في مساء خريفي على ملعب "ميتشجان"، كانت الأضواء الكاشفة تضيء بحرًا من الجماهير التي تجاوزت 112 ألف متفرج خلال حفل غنائي، في مشهد لا يشبه المحاضرات الأكاديمية بقدر ما يشبه مهرجانًا تجاريًا ضخمًا، وأصبح السمة الأبرز لتحول الجامعات الأمريكية من مؤسسات تعليمية إلى كيانات اقتصادية تسعى لزيادة الإيرادات بأي وسيلة ممكنة، بعد أن فُتح الباب رسميًا أمام دفع رواتب للاعبين الجامعيين عقب تسوية فيدرالية تاريخية. التحول المالي - تلزم التسوية الفيدرالية الجامعات الأمريكية المنضمة للاتفاقية على إعادة هيكلة ميزانياتها الرياضية، حيث أصبح يحق لها منذ يوليو تقاسم الإيرادات مع الرياضيين حتى سقف 20.5 مليون دولار سنويًا لكل جامعة، وهو ما يعادل 22% من متوسط دخل إداراتها الرياضية. جني المكاسب - هذا التحول القانوني جاء بعد سنوات من الجدل حول استغلال الجامعات للاعبيها، حيث كانت المؤسسات التعليمية تحقق مليارات الدولارات من البث التلفزيوني والتذاكر، بينما كان اللاعبون محرومين من أي عائد مالي مباشر باستثناء المنح الدراسية، لتلزم الجامعات حاليًا بتخصيص جزء كبير من ميزانياتها لتعويض الرياضيين. خلق الإيراد - هذا الالتزام المالي الضخم جعل الإدارات تبحث عن مصادر تمويل جديدة وسط ضغوط لخفض النفقات وتراجع التمويل الفيدرالي، ردًا على هذه التحديات، بدأت إدارات الجامعات بتجربة نماذج تجارية مبتكرة، لتتحول الثقافة الرياضية الجامعية إلى تجربة ترفيهية مدفوعة. تجربة مبتكرة - ابتكرت جامعة "بنسلفانيا ستيت" تجربة جديدة تتيح للمشجعين مشاهدة اللاعبين وهم يمرون إلى أرض الملعب عبر حاجز زجاجي، وتم بيع جميع التصاريح الموسمية الثلاثين بسعر 10 آلاف دولار للتصريح، والذي يتيح دخول أربعة أشخاص، دون أن يشمل ذلك تكلفة تذاكر المباريات. القطاع الخاص - برز نموذج استثماري جديد يتمثل في دعم الجامعات برؤوس أموال لتمويل مشاريع مدرة للدخل، حيث أطلقت شركة "إيليفيت – Elevate"، التي تعمل مع حوالي 70 جامعة، مبادرة استثمارية بقيمة 500 مليون دولار بدعم من شركة الأسهم الخاصة "فيلوسيتي كابيتال مانجمنت"، لتوفير تمويل طويل الأجل لمشروعات البنية الرياضية وتجارب الجماهير، على أن تسدد الجامعات هذه القروض خلال خمس إلى عشر سنوات، لتضمن تدفقات مالية مستقبلية مستدامة. عوائد ضخمة - تكشف الأرقام الصادرة عن جامعة "أوهايو ستيت" عن عمق التحول التجاري في الرياضة الجامعية، حيث سجلت الجامعة 44 مليون دولار من صفقات الرعاية و260 مليون دولار من مبيعات السلع خلال عام واحد فقط، وهو مستوى غير مسبوق في تاريخ الجامعات الأمريكية، وتعتزم الإدارة استثمار هذا الزخم من خلال افتتاح صالة ضيافة فاخرة ومقاعد مميزة عام 2026. استغلال المنشآت - لجأت الجامعات إلى استغلال الملاعب الضخمة التي كانت تغلق أبوابها بعد موسم كرة القدم، لتصبح مسارح مفتوحة للحفلات والعروض، وذلك لزيادة السيولة النقدية، وهو ما يعني تحويل الأصول الجامعية إلى منشآت متعددة الاستخدام، تحقق أرباحًا طوال العام بدلًا من مواسم محدودة. أرقام قياسية - حتى رابطة "آيفي ليج" التي تضم جامعات مثل "هارفارد" و"ييل"، لم تبقَ بعيدة عن موجة التسليع رغم رفضها الانضمام للتسوية الفيدرالية، فعلى سبيل المثال، سجلت إدارة الرياضة في "دارتموث" أرقامًا قياسية في مبيعات التذاكر والاشتراكات الرياضية خلال العامين الماضيين، ما يعكس تبنّي هذه المؤسسات النخبوية لنهج تسويقي أكثر احترافًا رغم تمسكها بهويتها الأكاديمية. قيود وقواعد - رغم هذا الانفتاح التجاري، ما تزال بعض القيود قائمة، فـ"اللجنة الوطنية لرياضة الجامعات" لا تسمح بعد بوضع إعلانات على قمصان اللاعبين، لكن الجدل يتصاعد حول تعديل اللوائح، ودعا مدير الرياضة في "نبراسكا" إلى تحديث القواعد وفتح الباب للرعايات المرئية. سؤال جوهري - أمام هذا الزخم المالي، يبرز سؤال جوهري: هل تبقى الجامعات الأمريكية مؤسسات تعليمية تحمل رسالة أكاديمية، أم تتحول إلى شركات ترفيهية تدير نشاطًا اقتصاديًا في نموذج هجين، يجمع بين التعليم والربحية، حيث تصبح الرياضة الجامعية صناعة قائمة بذاتها لا تقل تعقيدًا عن الدوريات الاحترافية؟ المصادر: أرقام – بلومبرج