يعرف أفضل الأشخاص من حيث الأداء، بغض النظر عن المهنة التي يؤدونها، أهمية تصور النجاح في مخيلتهم، قبل أن يتم تحقيقه على أرض الواقع.
ويقول الملاكم الأسطوري الراحل محمد علي كلاي: «أنا أعظم قبل أن أعرف أنني كذلك»، إن هذه العبارة المفعمة بالثقة ليست مجرد شعارٍ رياضيّ، بل هي فلسفة حياةٍ قائمة على الإيمان العميق بالقدرة على النجاح، قبل أن يتحقق فعلاً، إنها جوهر ما يُعرف ب«التصوّر الإيجابي»، تلك العملية الذهنية التي تضعك في مشهد الإنجاز قبل أن تصل إليه، وتجعلك تعيش تفاصيل النصر قبل أن تلمسه بيديك.
مارس المبدعون والعظماء في كل الميادين هذا النوع من التصور العقلي، فكلاي لم يكن يرى نفسه داخل حلبة الملاكمة مجرد منافس، بل كان يتخيلها دائماً بطلاً يرفع يديه منتصراً، قبل أن تبدأ المباراة، أما جيم كاري، الذي عاش حياة صعبة في بداياته، فكتب لنفسه شيكاً بمليون دولار قبل أن يصبح نجماً، واحتفظ به في محفظته سنواتٍ طويلة إلى أن تحقق حلمه فعلاً، وعلى نفس النهج، كان نجم كرة السلة مايكل جوردان يتخيل نفسه يسجل نقطة الفوز الأخيرة قبل كل مباراة، حتى أصبحت تلك اللقطة واقعاً يتكرر في بطولات عديدة.
وهؤلاء لم يعتمدوا على الحظ أو الموهبة وحدها، بل استخدموا التخيل الإيجابي كتكتيك للنجاح، فالخيال ليس هروباً من الواقع، بل هو أداة ذهنية قوية تبرمج العقل على استقبال الفرص بثقة، وعندما يعيش الإنسان مشهد النجاح في عقله مسبقاً، فإنه يدرّب ذهنه وجسده معاً على استقبال تلك اللحظة في الواقع بسهولة أكبر.
قوة العقل تشكّل الواقع
تؤكد دراسات علم النفس العصبي أن الدماغ لا يميّز كثيراً بين التجربة الحقيقية والتخيل العميق، فعندما تتخيل نفسك تقدم عرضاً ناجحاً أو تحقق هدفاً كبيراً، فإن المناطق ذاتها في دماغك التي تنشط أثناء الفعل الحقيقي تُحفَّز أيضاً أثناء الخيال، وهذا يعني أن التخيل بمثابة تدريب واقعي مسبق، إعداد داخلي، يجعل الموقف الفعلي أقل توتراً وأكثر قابلية للنجاح.
وفي الرياضة مثلاً، يمارس كثير من الأبطال ما يُعرف ب«التمرين الذهني»، حيث يتخيل الرياضي كل حركة وسيناريو محتمل قبل أن يخوض المنافسة والأمر لا يقتصر على الرياضة، فمديرو الشركات، والممثلون، والمتحدثون العامون، وحتى الجراحون، يستخدمون التخيل قبل الأداء الفعلي لتقوية ثقتهم وتخفيف التوتر وتحقيق نتائج أدق.
إن الإنسان الذي يرى نفسه ناجحاً في خياله، يزرع بذرة النجاح في وعيه، لتتحول لاحقاً إلى واقع ملموس، أما من يملأ ذهنه بالمخاوف والعقبات، فيُغرق قدراته في بحرٍ من الشكوك.
يتحول الخيال لحائط صدّ
من الطبيعي أن تراودنا أفكار سلبية عند التفكير في الأهداف الكبرى، مثل الخوف من الفشل، وقلة الموارد، وضعف الدعم، أو حتى آراء الآخرين. لكن المشكلة ليست في وجود هذه الأفكار، بل في السماح لها بأن تتحول إلى عقبات ذهنية تُثبّط العزيمة وتمنعنا من المحاولة.
وحين نستسلم لهذه المشاعر، نصبح أسرى لما يسميه علماء السلوك «الاستجابة الجامدة»، عندما تكون تحت التهديد، وهي حالة من الجمود النفسي تجعل الفرد أو المؤسسة، تلتزم بما هو مألوف وتتجنب التجريب أو المخاطرة، وهنا يفقد الإنسان مرونته الإبداعية، ويصبح عقله موجهاً فقط لتجنّب الأخطاء لا لتحقيق الإنجازات.
لكن يمكن قلب المعادلة ببساطة: تخيّل نفسك منتصراً مثل كلاي، واثقاً بقدرتك على الإبداع مثل جيم كاري، ومصمماً على تسجيل هدفك الأخير مثل مايكل جوردان أو كريستيانو رونالدو، بهذه الطريقة يتحول الخيال من مصدر خوف إلى محرك للإنجاز.
خطوات نحو التصور الإيجابي
لا بد وأن يمر التصور الإيجابي في خطوات عديدة تتمثل في:
1. ابدأ بالسؤال الصحيح:
لا تسأل «هل أستطيع؟»، بل «ماذا أحتاج لأفعل كي أستطيع؟» هذا السؤال يحول طاقتك من الشك إلى الفعل.
2. تخيل بتفاصيل دقيقة:
لا تكتفِ بصورة عامة عن النجاح، تخيل المشهد بكل حواسك: الأصوات، والألوان، وكلمات التهاني، ومشاعرك في لحظة الإنجاز، فكلما كانت الصورة أوضح، كان أثرها أعمق.
3. احلم بالنتيجة المثالية:
أثناء تخيلك، لا تدع الخوف يلوّن المشهد. تخيل أن فكرتك تلقى تصفيقاً، وأن عرضك يحقق إعجاباً واسعاً، وأن صفقتك التجارية تنجح.
4. استعن بالمشاعر لا بالمنطق فقط:
الشعور بالنجاح أهم من التفكير فيه، لأن العقل يتبع العاطفة، لا العكس.
5. كرّر التمرين يومياً:
خصص عشر دقائق يومياً، لتعيش مشهد النجاح في ذهنك، قد تتخيل نفسك وقد حققت هدفك المالي، أو أطلقت مشروعك الخاص، أو أنهيت دراسة طال انتظارها.
هذا التمرين البسيط يعزز ثقتك، ويولّد طاقة دافعة تحفّزك على العمل بجدّ لتحقيق ما تخيلته.
من الحلم إلى الواقع
كثير من الناس يظنون أن النجاح يأتي صدفة، أو أن الموهبة وحدها كافية. لكن قصص العظماء تثبت العكس، النجاح يولد أولاً في العقل، ثم يُترجم إلى أفعال صغيرة متكررة، فالتصور الإيجابي لا يُغني عن الجهد، بل يوجهه في الاتجاه الصحيح.
حين تتخيل النجاح بصدق، يصبح عقلك أكثر استعداداً لاتخاذ القرارات الصحيحة، وتصبح روحك أكثر تحملاً للمشقة، لأنك حينها لا تعمل من أجل المجهول، بل من أجل صورةٍ ذهنية واضحة ترى فيها نفسك وقد وصلت بالفعل.
النتيجة: أنت ما تتخيله
إن النجاح لا يبدأ من الخارج، بل من الداخل. كل خطوة عظيمة تبدأ بفكرة، وكل فكرة عظيمة تبدأ بتخيل، لذلك اجعل خيالك حليفك الأقوى، لا سجّانك.
تخيل نفسك وأنت تتجاوز العقبات، تبتكر حلولاً جديدة، وتحتفل بإنجازاتك، تخيل الجمهور يصفق لك، فريقك يثق بك، وخصومك يحترمونك. هذه الصور التي تزرعها اليوم في ذهنك، ستصبح غداً مشاهد حقيقية في حياتك.
وكما قال كلاي يوماً: «تخيلت نفسي بطلاً طويلاً قبل أن أصبح كذلك»، فابدأ أنت أيضاً من هناك، من عقلك، لأن كل انتصار يولد أولاً في الخيال، قبل أن يُكتب على أرض الواقع.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
