جايسون رايلي* لن يتزحزح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن قناعته الراسخة بأن المهاجرين غير الشرعيين يسرقون فرص العمل من الأمريكيين، فبالنسبة له، سوق العمل أشبه بمعادلة صفرية، بمعنى أن أي وظيفة يشغلها مهاجر تكون على حساب فرصة عمل متاحة لمواطن أمريكي. لكن تجربة العقد الأخير، حيث تقلبت مستويات الهجرة والبطالة بشكل كبير، تُقوّض هذا الادعاء، وتضعه تحت اختبار قاسٍ.في مناظرته الشهيرة مع الرئيس السابق جو بايدن العام الماضي، شدد ترامب على أن تهاون الديمقراطيين في ضبط الحدود، ألحق الضرر بجميع العمال الأمريكيين، وبشكل خاص بالسود واللاتينيين منهم. واتهم سلفه بالسماح لملايين المهاجرين بالعبور، وبأن عددهم قد يصل إلى 20 مليوناً، وهم يستولون على وظائف الآخرين.اليوم، لا شك في أن أهم إنجاز لترامب، منذ عودته إلى البيت الأبيض، يتمثل في تشديد السيطرة على الحدود الجنوبية، كما وعد.وتؤكد بيانات وزارة الأمن الداخلي أن حالات العبور غير الشرعي، في يوليو/ تموز الماضي، هبطت إلى أدنى مستوى مسجّل على الإطلاق للشهر الثاني على التوالي. لقد نجح في ما فشل فيه الرؤساء السابقون من كلا الحزبين، لاسيما إدارة بايدن، التي تعاملت مع ملف الهجرة غير الشرعية وكأنه هوس إعلامي حصري على «فوكس نيوز».كما أن جهود الإدارة الحالية لتعقب وترحيل المهاجرين المجرمين العنيفين تستحق الإشادة، خاصة في ظل معدلات الجريمة المحلية المرتفعة أصلاً، فمن غير المقبول أن يظل الأمريكيون عرضة لجرائم يرتكبها أشخاص لا يملكون حق التواجد في البلاد، ولم يُرحلوا لأن السياسيين في ولايات اللجوء رفضوا التعاون مع مسؤولي الهجرة الفيدراليين.ووسط كل ذلك، يبقى السؤال الجوهري، هل أدى تقليص الهجرة غير الشرعية فعلاً إلى تحسين فرص التوظيف للأمريكيين؟ الإحصاءات لا تدعم هذه الرواية، ففي أغسطس/ آب، أضاف الاقتصاد 22 ألف وظيفة فقط، أي أقل بكثير من التوقعات، بينما بلغ متوسط خلق الوظائف على مدى الأشهر الأربعة الأخيرة 27 ألف وظيفة شهرياً، مقارنة بـ167 ألف وظيفة شهرياً العام الماضي. في غضون ذلك، ارتفع معدل البطالة إلى أعلى مستوى له منذ نحو أربع سنوات، فلو كان الحد من الهجرة يفتح أبواب العمل أمام الأمريكيين كما يزعم ترامب، فأين النتائج الملموسة؟اللافت أن البطالة لم ترتفع فقط بشكل عام فحسب، بل شملت الفئات التي وعد ترامب بأنها ستستفيد أكثر من سياساته، كالشباب وكبار السن، وذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال»، نقلاً عن بيانات مكتب إحصاءات العمل، أن الفجوة العرقية في سوق العمل آخذة في الاتساع، إذ ارتفعت معدلات البطالة بين السود إلى 7.5%، وهي الأعلى منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2021. وهذه الفئة غالباً ما تشغل وظائف منخفضة المهارة أو أولية، ما يجعلها الأكثر عرضة للتسريح في أوقات التباطؤ الاقتصادي.هذه المفارقة ليست جديدة، ففي ولاية ترامب الأولى، تراجعت الاعتقالات الحدودية عام 2017، لكنها تضاعفت خلال العامين التاليين، قبل أن تهبط مع جائحة كورونا. ورغم ارتفاع الهجرة غير الشرعية آنذاك، انخفضت البطالة بين السود واللاتينيين إلى أدنى مستوياتها التاريخية، كما تراجعت معدلات الفقر بينهم، وارتفعت أجورهم بوتيرة أسرع من أجور البيض.وفي عهد بايدن، قفزت الهجرة غير الشرعية بشكل أكبر، لكن البطالة بين السود وصلت إلى مستوى قياسي منخفض جديد، وهذا المسار التاريخي الحديث يشير بوضوح إلى أن العلاقة بين وجود مهاجرين في سوق العمل وبين فرص توظيف الأمريكيين، بما في ذلك العمال السود واللاتينيون، ضعيفة للغاية إن لم تكن معدومة.الحقيقة أن سوق العمل الأمريكي ليس ثابتاً كما يتخيله ترامب، فبين عامي 2017 و2019، أضاف أصحاب العمل أكثر من 3 ملايين وظيفة، فيما واصل معدل البطالة الانخفاض، ليبلغ أدنى مستوى منذ نصف قرن، فضلاً عن أن النمو الاقتصادي يلعب دوراً أكبر بكثير من سياسة طرد العمالة الأجنبية، فالمهاجرون لا يضيفون زخماً إلى سوق العمل فحسب، بل يشكلون قوة شرائية دافعة ومحركاً استهلاكياً تشتد الحاجة إليه، فهم يُغذون الطلب على المنازل والأجهزة والخدمات والسيارات، ما يحفز وجود استثمارات رأسمالية إضافية، ويخلق وظائف جديدة.اليوم، وللمرة الأولى، منذ 2021، تجاوز عدد الباحثين عن عمل عدد الوظائف الشاغرة، وهو مؤشر إضافي على ضعف سوق العمل. وهذه الإشارات تؤكد أن سياسات الرئيس المتعلقة بالهجرة والرسوم الجمركية لم تحقق الأثر الاقتصادي المنشود، وإذا لم يجد البيت الأبيض صيغة متوازنة بين حماية الحدود وتحفيز النمو، فقد يواجه الاقتصاد الأمريكي مرحلة أصعب قبل أن يشهد أي تحسن.* كاتب في «وول ستريت جورنال»وزميل في معهد مانهاتن(وول ستريت جورنال)