كلّنا، مهما اختلفت مواقعنا ومسؤولياتنا، نوجّه أنظارنا نحو المستقبل، ذلك الأفق الذي تتشابك فيه المعرفة والتقنية والطموح الإنساني.نقف اليوم على عتبة مرحلة جديدة محورها البيانات، وأدواتها الذكاء الاصطناعي، وعصبها الطاقة.. هذه البيانات الكبيرة تحتاج إلى قدرات غير مسبوقة ومراكز ضخمة تجمعها وتحللها وتحوّلها إلى معرفة وإنتاج، لكن هذه المراكز لا يمكن أن تعمل أو تزدهر من دون طاقة وفيرة ومستدامة، وهو ما لا يتوافر بكميات وأسعار اقتصادية إلا في أماكن محدودة في العالم، من بين هذه الأماكن تبرز الإمارات التي أدركت مبكراً أن من يملك الطاقة يملك المستقبل.في بداية العقد الماضي، اتخذت الإمارات قراراً جريئاً أثار آنذاك تساؤلات كثيرة في المنطقة والعالم: لماذا تسعى دولة نفطية إلى بناء مفاعلات نووية سلمية لتوليد الطاقة، بينما تمتلك احتياطيات ضخمة من الوقود الأحفوري؟ ولماذا تستثمر بكثافة في الطاقة الشمسية رغم وفرة النفط لديها؟ الإجابة كانت في الرؤية لا في اللحظة، في استشراف الغد لا الاكتفاء بالحاضر.أدركت الإمارات من زمن أن الطاقة ليست وقوداً للمصانع أو المدن فقط، بل هي أساس التطور الرقمي القادم، وأن التقنيات الحديثة والاقتصاد المعرفي لن يقوما من دون طاقة قوية ومستقرة.اليوم يتضح المعنى الذي قرأته الإمارات منذ زمن. فالعالم بأسره يسعى لبناء مراكز بيانات ضخمة، تشغّلها خوارزميات الذكاء الاصطناعي وتستهلك من الطاقة ما يعادل مدناً بأكملها، هذا هو الواقع الجديد الذي استعدّت له الدولة قبل غيرها.ما أنجزته الإمارات في السنوات الماضية من مشاريع عملاقة في الطاقة النووية السلمية عبر مجمع براكة الذي يمكن أن يسد%25 من احتياجات الإمارات من الطاقة، وعبر الطاقة المتجددة أيضاً مثل مجمع محمد بن راشد ومجمعات «مصدر» وغيرها، بات ركيزة تمكّنها من دخول عصر البيانات بثقة وريادة.وبينما تنشغل دول كثيرة الآن بتأمين مصادر طاقة تكفي لتشغيل بنى الذكاء الاصطناعي، كانت الإمارات أنجزت تلك المهمة ووضعت الأساس منذ زمن، وما استثمرته بالأمس من جهد ورؤية أصبح اليوم رأس مال استراتيجياً لا يُقدّر بثمن، لأن السبق في بناء المستقبل لا يُقاس بالمال فقط، بل بالقدرة على اتخاذ القرار في الوقت المناسب.ما يميز التجربة الإماراتية ليس امتلاكها الموارد، بل قدرتها على تحويل هذه الموارد إلى رؤية إنتاجية مستدامة، فحين أدركت أن العالم يتجه نحو رقمنة كل شيء، اختارت أن تمتلك مصدر القوة الذي يغذي هذا التحول: الطاقة. بذلك، لم تكن الإمارات تواكب التطور فحسب، بل كانت تمهّد له الطريق وتضع له معاييره.الطاقة كلمة السر في معادلة الذكاء الاصطناعي، ومن يملكها اليوم سيمتلك مفاتيح الغد. والإمارات، برؤيتها واستثمارها المبكر، لم تنتظر المستقبل لتتأقلم معه، بل خططت لتقوده.. هذا هو الفارق بين من يرى المستقبل، ومن يصنعه. [email protected]