اقتصاد / صحيفة الخليج

«دبي للسلع المتعددة».. ٌ أصبح واقعاً

أحمد بن سليم*

دبي ليست مدينة تنتظر الإذن كي تبتكر، بل مدينة تبني وتجرّب وتعيد تعريف مستقبلها. ويتجلّى هذا النهج بأوضح صورهِ في التقاء عالمَي التجارة والتمويل، وهو ما يشكّل الأساس وراء المركز المالي لمركز دبي للسلع المتعددة، الاسم المبدئي لمركز مالي متكامل يعمل فعلياً، وسيتم الإعلان عنه رسمياً في وقت لاحق من هذا الشهر خلال مؤتمر دبي للمعادن الثمينة. فنحن، على عكس نظرائنا في المنطقة، لا ننطلق من نقطة البداية، بل نُرسّخ ما هو قائم ونحوّله إلى منظومة مالية رسمية ومتكاملة.
يضمّ مركز دبي للسلع المتعددة أكثر من 26000 شركة نشطة، من بينها ما يزيد على 1620 شركة تعمل في مجالات البنوك، التأمين، مكاتب العائلات، التكنولوجيا المالية، والاستثمار. هذه الشركات لا تعمل بمعزل عن بعضها، بل تشكّل جزءاً من منظومة أوسع تربط بين التجارة ورأس المال، وتدمج الابتكار الرقمي بالإطار التنظيمي، وتصل بين السلع المادية والأسواق المالية ذات السيولة العالية.
يُعدّ المركز، المنطقة الحرة الوحيدة التي انطلقت من الصفر، إذ بدأ مسيرته بإصدار صكوك ذهب بقيمة 200 مليون دولار، استخدمت عائداتها لتشييد ثلاثة أبراج تجارية، من أبرزها الماس، أطول برج للماس في العالم. وخلال خمس سنوات فقط، ورغم تداعيات الأزمة المالية العالمية في عام 2008، قام المركز بسداد كامل قيمة الصكوك، ما عزّز ثقة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله. وقد استمر هذا النهج المالي الحكيم حتى اليوم، ويتجلّى مؤخراً في البيع الكامل لجميع الوحدات في برج أبتاون. وإلى جانب مشاريعه العقارية البارزة، توسعت منظومات مركز دبي للسلع المتعددة لتوفّر الأساس الأمثل للمركز المالي المرتقب.
لنأخذ بورصة دبي للذهب والسلع كمثال، انطلقت البورصة قبل نحو عشرين عاماً كأول بورصة لتداول مشتقات السلع في الشرق الأوسط، لتصبح اليوم الأكبر في المنطقة. وبحلول يونيو من هذا العام، تم تداول أكثر من مليون عقد، بزيادة بلغت 30% في متوسط أحجام التداول اليومية مقارنة بالعام الماضي، في حين ارتفعت قيمة عقود الذهب الفورية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية بنحو 200% على أساس سنوي. وفي عالم يشهد تقلبات متزايدة وارتفاعاً في أسعار الفائدة واضطرابات جيوسياسية، ارتفع الطلب على أدوات التحوط بشكل ملحوظ، سواء في الذهب أو العملات أو منتج الروبية الهندية «INR Quanto»، الذي يربط عقود الروبية بهياكل التحوط العالمية.
وفي الوقت نفسه، تقوم شركة دبي لمقاصة السلع، وهي شركة تابعة مملوكة بالكامل للمركز، بمعالجة عمليات التداول عبر مختلف فئات الأصول ضمن إطار متين لإدارة المخاطر، يعتمد على نظام هامش فوري وآليات افتراضية تتماشى مع المبادئ العالمية للبنى التحتية للأسواق المالية «PFMI».
ورغم صعوبة تخيّل ذلك لدى جيل اليوم، فإن عالم المال يتجاوز الشاشات الرقمية ودفاتر الأوامر، فهو يقوم على أصول ملموسة يمكنك لمسها. إنه يشمل سبائك الذهب والماس والبن والكاكاو، وجميعها أصول تتطلب تعاملاً آمناً وضماناً قانونياً وتسوية فورية. ومن أجل ذلك، أنشأ المركز، خزانته الشهيرة، وهي أكبر خزانة تحت الأرض تُدار بشكل خاص في منطقة الخليج، إلى جانب منصة تريد فلو، المنصة الإلكترونية التي سجّلت أكثر من 1.4 تريليون درهم «381 مليار دولار أمريكي» في معاملات التمويل الإسلامي خلال العام الماضي.
أطلق المركز، الشهر الماضي مركز الثروات، وبصفته بوابة مفضّلة للثروات العالمية، يقدّم المركز تراخيص لشركات الأغراض الخاصة «SPVs»، والشركات القابضة «HoldCos»، والمؤسسات، والمنظمات المستقلة اللامركزية «DAOs»، وغيرها من الهياكل العابرة للحدود، مع إتاحة وصول مباشر إلى الخبراء القانونيين والائتمانيين. وعند الجمع بين هذه المنظومة وبين الأصول الواقعية المسجّلة على منصة تريد فلو، وبورصة المشتقات المنظمة، وغرفة المقاصة المتكاملة، تتكوّن بنية مالية قوية ومتكاملة.
يعمل المركز بالفعل على مواءمة الاستثمار مع الفرص، من خلال ربط أعضائه بفرص الإقراض المباشر، والاستثمار المشترك، وتدفّقات رأس المال الخاص. كما يدعم هياكل إدارة الثروات المعقدة عبر أطر تراخيص متخصصة، تستند إلى الوصول إلى محاكم القانون العام التي تضمن أعلى درجات الشفافية والموثوقية. وعلى نطاق أوسع، يوفر المركز منظومة تدريب متخصصة في إدارة الاستثمارات، والأسواق البديلة، والامتثال التنظيمي، إلى جانب جدول ثري من الفعاليات الحصرية التي تشمل الموائد المستديرة التنفيذية واستضافة كبار المستثمرين والقمم الخاصة. 
على الصعيد العالمي، سيقدّم المركز المالي التابع لمركز دبي للسلع المتعددة نموذجاً فريداً من نوعه. فبينما تتنافس مراكز مثل جنيف وسنغافورة وهونغ كونغ على سد الفجوة بين التجارة والتمويل والتكنولوجيا، يعتمد نموذج المركز على الربط بين السلع المادية والبنية التحتية المالية المنظمة والابتكار الرقمي، ما يسهم في دمج الأصول الواقعية والتقنيات الحديثة مع تدفقات رأس المال من الجيل الجديد. وعلى المستوى المحلي، يقدّم هذا المركز خدمة تكاملية تهدف إلى تعزيز المنظومة المالية في دولة ، لا إلى منافسة المراكز القائمة مثل مركز دبي المالي العالمي «DIFC» وسوق أبوظبي العالمي «ADGM».
لهذه الأسباب، يعمل المركز حالياً على إضفاء الطابع الرسمي على مركزه المالي. ويستند إلى إطار تنظيمي يدعم كلاً من الخدمات المالية التقليدية والرقمية، وسيكون بمثابة منصة تجمع شركات التمويل التجاري، والتكنولوجيا المالية، والخدمات المصرفية، والاستثمار، وحلول سلسلة الإمداد، والتمويل المدمج، ليس بشكل نظري فقط، بل على أرض الواقع في منطقتنا. والأهم من ذلك، أنه لا يُبنى بمعزل عن الآخرين، فعمل المركز مع هيئة الأوراق المالية والسلع في دولة الإمارات يضمن التوافق مع المعايير التنظيمية الوطنية، بينما تعزز مذكرة التفاهم مع هيئة حل النزاعات في مركز دبي المالي العالمي «DRA» الوصول إلى خدمات حل النزاعات العالمية وتعزيز العلاقات التجارية الثنائية. وستفتح شراكته الأخيرة مع هيئة تنظيم الأصول الافتراضية «VARA» التي أبرمت مؤخراً آفاقاً جديدة في مجال السلع المرمّزة والبنية التحتية للأصول الرقمية.
إن فجوة التمويل التجاري العالمية، التي تُقدَّر بنحو 2.5 تريليون دولار أمريكي، لن تختفي. وكذلك الحاجة إلى أن يتحرك رأس المال بسرعة أكبر، وبشفافية أكبر، وبأقل قدر من العوائق. إن المركز المالي التابع لمركز دبي للسلع المتعددة موجود لأن العالم بحاجة إلى منظومات تستطيع تحويل التجارة المادية إلى قيمة مالية دون إجبار الشركات على الاختيار بين الابتكار والتنظيم.
نحن لا نبني مركزاً مالياً للحاق بالركب، نحن نطلق عليه الاسم لأنه موجود بالفعل، ونعطيه المكانة والحجم اللذَين يليقان به.
* الرئيس التنفيذي الأول والمدير التنفيذي لمركز دبي للسلع المتعددة

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا