مايك دولان*
مع اقتراب عام 2025 المضطرب من نهايته، يواجه الاقتصاد الأمريكي مفارقة غريبة، نمو يقارب 4% في الناتج المحلي الإجمالي، يقابله شحٌّ في خلق فرص العمل. للوهلة الأولى يبدو هذا التناقض غير منطقي، لكن خلفه قصة معقدة عنوانها الذكاء الاصطناعي والاستثمار الكثيف في التكنولوجيا.
فبعد أن ارتعشت الأسواق الأمريكية في إبريل/نيسان من خطط الرئيس دونالد ترامب الجمركية الجديدة، استعادت عافيتها بسرعة قياسية، إذ قفز مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بنسبة 33% من أدنى مستوياته. وفي الوقت نفسه، تسجّل الشركات طفرة في الإنفاق الاستثماري، بينما استأنف مجلس الاحتياطي الفيدرالي خفض أسعار الفائدة حتى في ظل أسوأ الظروف المالية منذ ما يقرب من أربع سنوات، لكن ليس دعماً للنمو هذه المرة، بل خوفاً من انهيار سوق العمل.
ورغم الطفرة في الإنفاق الرأسمالي، تراجعت وتيرة خلق الوظائف بشكل لافت. فقد أضاف الاقتصاد الأمريكي في الأشهر الثلاثة حتى أغسطس/آب نحو 29 ألف وظيفة فقط شهرياً، مقارنة ب82 ألفاً خلال الفترة نفسها من 2024. وبعض المؤشرات في سوق العمل ترسم صورة شبيهة بركود يلوح في الأفق، في حين تتجاهل أسواق الأسهم والسندات هذا الخطر، حتى وإن بدا مسؤولو الفيدرالي قلقين.
ولفت الاقتصادي داريو بيركنز من مؤسسة «تي إس لومبارد» الانتباه إلى مؤشر مخيف للمركزي الأمريكي، وهو أن نمو الوظائف «الأساسية» (باستثناء الحكومة والرعاية الصحية) توقف تقريباً على مدار ستة أشهر. المقلق في الأمر، أنه تاريخياً وعلى مدار ستة عقود، كان يسبق كل قراءة سلبية لهذا المقياس ركود اقتصادي.
ويتجلى التناقض الأبرز في أن الإنفاق الاستثماري ارتفع 11% في النصف الأول من العام، ويبدو أنه واصل الصعود في الربع الثالث. والسؤال، لماذا لا يترجم ذلك إلى وظائف جديدة؟
هناك روايتان متنافستان، الرواية المتفائلة هي أن الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة سمحت للشركات بتحقيق مكاسب إنتاجية كبيرة دون الحاجة إلى توظيف واسع. ومع تراجع الهجرة وعمليات الترحيل، انخفض «الحد الأدنى» من الوظائف المطلوبة للإبقاء على معدل البطالة مستقراً إلى أقل من 50 ألف وظيفة شهرياً. ولهذا السبب يعتقد بعض الاقتصاديين الآن أن تقرير الرواتب الشهري قد يتحول قريباً إلى سلبي دون أن يُثير قلق الأسواق المالية.
أما الرواية المتشائمة من وجهة نظر «جيه بي مورغان»، فهي أن طفرة الإنفاق الرأسمالي ليست سوى موجة ضيقة يركبها عمالقة التقنية وشركات الذكاء الاصطناعي، وستتلاشى قريباً. أما التباطؤ في التوظيف فيعكس حذراً واسعاً من قطاع الأعمال تجاه المستقبل. وإذا صح هذا السيناريو، فقد يتأثر إنفاق الأسر سلباً مع تراجع القوة الشرائية، خاصة مع ضغوط الرسوم الجمركية وارتفاع الدولار.
المفارقة أن المستثمرين لا يبدون قلقاً كبيراً، لأنهم يراهنون على تدخل الفيدرالي سريعاً بخفض الفائدة لمواجهة أي ضعف في سوق العمل. وهذا ما يفسر الارتفاع الجنوني لأسهم عمالقة التقنية، التي قفزت قيمتها بنحو 60% منذ بداية العام.
وتشير التقارير إلى أن هذه الشركات تخطط لضخ أكثر من 400 مليار دولار في البنية التحتية والذكاء الاصطناعي، بما في ذلك بناء مراكز بيانات ضخمة وغيرها من البنى التحتية. لكن حتى هذا الإنفاق قد لا يقدم جواباً شافياً للغز محير، كيف يستمر الاقتصاد في النمو بينما تتلاشى فرص العمل؟
من غير المرجح أن يحمل الربع الأخير من 2025 إجابة شافية، خصوصاً مع الإغلاق الحكومي الجديد الذي قد يؤخر نشر بيانات التوظيف. في حين ستبقى الأنظار مسلطة على موسم الأرباح المقبل لمعرفة ما إذا كان الاستثمار في الذكاء الاصطناعي سيستمر بنفس القوة.
فهل نشهد ولادة نموذج اقتصادي جديد، حيث تنمو الشركات بفضل التكنولوجيا فيما يُترك الإنسان على الهامش؟ أم أننا أمام فقاعة مؤقتة سرعان ما تنفجر لتعيد دورة الركود التقليدي؟
* محرر الأسواق المالية في «رويترز»
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.