تُضاعف شركات التكنولوجيا العملاقة استثماراتها الضخمة في الذكاء الاصطناعي. ففي الأسبوع الفائت، أعلنت شركة «إنفيديا» العاملة في صناعة الرقائق الإلكترونية، ضخّ مئة مليار دولار إضافية لشركة «أوبن إيه آي» بهدف بناء مراكز بياناتها. كيف تُفسَّر هذه المبالغ الطائلة؟ وهل ستستمر هذه الشراكات في المستقبل، أم إنها تُغذي فقاعة؟ قال جيف بيزوس، رئيس أمازون خلال مؤتمر Tech Week في تورينو بإيطاليا «المستثمرون غير معتادين على منح ملياري دولار لفريق مكون من ستة أشخاص بدون منتج، ومع ذلك هذا ما يحدث الآن». وأضاف «يمكن أن تكون هذه الفقاعات الصناعية مفيدة. فعندما تهدأ الأمور وينظر إلى الفائزين، يستفيد المجتمع من هذه الاختراعات». وفي حالة الذكاء الاصطناعي «ستكون المنافع هائلة». وتابع «سيؤثر هذا في كل شركات العالم، ما يؤدي إلى تحسين نوعية عملها وإنتاجيتها». استثمارات هائلة يشهد الإنفاق على الذكاء الاصطناعي طفرة كبيرة. ومن المتوقع أن يصل حجمه إلى نحو 1,5 تريليون دولار عالميا في عام 2025، وفق شركة «غارتنر» الأمريكية. ويرجح أن يتجاوز تريليونَي دولار عام 2026، أي نحو 2% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. حتى لو كانت المكاسب الأولية للإنتاجية بعيدة جداً عن تعويض التكاليف، «لا شك لدى المستثمرين في أن الذكاء الاصطناعي هو التكنولوجيا الكبرى التي ستحدث انقلاباً»، على غرار ذلك الذي أحدثته الكهرباء، بحسب رئيس صندوق «كاثاي إنوفيشن» دينيس بارير. ويشدّد بارير على ضرورة «عدم تفويت الفرصة». وتُحرك المنافسة الاقتصادية والجيوسياسية موجة من الاستثمارات التي تهدف بشكل أساسي إلى بناء مستودعات ضخمة تضم آلاف الرقائق المكلفة والمستهلكة لكميات كبيرة من الطاقة. بين 2013 و2024، بلغ الاستثمار الخاص في الذكاء الاصطناعي 470 مليار دولار في الولايات المتحدة، ربع هذا المبلغ في العام الفائت، يليه 119 مليار دولار في الصين، بحسب تقرير لجامعة ستانفورد. تستحوذ مجموعة صغيرة من الشركات العملاقة على الجزء الأكبر من هذه الاستثمارات، تتصدّرها «أوبن إيه آي». ووصلت قيمة الشركة المطورة لـ«تشات جي بي تي» إلى 500 مليار دولار، لتصبح أكبر شركة ناشئة غير مدرجة في البورصة من حيث التقييم على مستوى العالم، متقدمة على شركة «سبايس إكس» الفضائية التابعة لإيلون ماسك. تمويلات دائرية مثيرة للجدل إلى جانب هذا التقييم، تشكل «أوبن إيه آي» محور شراكات استثمارية هائلة. فهي تدير مشروع «ستارغيت» الذي سبق أن جمع 400 مليار دولار من أصل 500 مليار دولار متوقعة حتى سنة 2029 لبناء مراكز بيانات ضخمة في تكساس بمساحة تعادل مانهاتن، بالتعاون مع تحالف يضم «سوفت بنك» و«أوراكل» و«مايكروسوفت» و«إنفيديا». كيف تمكن هذا التحالف من توسيع نطاق إيراداته؟ تملك شركات التكنولوجيا العملاقة سيولة نقدية وافرة، فضلاً عن أنّ «إنفيديا تمنح مئة مليار دولار لأوبن إيه آي مدركةً أن قيمتها ستصل حتماً إلى 200 مليار دولار غداً»، على قول أحد المستثمرين ذوي الخبرة في سيليكون فاليه. «إنفيديا» معتادة على «التمويل الدائري»، إذ تستثمر أو تعقد شراكات مع عشرات الشركات الناشئة التي تحتاج إلى شراء شرائحها. وينتقد بعض المحللين هذه الممارسة خوفاً من أن تُغذي فقاعة اقتصادية. وتقول المحللة في شركة «بيرنستين ريسرتش» ستايسي راسغون، إنّ الصفقة الأخيرة مع أوبن إيه آي «يُرجَّح أن تغذي (ربما عن حق) هذه المخاوف أكثر من قبل، وتثير تساؤلات بشأن مدى مشروعيتها». إيرادات مضمونة؟ تتجاوز هذه المبالغ بكثير الإيرادات الحالية لـ«أوبن ايه آي» المقدرة بـ13 مليار دولار، وإيرادات منافسيها مثل «أنتروبيك» و«ميسترال»، والتي تضطر كلها لإقامة شراكات لمواكبة وتيرة السباق. ليست طفرة الإيرادات سوى مسألة وقت بالنسبة إلى شركاء «أوبن إيه آي». يستخدم برنامج «تشات جي بي تي» الذي ابتكرته الشركة نحو 700 مليون شخص، أي 9% من البشرية. وتستخدم الأغلبية خدماته مجاناً، لكن إذا أصبحت الأداة جزءاً أساسيا من الحياة اليومية، فسيدفع الأشخاص والشركات والإدارات مبالغ مرتفعة، تماماً كما يفعلون اليوم في مجال تكنولوجيا المعلومات. لكن على المستثمرين التحلّي بالصبر، فمواصلة تلبية الطلب الشره للذكاء الاصطناعي على الطاقة الحاسوبية سيكلّف بحلول سنة 2030 أكثر من 500 مليار دولار سنوياً من استثمارات عالمية في مراكز البيانات، مدعومة بإيرادات سنوية تبلغ تريليونَي دولار لضمان استدامتها، وفقا شركة «بان». حتى في ظل هذه الفرضيات التي تحمل تفاؤلاً، تشير «بان» إلى أنّ القطاع سيُعاني عجزاً مقداره 800 مليار دولار. وتتوقّع «أوبن إيه آي» إنفاق أكثر من مئة مليار دولار من السيولة النقدية بحلول عام 2029. أما في ما يتعلق بالطاقة، قد تصل البصمة العالمية للذكاء الاصطناعي إلى 200 جيغاواط بحلول عام 2030، نصفها في الولايات المتحدة. ومع الزيادة المستمرة في قوة الرقائق، قد يبقى السيليكون العالي الجودة نادراً ومكلفاً لمدة طويلة. مع ذلك، لا يزال بعض المحللين متفائلين. يقول المحلل في شركة «ويدبوش» دان إيفز «رغم المخاوف من احتمال نشوء فقاعة ذكاء اصطناعي وتضخم التقييمات، نعتقد أن قطاع التكنولوجيا يعيش عاماً مماثلاً لسنة 1996، أي في فترة طفرة الإنترنت، لا لعام 1999 على الإطلاق، عشية انفجار تلك الفقاعة الشهيرة». وعلى المدى البعيد، «ستُهدر مبالغ مرتفعة وسيخسر كثيرون، تماماً كما حدث خلال انفجار فقاعة الإنترنت، لكن الإنترنت نجا»، بحسب المستثمر في سيليكون فاليه. (أ ف ب)