د. محمد الصياد *
تستضيف البرازيل اعتباراً من اليوم 10 نوفمبر الجاري وحتى 20 نوفمبر النسخة الثلاثين من مؤتمر الأطراف لتغير المناخ (COP30). ولا جديد يمكن توقعه من النتائج التي سيخرج بها المؤتمر في ضوء استمرار مشكلة التمويل باعتبارها «عثرة المفاوضات» المتجددة في كل الاجتماعات والمؤتمرات التي عقدت منذ مؤتمر الأطراف الأول في برلين عام 1995. العديد من الدول الفقيرة أكدت أنها لا تستطيع تحقيق تحوّل أخضر أسرع دون مزيد من الدعم المالي من الدول التي اغتنت بفضل صناعات حرق الوقود الأحفوري.
صناديق تمويل المناخ تعاني نقص التمويل، ومنها صندوق التكيف الذي سيتأثر حكماً بوقف التمويل الأمريكي وتخفيضات الإنفاق من قبل المانحين الأوروبيين، ما يقع على الضد من الوعد الذي قطعته الدول الغنية قبل أربع سنوات في مؤتمر الأطراف السادس والعشرين في غلاسكو بتأمين 40 مليار دولار، في حين أن المتوفر لدى الصندوق يزيد قليلاً عن النصف. وهو ما سينعكس سلباً على الدول الفقيرة للتكيف مع ارتفاع درجات الحرارة والكوارث الطبيعية، مع الأخذ في الاعتبار الفاتورة المتصاعدة بسرعة للخسائر والأضرار الناجمة عن العواصف والجفاف والفيضانات وموجات الحر وارتفاع منسوب مياه البحار التي تفاقمت بسبب تغير المناخ. الأمر نفسه ينطبق على صندوق الاستجابة للخسائر والأضرار الذي لا يتوفر سوى على بضع مئات الملايين من الدولارات، حيث لم يسدد بعض المانحين حصتهم، بمن فيهم المساهم الرئيسي، إيطاليا.
هذه الوقائع (وغيرها) تدعم الادعاء بوجود «نقص في الطموح» لدى أطراف “COP30”، حيث تمتنع، حتى الآن، معظم الدول عن تقديم أهداف مناخية جديدة (Nationally Determined Contribution - NDCs) بحلول الموعد النهائي، والفجوة الكبيرة بين التعهدات الحالية وتخفيضات الانبعاثات اللازمة لتحقيق هدف 1.5 درجة مئوية. كان الموعد النهائي الرسمي لتقديم المساهمات المحددة وطنياً الجديدة هو فبراير 2025، لكن حوالي 95% من الحكومات لم تلتزم به، بما في ذلك الاقتصادات الكبرى. وحتى لو طُبّقت المساهمات المحددة وطنياً الحالية بالكامل، فلن تُؤدي إلا إلى خفض الانبعاثات بنسبة 5.9% بحلول عام 2030 مقارنةً بمستويات عام 2019، وهو ما يقل كثيراً عن نسبة الخفض البالغة 43% اللازمة لتحقيق هدف 1.5 درجة مئوية.
أيضاً، لا يمكن نكران تراجع الاهتمام العالمي بقضايا المناخ، ليس فقط بسبب التشكيك في المناخ وما تعتبره لوبيات المناخ الأوروبية «معلومات مضلِّلة» (أثارت شخصيات بارزة شكوكاً علنية حول علم المناخ)، وإنما نتيجة لطغيان ملفات جيوسياسية واندلاع حروب اقتصادية وتكنولوجية هجينة بين القوى الاقتصادية العالمية الكبرى، على أولويات الاهتمامات والانشغالات الدولية، الأمر الذي فاقم من صعوبة مهمة إقناع الدول بالاتفاق على خطة مناخية موثوقة وشاملة (Inclusive – مصطلح كثير الاستخدام في كلمات ومداخلات الوفود في اجتماعات المناخ). ومع ذلك، فإن رئاسة مؤتمر الأطراف الثلاثين (COP30) ومنظمات أخرى تدفع باتجاه اتخاذ إجراءات أكثر طموحاً، معتبرةً مؤتمر الأطراف الثلاثين فرصةً حاسمةً لتسريع إيجاد الحلول وتقديم خطة استجابة عالمية ملموسة.
ومن حسن حظ أجندة المناخ العالمية، وحسن حظ المناخيين الأوروبيين المهووسين بالوقود الأحفوري، أن كوب-30 يعقد في دولة يعد رئيسها نصيراً حقيقياً ومخلصاً لقضية المناخ، لأن بلاده، البرازيل، تعاني إحدى أخطر مشاكل تغير المناخ، وهي مشكلة إزالة الغابات، كما هو حادث مع غابات الأمازون، التي تتواطأ قوى نافذة مع شركات دولية لتعمد حرقها لتغيير تصنيف مناطقها من محميات طبيعية إلى مناطق امتيازات استثمارية تخصص لهذه الشركات للتنقيب عن الهيدروكروبات والمعادن. معلوم أن الغابات تمتص غازات الاحتباس الحراري، لاسيما غاز ثاني أكسيد الكربون، وتخزنها، ما يساعد على تقليل درجة الاحترار العالمي. الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، استعد مع فريقه المعني بتنظيم وإدارة المؤتمر، لإعطاء شحنة تحفيزية جديدة للعمل المناخي الدولي، وذلك بالتوجه نحو التركيز على آليات التنفيذ وإنشاء آلية مالية جديدة لدعم العمل المناخي، لا سيما في البلدان النامية، وربط طموح المناخ بفرص التنمية في مجالات مثل التمويل والتكنولوجيا وبناء القدرات، والعمل بقدر الإمكان على تحويل الالتزامات من مجرد تعهدات إلى إجراءات ملموسة. وتهدف البرازيل من عقد المؤتمر في الأمازون إلى تسويق مبادرتها القاضية بإنشاء صندوق الغابات الاستوائية للأبد
(Tropical Forests Forever Fund - TFFF) الذي سيوفر التمويل للدول التي تلتزم بالحفاظ على هذه الغابات، من بين أكثر من 70 دولة نامية تضم غابات استوائية مؤهلة للحصول على هذا التمويل.
* خبير بحريني في العلاقات الاقتصادية الدولية
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
