في عالمٍ تتسارع فيه وتيرة الابتكار، وتتحول فيه الأفكار إلى ثرواتٍ وتنهض بها إمبراطوريات، جاءت جائزة نوبل في الاقتصاد لعام 2025 لتسلّط الضوء على المفارقة بين الابتكار والهدم.
وأعلنت الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم فوز كلٍّ من "جويل موكير" و"فيليب أجيون" و"بيتر هويت" بالجائزة المرموقة تقديرًا لإسهامهم في تفسير كيف تقود الابتكارات النمو الاقتصادي وتحسّن رفاهية الإنسان.
ورغم اختلاف المدارس الفكرية للاقتصاديين الثلاثة وأدواتهم البحثية، لكن أعمالهم تتركز حول فكرة واحدة، تتلخص في أن التقدم الحقيقي لا يتحقق إلا حين يُفسَح المجال للهدم الخلاق، حين تُمحى الصناعات القديمة لتمهيد الطريق أمام مستقبلٍ أكثر إنتاجًا وابتكارًا.
العقول الثلاثة
- ولد "جويل موكير" في لايدن الهولندية عام 1946، وكرّس مسيرته لفهم سرّ التحول التاريخي الذي جعل النمو الاقتصادي أمرًا مستدامًا بعد الثورة الصناعية، وحصل على الدكتوراه من جامعة "ييل"، ويعمل أستاذًا في جامعة "نورث وسترن" الأمريكية.
- فيما ينتمي "أجيون" (الذي وُلد في باريس عام 1959) إلى المدرسة الأكاديمية الفرنسية، ويعمل أستاذًا في "كوليج دي فرانس" و"مدرسة لندن للاقتصاد"، بينما وُلد "هويت" عام 1946 في كندا ويعمل أستاذًا في جامعة براون الأمريكية.
- في عام 1992، قدّم "أجيون" و"هويت" معًا نموذجًا رياضيًا ثوريًا لتفسير "التدمير الخلّاق"، شرحا فيه كيف تؤدي الابتكارات إلى استبدال منتجات وشركات قديمة بجديدة، في دورة مستمرة تُعيد تشكيل الاقتصادات الحديثة.
- اعتبرت لجنة "نوبل" أن هذا النموذج أسّس لفهمٍ أدقّ للعلاقة بين التكنولوجيا والنمو المستدام، موضحة أن الفكرة تتجاوز الاقتصاد النظري لتشمل السياسة الصناعية والتعليم وتمويل البحث العلمي.
التدمير الخلاق
- يعود مصطلح التدمير الخلاق إلى الاقتصادي النمساوي "جوزيف شومبيتر" في أربعينيات القرن الماضي، حيث وصف به العملية التي تُدمَّر فيها الصناعات القديمة بفعل الابتكارات الجديدة، مما يخلق فرصًا اقتصادية أكثر كفاءة وابتكارًا.
- تتمثل الفكرة الرئيسية في أن كل ابتكار (مهما كان بسيطًا) يحمل في طيّاته بذور دمارٍ لشيءٍ سابق، فظهور السيارات أطاح بعربات الخيول، والجوالات الذكية قلصت استخدام الكاميرات الرقمية، والذكاء الاصطناعي الآن يُعيد رسم خريطة سوق العمل.
- لكن هذه العملية لا تسير بسلاسة دومًا؛ إذ ترافقها موجات من البطالة المؤقتة، وتحديات اجتماعية قصيرة الأمد نتيجة انتقال رأس المال والمهارات من قطاعاتٍ قديمة إلى أخرى ناشئة.
- بذلك فسر الاقتصاديون النمو غير المسبوق على مدى المئتي عام الماضية، والذي ارتكز بشكل أساسي على الابتكار التكنولوجي، وخاصة في الفترة التي تلت الثورة الصناعية الأولى في الدول الأوروبية.
من الركود إلى النمو
- شهد العالم خلال القرنين الماضيين طفرة غير مسبوقة في معدلات النمو الاقتصادي، قاعدتها الأساسية كانت التدفق المستمر للابتكارات التقنية، فكلما حلّت تقنية جديدة محل سابقتها، انطلقت موجة من الإنتاجية والنمو، وهي العملية التي تُعرف بـ "التدمير الخلّاق".
- يوضح الفائزون بجائزة "نوبل" في أبحاثهم كيف تحولت الاقتصادات الغربية من حالة ركود تاريخي امتدت لقرون، إلى دورة نمو متواصلة بدأت مع الثورة الصناعية في بريطانيا قبل أكثر من مئتي عام.
- تحولت الاكتشافات العلمية إلى نظام دائم من التفاعل بين البحث والتطبيق، مما أنتج دورة مستمرة من الابتكار والتطوير بدلًا من النمو المتقطع الذي كان يميز المراحل السابقة.
- يُبرز المؤرخ الاقتصادي "جويل موكير" (الذي حصل على نصف جائزة "نوبل" هذا العام) في أبحاثه أن هذا التقدم على مدى القرنين الماضيين لم يكن ليحدث دون مجتمعات منفتحة على الأفكار الجديدة ومستعدة لتقبل التغيير.
- أما الاقتصاديان "فيليب أجيون" و"بيتر هويت" (اللذين يتقاسما نصف الجائزة الآخر) يفسران كيف تستثمر الشركات في تحسين عمليات الإنتاج وتطوير منتجات جديدة تتفوق على القديمة، وذلك حفاظًا على حصتها في السوق.
- وفقًا لنموذجهما، يتحقق النمو المستدام من خلال عملية مستمرة من الإبداع والتجديد التي تُقصي فيها الشركات أو المنتجات الأقل كفاءة، ما جعل الابتكار محركًا رئيسيًا للنمو طويل الأمد في الاقتصادات الغربية.
عوامل النمو المستدام
- يرى الاقتصاديون أن استمرار النمو يعتمد على تدفق متواصل للمعرفة النافعة عبر الأبحاث العلمية، وهي المعرفة التي تجمع بين الجانب العلمي النظري والجانب العملي التطبيقي.
عوامل النمو المدفوع بالابتكار | |
العامل | التفاصيل |
المعرفة النافعة |
- يميز "موكير" بين نوعين من المعرفة، الأولى تفسيرية تشرح كيف تعمل الظواهر الطبيعية.
- الثانية تطبيقية تضع الخطوات العملية لتوظيف تلك المعرفة في الإنتاج أو الاختراع والابتكار.
|
منهجية القياس |
- قبل الثورة الصناعية، كانت الابتكارات التقنية تعتمد غالبًا على الخبرة دون فهم واضح لسبب نجاحها، ما جعل التطور محدودًا.
- لكن مع الثورة العلمية في القرنين السادس عشر والسابع عشر، تغيّر المشهد جذريًا؛ إذ أخذت منهجية القياس والتجريب حيزًا واسعًا في الأوساط العلمية.
- أدى هذا إلى وجود تفاعل مثمر بين المعرفة النظرية والتطبيقية، ومهّد الطريق لتحسين الاختراعات وتوسيع مجالات استخدامها.
|
ترجمة الأفكار النظرية |
- يُشير "موكير" إلى أن ترجمة الأفكار النظرية إلى واقع تطبيقي تتطلب أيضًا معرفة تقنية وتجارية، وهو ما ميّز بريطانيا في بدايات الثورة الصناعية.
- امتلكت لندن قاعدة واسعة من الحرفيين والمهندسين القادرين على تحويل الأفكار إلى منتجات قابلة للتسويق، مما جعل النمو المستدام ممكنًا لأول مرة في التاريخ الحديث.
|
الانفتاح المجتمعي |
- يؤكد "موكير" أن الانفتاح المجتمعي على التغيير يمثل عاملًا أساسيًا للنمو؛ فالتقدم لا يخلو من الخاسرين.
- غالبًا ما واجه التقدم التكنولوجي مقاومة من أصحاب المصالح، لكن بعد الثورة الصناعية، ساهمت المؤسسات الجديدة في خلق بيئة تسمح بالتجريب، وهو ما أزال أحد أبرز العوائق أمام استدامة النمو.
|
التغيير المستمر |
- أدرك "أجيون" و"هويت" أن العملية التحويلية للتدمير الخلاق تنطوي غالبًا على خاسرين، إذ تختفي وتُستبدل فيها الشركات والوظائف باستمرار.
- يمكن وصف بعض آليات هذا النمو بشكل مبسط، في أن الاقتصاد يشمل شركات تمتلك أفضل التقنيات وأكثرها تقدمًا؛ وعندما تحصل على براءات اختراع على منتجاتها، تتوسع مبيعاتها، وبالتالي تستفيد من الاحتكار.
- إذا حصلت شركة أخرى على براءة اختراع إضافية، وكانت منتجاتها أفضل من نظيرتها، فيمكنها مواصلة الاستحواذ على الحصص السوقية.
- هكذا تظهر شركات وتختفي أخرى وتستمر وتيرة النمو الذي يحفز الكيانات المختلفة على ضخ الأموال والاستثمارات.
|
أهمية أبحاث الثلاثي
- تُسلط أبحاث "موكير" و"أجيون" و"هويت" الضوء على أدوات تساعد المجتمعات في مواجهة تحديات المستقبل وفهم اتجاهات الاقتصاد المعاصر.
- يُظهر عمل "موكير" أن الذكاء الاصطناعي قد يعزز التفاعل بين المعرفة النظرية والتطبيقية، مما يسرّع وتيرة تراكم المعرفة ويقود إلى موجة جديدة من النمو المدفوع بالابتكار.
- لكن النمو المتواصل لا يعني دائمًا أنه مستدام؛ إذ تحمل الابتكارات التقنية أحيانًا آثارًا جانبية سلبية، مثل تلوث الهواء أو التفاوت الاجتماعي، فيما يُجادل المؤرخ الاقتصادي بأن هذه الآثار قد تُحفّز عمليات تصحيح ذاتي تبتكر حلولًا جديدة للمشكلات القائمة.
- في النهاية، تؤكد أعمال الحاصلين على الجائزة أن النمو الاقتصادي المستدام ليس أمرًا مضمونًا؛ فالتاريخ الاقتصادي للبشرية اتسم في أغلب الوقت بالركود لا بالازدهار.
- لذا، فإن حماية ديناميكية النمو تستوجب التصدي للمخاطر التي تهددها، مثل هيمنة عدد محدود من الشركات أو تقييد حرية البحث العلمي أو تركّز المعرفة في مناطق بعينها دون انتشارها عالميًا.
المصادر: أرقام – أسوشيتد برس – موقع جائزة نوبل – رويترز – إن بي آر
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة ارقام ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من ارقام ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.