د. رامي كمال النسور * أصبحت الاتفاقيات الثنائية أداة محورية في السياسة الاقتصادية للدول الحديثة، حيث تمثل وسيلة مباشرة لتعزيز التعاون وتوسيع نطاق الشراكات الاقتصادية. وفي هذا السياق، لعبت الاتفاقيات الثنائية دوراً جوهرياً في مسيرة دولة الإمارات العربية المتحدة، إذ ساعدتها على تنويع مصادر الدخل، وجذب الاستثمارات، وتعزيز مكانتها كمركز عالمي للتجارة والأعمال. وتشكل الاتفاقيات الثنائية جسوراً عملية للتعاون بين الدول، إذ تُترجم العلاقات الدبلوماسية إلى نتائج ملموسة يستفيد منها المواطنون والاقتصاد على حد سواء. ومن خلال هذه الشراكات، يمكن للدول تعزيز الاستقرار، دفع عجلة التنمية، وبناء عالم أكثر تعاوناً وتوازناً.إن الاتفاقية الثنائية هي اتفاق قانوني بين دولتين يحدد حقوقهما وواجباتهما المتبادلة في مجال معين. وغالباً ما تُعقد لتسوية قضايا محددة أو لتوسيع مجالات التعاون. وهي تُصاغ وفق قواعد القانون الدولي وتكتسب قوة إلزامية للطرفين بعد التصديق عليها.وتُولي دولة الإمارات العربية المتحدة أهمية كبيرة لبناء شبكة واسعة من العلاقات الدولية، تقوم على التعاون والشراكات الاستراتيجية. ومن أبرز الأدوات التي استخدمتها لتحقيق ذلك هي الاتفاقيات الثنائية، التي وقعتها مع العديد من الدول في مجالات متنوعة، تشمل الاقتصاد، الاستثمار، الأمن، التعليم، الطاقة، والثقافة.ومن أهم الآثار الإيجابية المترتبة على هذه الاتفاقيات الثنائية تعزيز الوضع الاقتصادي للإمارات فهي من جهة تعمل على تعزيز التجارة البينية تعمل الاتفاقيات الثنائية على إزالة العوائق الجمركية وغير الجمركية بين الإمارات وشركائها التجاريين، مما يفتح المجال أمام تدفق السلع والخدمات بسهولة ويسر. وقد ساهمت هذه الاتفاقيات في نمو حجم التجارة الخارجية للإمارات، وتوسيع أسواقها التصديرية بما يتجاوز نطاقها الإقليمي ليشمل أسواقاً آسيوية، وأوروبية، وإفريقية وأمريكية. وفي هذا المجال عقدت الإمارات عدداً من اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة (CEPA) مع دول محورية مثل الهند(2022) وتركيا (2023) وإندونيسيا (2023) فمثلاً اتفاقية الإمارات والهند، تعد نموذجاً بارزاً، حيث تستهدف رفع حجم التبادل التجاري غير النفطي إلى أكثر من 100 مليار دولار خلال خمس سنوات، مع إلغاء أو خفض الرسوم الجمركية على آلاف السلع.ومن جهة أخرى تُعد الاتفاقيات الثنائية للاستثمار من أهم الأدوات التي عززت قدرة الإمارات على استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية. فهي توفر إطاراً قانونياً يحمي المستثمرين، ويضمن لهم بيئة أعمال مستقرة وشفافة. ونتيجة لذلك، أصبحت الدولة وجهة مفضلة للشركات العالمية الباحثة عن بيئة آمنة وواعدة للنمو ويمكن لم يرغب في الاستزادة حول هذا الأمر قراءة مقالتي في هذه الجريدة الغراء بتاريخ 27 يوليو الماضي والذي يتحدث بالتفصيل كيف أصبحت دولة الإمارات دولة جاذبة للأثرياء ولرؤوس الأموال الباحثة عن ملاذ آمن وبيئة جاذبة. وضمن هذا السياق وقعت الإمارات أكثر من 100 اتفاقية ثنائية لحماية وتشجيع الاستثمار مع دول مختلفة، منها الصين، روسيا، فرنسا، وألمانيا. وقد انعكس ذلك على تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة، لتصبح في صدارة الدول العربية الجاذبة للاستثمارات.واستطاعت دولة الإمارات من خلال هذه الاتفاقيات، أن تعمم الفائدة على كل قطاعاتها الاقتصادية وليس فقط القطاع النفطي مثل التكنولوجيا، الطاقة المتجددة، النقل، السياحة، والخدمات المالية. وقد عزز هذا التنويع من متانة الاقتصاد الإماراتي، وزاد من قدرته على مواجهة التقلبات العالمية.ومن الجدير بالذكر أن الاتفاقيات الثنائية، لا تقتصر على الجوانب التجارية فحسب، بل تشمل أيضاً تبادل الخبرات والمعرفة. فقد أتاحت للإمارات فرصاً كبيرة للاستفادة من التجارب الدولية في مجالات الذكاء الاصطناعي، الابتكار، والاقتصاد الرقمي، الأمر الذي يدعم استراتيجيتها للتحول نحو اقتصاد قائم على المعرفة.أخيراً استطاعت دولة الإمارات من خلال إبرام عشرات الاتفاقيات الثنائية مع كبرى الاقتصادات العالمية، عززت الإمارات موقعها كمركز إقليمي ودولي للتجارة والتمويل والخدمات اللوجستية. كما جعلتها هذه الاتفاقيات جسراً للتواصل بين الشرق والغرب، مما رفع من مكانتها في الاقتصاد العالمي.إن الاتفاقيات الثنائية ليست مجرد أوراق موقعة بين الدول، بل هي رافعة استراتيجية أسهمت في جعل دولة الإمارات واحدة من أبرز الاقتصادات الناشئة في العالم. وبفضل هذه الاتفاقيات، تمكنت الإمارات من بناء اقتصاد متنوع، جاذب، وقادر على التكيف مع التحديات العالمية، بما يعزز رؤيتها المستقبلية نحو التنمية المستدامة والازدهار الشامل.* المستشار في الأسواق المالية والحوكمة والاستدامة