه الفوري، وأداة إعداد الوثائق الرقمية للمعاملات التجارية، والمنصات المتكاملة التي تتيح الوصول إلى خدمات الشحن السريع متعدد الوسائل وخدمات تمرير الشحنات. هذه الحلول تسهم في تبسيط حركة التجارة العالمية، وتمكين الشركات الصغيرة من العمل بمستوى الرشاقة الذي تعمل به الشركات الكبيرة، دون الحاجة إلى قدرات لوجستية داخلية واسعة.
فإن البنية التحتية اللوجستية المتطورة والحلول الذكية المتاحة اليوم تسهم في تقليص الحواجز أمام الانخراط في منظومة التجارة العالمية، مما يتيح لشركة زراعية في مدينة العين تصدّر التمور إلى أوروبا، أو لرائد أعمال في مجال التصميم من الشارقة يسعى إلى دخول أسواق التجارة الإلكترونية الخليجية، فرصة المنافسة والنمو في الأسواق الدولية.
من المنتظر أن يشهد قطاع الخدمات اللوجستية مستقبلاً رقمياً ومستداماً، تعمل فيه تقنيات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والتحليلات التنبئية على زيادة الوضوح وتحسين مسارات النقل والارتقاء بأمن الشحنات على امتداد سلاسل التوريد. ولا يقتصر تأثير هذه الابتكارات على إثراء تجربة العملاء، ولكنه يمتد أيضاً ليعزز الكفاءة التشغيلية، ما يُعد أمراً بالغ الأهمية في عصر يشهد طلباً متزايداً وتوقعاتٍ متغيرة من المستهلكين.
وفي الوقت نفسه، يتزايد تبني القطاع للمسؤولية البيئية، فأصبحت جهود تحويل أسطول استلام الشحنات وتسليمها إلى مركبات كهربائية، واستخدام مواد مستدامة في التغليف، وتخطيط الذكي لعمليات التوصيل، ممارسات أساسية بعد أن كانت مجرد خيارات متاحة لمن يرغب. وتسهم طموحات دولة الإمارات بتحقيق الحياد الكربوني في إثراء هذا الزخم، ما يشجع أصحاب المصلحة على الاستثمار في أنظمة لوجستية أكثر مسؤوليةً ومراعاةً للبيئة.
لا شك في أن بلوغ قيمة التجارة الإماراتية الخارجية غير النفطية أربعة تريليونات درهم ليس الهدف النهائي، بل جزء من تحوّل اقتصادي أوسع. لذلك يُعد التعاون بين الجهات الحكومية المعنية، وجهات تمكين التجارة، ومقدمي الخدمات اللوجستية، أمراً بالغ الأهمية في سبيل الحفاظ على هذا المسار.
وبالرغم من أن الخدمات اللوجستية غالباً ما تعمل في الكواليس، فإنها تظل حاضرة في صميم مستقبل دولة الإمارات بوصفها مركزاً عالمياً للتجارة. لذلك فإن مدى نجاحنا في دمج البنية التحتية والتكنولوجيا والطموح المشترك سوف يرسم ملامح الطريق نحو عام 2027 وما بعده، بما يمكننا من الحفاظ على استمرارية تدفق السلع والفرص.
* نائب رئيس عمليات منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا لدى فيديكس

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا