اقتصاد / ارقام

لماذا ينبغي لصناعة الأغذية العالمية أن تتبنى الزراعة المتجددة الآن؟

  • 1/3
  • 2/3
  • 3/3

- في ثمانينيات القرن الماضي، وفي قلب المرتفعات الخصبة في فيتنام، وقف شابٌ يُدعى "ترينه تان تان" أمام مفترق طرق.

 

- إذ كانت حقول الشاي التي ورثها عن أجداده لا تدرّ عليه الكافي، بينما كانت همسات "الذهب الأخضر" الجديد، أي البن، تتردد في كل أرجاء قريته، واعدةً بمستقبل أكثر إشراقاً.

 

- وكغيره من أقرانه، اتخذ تان قراره، واستبدل شجيرات الشاي بصفوف متراصة من شتلات البن، حالماً بحصاد وفير وثروة سريعة.

 

- ولكنه لم يكن يعلم حينها أن هذا سيتحول تدريجياً إلى كابوس، وأن الطريق الذي اختاره سيقوده إلى حافة الإفلاس البيئي والاقتصادي.

 

الدائرة المفرغة: الثمن الباهظ للزراعة الأحادية

 

 

- كان نموذج "الزراعة الأحادية المكثفة" هو السائد، وهو نهج يعتمد على زراعة محصول واحد على مساحات شاسعة، مع استخدام كثيف للمواد الكيميائية.

 

للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام

 

- انخرط تان في هذا السباق المحموم نحو الإنتاجية، فكان يرش حقله بالمبيدات الحشرية قرابة ثماني مرات في العام الواحد لمكافحة الآفات التي تهدد محصوله الثمين.

 

- لكن هذا السلاح الكيميائي كان سلاحاً ذا حدين؛ فبينما قضي على الحشرات الضارة، فقد أباد معها أيضاً الكائنات النافعة التي تشكّل خط الدفاع الطبيعي الأول للنظام البيئي، مثل العناكب والخنافس.

 

- وبفعل هذا التدخل، تحطمت الحلقة الطبيعية للتوازن البيولوجي، ووجد تان نفسه عالقًا في دائرة مفرغة لا تنتهي: فمع كل رشة مبيد، تعود الآفات في الموسم التالي أكثر شراسة ومقاومة، مما يجبره على زيادة جرعات المواد الكيميائية وتكرارها.

 

- وسرعان ما بدأت الأرض نفسها تئن تحت وطأة هذا الهجوم الكيميائي المستمر، وتدهورت صحة التربة وخصوبتها، وتحولت من طبقة غنية بالحياة إلى مجرد وسط خامل لاحتضان الجذور.

 

- وبدلاً من جني الأرباح، وجد تان نفسه يستثمر المزيد والمزيد من الأموال في شراء الأسمدة والمبيدات، فقط ليحافظ على مزرعته من الانهيار الكامل.

 

- إن قصة تان ليست مجرد حكاية فردية، بل هي مرآة تعكس أزمة عالمية عميقة. فنموذج الزراعة الأحادية الذي كاد أن يدمر مزرعته الصغيرة يهيمن اليوم على القطاع الزراعي في فيتنام والعالم بأسره.

 

لقد دفّعنا هوسنا بالإنتاجية القصوى ثمناً باهظاً، وتكشف الأرقام عن حجم الكارثة:

 

استنزاف المياه: يستهلك القطاع الزراعي العالمي ما يقرب من 70% من إجمالي المياه العذبة المسحوبة، مما يجعله المتسبب الرئيسي في ندرة المياه في العديد من مناطق العالم.

 

تدمير التنوع البيولوجي: يُعتبر التوسع الزراعي، بفعل إزالته للغابات والموائل الطبيعية، هو المحرك الأول لفقدان التنوع البيولوجي على كوكبنا. تشير التقديرات إلى أنه يمثل التهديد الرئيسي لـ 9 من كل 10 أنواع مهددة بالانقراض.

 

تدهور الأراضي: تعاني خُمس الأراضي الزراعية في العالم (20%) حالياً من التدهور، مما يؤدي مباشرة إلى انخفاض غلة المحاصيل وتراجع مداخيل المزارعين.

 

- في قلب هذه الأزمة يقف صغار المزارعين، وهم الحلقة الأضعف في سلاسل الإمداد الغذائي العالمية. فعلى الرغم من أنهم ينتجون جزءاً كبيراً من غذاء العالم، فإن الكثيرين منهم لا يكسبون ما يكفي لتأمين حياة كريمة.

 

- ومع تفاقم ظاهرة تغير المناخ، باتت سبل عيش الملايين منهم على المحك. لقد وصلت الزراعة العالمية إلى نقطة تحول حرجة؛ فالطعام الذي نأكله، والمزارعون الذين ينتجونه، كل ذلك أصبح في مهب الريح.

 

العودة إلى الجذور: ثورة الزراعة التجديدية

 

 

- في خضم هذه الصورة القاتمة، يبرز بصيص أمل يحمل في طياته حكمة الأجداد وحلول المستقبل: الزراعة التجديدية.

 

- هذا المفهوم، الذي قد يبدو غامضاً للبعض، هو في جوهره فلسفة زراعية تسعى إلى العمل بانسجام مع الطبيعة لا ضدها.

 

- هدفها ليس فقط الاستدامة أو الحفاظ على الوضع الراهن، بل هو أعمق من ذلك بكثير؛ إنه يهدف إلى تجديد وإحياء النظم البيئية المتدهورة.

 

- وفقاً لتعريف "تحالف الغابات المطيرة"، الذي يستند إلى أربعة عقود من الخبرة في الزراعة البيئية والإدارة الشاملة للنظم البيئية، ترتكز الزراعة التجديدية على مبادئ واضحة وممارسات علمية تهدف إلى:

 

تحسين صحة التربة وخصوبتها: عبر تغذيتها بالمواد العضوية بدلاً من استنزافها.

 

دعم نقاء المياه: من خلال تقليل الجريان السطحي للمواد الكيميائية.

 

تخزين الكربون في التربة: مما يساهم في التخفيف من آثار تغير المناخ.

 

الحفاظ على أنظمة بيئية صحية: عبر تعزيز التنوع البيولوجي.

 

هذه الممارسات ليست ابتكاراً جديداً، بل هي صدى لتقنيات عرفتها ومارستها الشعوب الأصلية لآلاف السنين في جميع أنحاء العالم:

 

الحراجة الزراعية: زراعة المحاصيل بطريقة تحاكي الغابة، حيث توفر الأشجار الظل والحماية والعناصر الغذائية للمحاصيل المزروعة تحتها.

 

محاصيل التغطية: زراعة نباتات معينة ليس بهدف الحصاد، بل لحماية التربة من التعرية وتحسين بنيتها وخصوبتها.

 

تقليل الاعتماد على المدخلات الاصطناعية: مثل الأسمدة الكيماوية والمبيدات الحشرية.

 

- بالنسبة لتان، كانت نقطة التحول في عام 2008، عندما قرر التخلي عن أساليبه القديمة وتبني الممارسات التجديدية.

 

- بدأ بزراعة الفول السوداني بين أشجار البن للحد من تآكل التربة، واستخدم السماد العضوي لتغذيتها، واعتمد نهجاً متكاملاً لإدارة الآفات.

 

- واليوم، ازدهرت مزرعته، وأصبحت تربتها غنية وخصبة، ومحصوله أكثر جودة. والأهم من ذلك، زاد دخله السنوي بنسبة 40% مقارنة بمزارع جيرانه الذين ما زالوا يتبعون النهج التقليدي.

 

من المزرعة إلى الفنجان: شهادة عالمية لتوثيق الثورة

 

 

- إن نجاح تان ليس مجرد ضربة حظ، بل هو تدعمها البيانات والأبحاث. فقد أظهرت النتائج التي جمعتها منظمة "تكنوسيرف" الدولية غير الربحية من عدة بلدان، أن الممارسات التجديدية يمكن أن ترفع صافي دخل المزرعة بشكل كبير، مع تحسين صحة التربة وقدرتها على الاحتفاظ بالمياه وإنتاجيتها على المدى الطويل.

 

- كما تُظهر الدراسات أن أنظمة الحراجة الزراعية في مزارع البن تعزز التنوع البيولوجي، وتحسن خصوبة التربة، وتزيد من قدرة المحاصيل على الصمود في وجه تقلبات المناخ.

 

- اتخذ "تحالف الغابات المطيرة" خطوة تاريخية، إدراكاً منه لأهمية تسريع هذه الثورة. فبعد عقود من دعم المزارعين والشركات في رحلتهم نحو الاستدامة، أطلق التحالف مؤخراً "معيار الزراعة التجديدية" الجديد وختماً مصاحباً له.

 

- يوفر هذا المعيار للمزارعين والشركات إطاراً علميًا واضحًا لتتبع تأثيرهم التجديدي على صحة التربة والتنوع البيولوجي.

 

- يُعد هذا المعيار من أكثر المعايير شمولًا في هذا القطاع، حيث يتضمن 119 متطلباً لا تعالج القضايا البيئية فحسب، بل تشمل أيضاً التأثير الاجتماعي الحيوي.

 

- وهو يوفر مساراً واضحاً للحصول على شهادة تقيس التقدم والنتائج عبر 5 مجالات تأثير رئيسية:

 

1-صحة التربة وخصوبتها.

2- القدرة على التكيف مع تغيّر المناخ.

3- التنوع البيولوجي.

4- الإشراف على المياه.

5- سبل العيش للمزارعين.

 

- بينما يتوفر المعيار حالياً لمحصول البن فقط، تخطط المنظمة لتوسيع نطاق شهاداتها لتشمل محاصيل أخرى مثل الكاكاو والحمضيات والشاي بحلول عام 2026.

 

- وهنا تجدر الإشارة إلى أنه يمكن للشركات الانضمام إلى هذا التحول التجديدي من خلال دمج الزراعة التجديدية في استراتيجيات التوريد الخاصة بها، وتمويل عملية التحول من خلال تدريب المزارعين وتقديم الدعم الفني لهم.

 

- إنها ثورة تبدأ من بذرة واحدة، لكن جذورها قادرة على شفاء كوكب بأكمله.

 

المصدر: المنتدى الاقتصادي العالمي

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة ارقام ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من ارقام ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا