تلاحق ذاكرة زيمبابوي أشباح تضخمها الجامح، مجسدةً في ورقة المئة تريليون دولار التي أصبحت رمزًا للفشل النقدي، وفي أبريل 2024، وُلدت محاولة جديدة لإحياء الثقة بعملة "زيمبابوي جولد" (زيج - ZiG) المدعومة بالذهب، لتكون سادس تجربة منذ 2008، غير أن السؤال الجوهري يبقى: هل يملك الذهب وحده القدرة على إنقاذ اقتصاد أرهقته عقود من الاضطراب وسوء الإدارة؟ الفشل النقدي - تعود جذور الانهيار النقدي في زيمبابوي إلى عقود من سوء الإدارة والفساد، ولكن التضخم المفرط التاريخي الذي وقع قبل عام 2009 هو الذي دمر ثقة الجمهور تمامًا، في ذروة الأزمة في نوفمبر 2008، وصل معدل التضخم الشهري إلى 79.6 مليون بالمئة، مدفوعًا باللجوء المفرط إلى التمويل النقدي للعجز الحكومي. عقد من التذبذب - في 2009 تخلت زيمبابوي كليًا عن العملة المحلية واعتمدت الدولار الأمريكي بشكل كامل، حيث شهدت الأسعار انخفاضًا في حدة التضخم وساهمت تدفقات الحوالات المالية في دعم احتياطيات النقد الأجنبي، إلا أن ذلك يعني فقدان السيادة النقدية، ولذلك عادت الحكومة لاستخدام عملة وطنية في 2019، لتقفز الضغوط التضخمية ثانية. الإطلاق الذهبي - بدأت العملة الوطنية الجديدة المدعومة بأصول تُقدّر بنحو 900 مليون دولار أمريكي (تشمل عملات أجنبية وذهبًا ومعادن ثمينة أخرى) التداول في أبريل 2024، بعد انهيار العملة القديمة، التي تجاوز سعر صرفها 30 ألف دولار زيمبابوي مقابل نظيره الأمريكي. غطاء الذهب - أعلن محافظ البنك المركزي "جون موشايافانهو" ارتفاع احتياطات الذهب في زيمبابوي إلى 3.4 طن بحلول 30 يونيو 2025، مقارنة بـ1.6 طن قبل عام، بفضل الزيادة الحادة في تدفقات العملات الأجنبية، كما تعهد بأن يتم تدقيق الاحتياطيات الذهبية بشكل مستقل مرة واحدة على الأقل في السنة التقويمية. فرض القبول - في ظل استمرار هيمنة الدولار على المعاملات، وضعت الحكومة هدفاً استراتيجياً للانتقال إلى نظام العملة الأحادية بحلول عام 2030، ولزيادة الطلب على "زيج" في السوق الرسمي، لجأ البنك المركزي إلى تدابير، في مقدمتها إلزام الشركات بدفع نصف التزاماتها الضريبية بالعملة الأمريكية، والنصف بالمحلية. انهيار القيمة - في 27 سبتمبر 2024، خفّض البنك الاحتياطي الزيمبابوي قيمة الـ"زيج" بنسبة 42.55% أمام الدولار، ليصبح سعر الصرف الرسمي 26.36 زيج لكل دولار، استجابة لتسارع التضخم، حيث ارتفعت أسعار المستهلكين المقوّمة بالزيج بنسبة 37.2% خلال الشهر، مقارنة بزيادة طفيفة بلغت 0.7% فقط عند قياسها بالدولار. انعدام الثقة - في حين كان سعر الصرف الرسمي يبلغ حوالي 26 زيجا لكل دولار، تراوح السعر في السوق الموازية بين 35 و38 زيجا لكل دولار بحلول فبراير 2025، وهذا يشير إلى أن العملة فقدت حوالي 94% من قيمتها الأولية في السوق غير الرسمية. الانضباط المالي - في حين تعهدت الحكومة بخفض عجز الميزانية إلى أقل من 3% من الناتج المحلي لمنع التمويل النقدي، دعا صندوق النقد الدولي إلى سياسة مالية أكثر تشددًا لسد فجوة التمويل، وتبقى الديون الخارجية البالغة نحو 21 مليار دولار أكبر عائق أمام استقرار العملة وثقة المقرضين الدوليين. إلغاء الدولرة - دعا صندوق النقد الدولي الحكومة إلى توضيح خارطة طريق "إلغاء الدولرة" وجدول التحول نحو عملة وطنية واحدة، محذرًا من أن الغموض بشأن آلية سعر الصرف وقابلية تحويل الودائع الدولارية يفاقم قلق المستثمرين. إنتاج قياسي - سجل إجمالي إنتاج وتوريدات الذهب مستوى قياسيًا بلغ 37 طنًا بين يناير وسبتمبر، وهو ما يرى المحللون أنه قد يخفض التضخم إلى أقل من 20% بحلول أوائل 2026، مقارنةً بأكثر من 25% في سبتمبر 2024، ومع ذلك، يحذر الخبراء من أن استقرار العملة الذهبية سيظل مؤقتًا إذا لم تُعالج أزمات الديون والفساد وضعف المؤسسات، حيث قد يتحول الذهب الداعم لها إلى غطاء رمزي في فصل جديد من إخفاقات زيمبابوي النقدية. المصادر: صندوق النقد الدولي - البنك الدولي - كلية إس سي جونسون للأعمال، جامعة كورنيل - وكالة أنباء شينخوا - سي إن بي سي أفريقيا - معهد الدراسات الأمنية - كانتور إيمرمان للمحاماة - منصة جولير بنجر - ريفر دوت كوم