"أحيانًا نرى الفقاعات، وأحيانًا يمكننا فعل شيء حيالها، وأحيانًا أخرى يكون الحل هو عدم المشاركة"، هكذا وصف "مايكل باري" مدير صناديق التحوط في "سايون أسيت مانجمنت- Scion Asset Management" الوضع في وول ستريت مؤخرًا. ورغم تحقيق الأسهم الأمريكية مستويات قياسية، بدأت تظهر مؤشرات تنذر بقرب موجة الصعود من نهايتها، فضلًا عن تحذيرات من كبار المديرين التنفيذيين والمحللين في وول ستريت من احتمال انفجار الفقاعة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي. البداية من باول - أثار "جيروم باول" رئيس الاحتياطي الفيدرالي في سبتمبر، المخاوف بشأن ارتفاع التقييمات، حينما قال إن أسعار الأصول بما في ذلك الأسهم مرتفعة إلى حد كبير وفقًا للعديد من المقاييس. - توالت التحذيرات من المؤسسات المالية المختلفة بشأن التقييمات، التي ارتفعت بشكل كبير خلال العام الجاري بسبب الزخم حول الذكاء الاصطناعي، والتفاؤل بشأن آفاق السياسة النقدية، مع اتجاه الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة. - ورغم أن "باول" عاد بعد ذلك لطمأنة الأسواق، حيث قال إن طفرة الذكاء الاصطناعي الحالية تختلف عن فقاعة "دوت كوم" التي تشكلت في أواخر التسعينيات، فإن التحذيرات من احتمالية تصحيح السوق تصاعدت. - حيث حذر "جيمي ديمون" الرئيس التنفيذي لبنك "جيه بي مورجان" من احتمال تعرض سوق الأسهم الأمريكية لتصحيح قوي على المدى القريب أو المتوسط، وأن هذا التراجع قد يحدث خلال ستة أشهر أو ربما خلال عامين. الائتمان الخاص وإفلاس الشركات - استند "ديمون" في تحذيره بشأن احتمالية التصحيح إلى تضخم سوق الائتمان الخاص، الذي ارتفعت قيمته إلى أكثر من تريليوني دولار، وأكثر من ثلاثة أرباع هذا المبلغ تستحوذ عليه الولايات المتحدة. - يتوافق تصريح "ديمون" مع تحذيرات أطلقها صندوق النقد الدولي، والذي أشار إلى أن أكثر من ثلث المقترضين في سوق الائتمان الخاص يدفعون فوائد تفوق أرباحهم التشغيلية، وهي معادلة يصعب استمرارها وسط ارتفاع الفائدة. - كما أن اتساع السوق أدى إلى تنافس المقرضين على تقديم التمويل، ما تسبب في تراجع جودة القروض وضعف الضمانات، ما يزيد من احتمالات التعثر الجماعي في حالة أي تباطؤ اقتصادي مفاجئ. - تجلى هذا في إفلاس عدة شركات أمريكية أبرزها "فيرست براندز- First Brands " و"ترايكلر هولدنجز- Tricolor Holdings"، وعزا "ديمون" هذا إلى "فترة طويلة من التوسع الائتماني غير المنضبط". - قد يظن البعض أن هذه المخاطر تقتصر على سوق الدين فقط، لكن تأثيراتها تمتد إلى الأسهم، فمع أي اضطراب في تدفقات الائتمان، يتزايد عزوف المستثمرين عن المخاطرة، وتنكمش السيولة المتاحة للأسهم، وهو ما يفتح الباب أمام تصحيح السوق. اضطرابات في البنية المالية - لم تكن تصريحات "ديمون" وحدها هي التي أثارت مخاوف التصحيح، ففي يوم الجمعة 31 أكتوبر، ضخ الفيدرالي نحو 50.3 مليار دولار للبنوك والمؤسسات المالية عبر أداة "الريبو الدائمة"، وهو أعلى مستوى يومي منذ إطلاق آلية الدعم عام 2021. - في الوقت نفسه سحب الفيدرالي نحو 51.8 مليار دولار عبر "الريبو العكسي" في نفس اليوم، ما قد يشير إلى اضطراب في توازن السيولة داخل النظام المالي. - أبدت "لوري لوجان" رئيسة الفيدرالي في دالاس، قلقها مما يحدث في سوق "الريبو" خلال الفترة الأخيرة، قائلة إن هذا قد يدفع الفيدرالي لشراء الأصول لضمان بقاء احتياطيات البنوك وفيرة. - تُبرز تصريحات "لوجان" مدى هشاشة البنية التمويلية في وول ستريت، إذ بات استقرار السيولة يعتمد على تدخل الفيدرالي، وهو ما قد يزيد من احتمال انتقال الاضطرابات إلى سوق الأسهم. - هذا إلى جانب استحواذ أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى والمعروفة باسم "العظماء السبعة" على نحو 37% من قيمة مؤشر "إس آند بي 500" بحلول نهاية أكتوبر، ما يعني أن هذه الكيانات أصبح لها تأثير كبير على حركة المؤشر. - علاوة على ذلك، ارتفع مؤشر "شيلر" لمضاعف الربحية إلى مستويات مشابهة لما كان عليه قبل فقاعة الإنترنت، إذ وصل إلى 40 نقطة هذا الشهر، قرب المستوى القياسي المسجل في ديسمبر 1999 عند 44 نقطة، ما يعني أن التقييمات مرتفعة للغاية مقابل الأرباح التي تحققها الشركات. التحذيرات تتولى - لم تقتصر تحذيرات "ديمون" على تصحيح سوق الأسهم وأزمة قطاع الائتمان، بل حذر أيضًا من ظهور بوادر ضعف في قدرة المستهلكين الأمريكيين على الإنفاق، في ظل حالة الضبابية المرتبطة بالتعريفات الجمركية وضعف سوق العمل. - حذر "أندرو بيلي" محافظ بنك إنجلترا من أن إفلاس الشركات المرتبطة بقطاع التأمين قد يكون إشارة مبكرة على اضطرابات مالية أوسع، قائلًا إنه توجد أوجه شبه بين التطورات الحالية وبداية الأزمة المالية العالمية عام 2008. - كما حذر "ديفيد سولومون" الرئيس التنفيذي لبنك "جولدمان ساكس" من تصحيح وشيك في الأسواق العالمية يتراوح بين 10% و20% خلال الأشهر الـ 12 إلى الـ 24 المقبلة، قائلًا إن مثل هذه التصحيحات أمر طبيعي في الدورات الصعودية طويلة الأمد. - فيما قال "تيد بيك" الرئيس التنفيذي لـ "مورجان ستانلي"، إنه ينبغي علينا الترحيب باحتمال حدوث تراجعات بنسبة 10% إلى 15%، طالما أنها لا تنتج عن صدمة اقتصادية كبرى، معتبرًا أن التصحيح تطور صحي للأسواق وليس مؤشرًا على أزمة. تقديرات الذكاء الاصطناعي لاحتمالات التصحيح في الأشهر الستة المقبلة السيناريو الحالة الاقتصادية احتمالات تصحيح الأسهم الأمريكية هبوط ناعم - يواصل الاقتصاد الأمريكي نموه مع تباطؤ التضخم في ظل خفض أسعار الفائدة. - أرباح الشركات تظل قوية. تصحيح طفيف بين 5% و10%، قبل أن تستعيد السوق اتجاهها الصاعد. ركود تضخمي طفيف - تباطؤ نمو الاقتصاد الأمريكي مع استمرار ارتفاع التضخم. - الفيدرالي متمسك بسياسة نقدية أقل تيسيرًا ومتردد في خفض الفائدة. - الأرباح تتأثر بارتفاع التكاليف وتراجع الطلب. تصحيح معتدل بين 10% و15%. هبوط حاد - يؤدي تمسك الفيدرالي بأسعار الفائدة مرتفعة لفترة طويلة إلى تباطؤ حاد في الاقتصاد. - أزمة خارجية تؤثر على النشاط الاقتصادي. - ارتفاع البطالة وانخفاض أرباح الشركات بوتيرة كبيرة. سوق هابط بانخفاض يتراوح بين 20% و30%. عوامل التصحيح - رغم هذه التحذيرات، قال مدير قسم أسواق المال في صندوق النقد الدولي، "توبياس أدريان"، إنه على الرغم من المبالغة في تقييمات الأصول، وخاصةً أسهم التكنولوجيا، فإن هذا لا يعني بالضرورة حدوث عمليات بيع مكثفة. - على الجانب الآخر، كانت هناك تصريحات متفائلة ولكنها أكثر حذرًا، إذ قالت "كاثي وود" الرئيسة التنفيذية لشركة "آرك إنفست"، إنه لا توجد فقاعة في أسهم الذكاء الاصطناعي، ومع ذلك، فإن التصحيح قادم وقد تشهد الأسواق "اضطرابًا مؤقتًا". - في النهاية، فإن العوامل التي تدفع نحو موجة تصحيح في سوق الأسهم الأمريكية متوفرة إلى حد كبير، فالتقييمات مرتفعة للغاية بجانب استحواذ 7 شركات فقط على أكثر من ثلث القيمة السوقية لمؤشر "إس آند بي 500"، علاوة على مخاطر ائتمانية تطفو على السطح. - برز هذا في تصريحات عدد من المسؤولين التنفيذيين في وول ستريت، الذين رجحوا حدوث التصحيح على المدى القصير، ورغم أنهم اختلفوا على نسبة الهبوط، إلا أنهم اتفقوا على نطاق واسع على أن "التصحيح قادم". - يبدو أفضل خيار للمستثمرين في الوقت الحالي هو الحذر، مع مراقبة المؤشرات التي تدل على ارتفاع التقييمات ومخاطر سوق الائتمان وتدخل الفيدرالي عبر أدواته لدعم القطاع المالي، فضلًا عن متابعة الأحداث السياسية والتكنولوجية التي قد تطلق شرارة التصحيح. المصادر: أرقام – صندوق النقد الدولي – رويترز – ماركت ووتش – الفيدرالي في دالاس – سي إن بي سي - إكس – بنك أوف أمريكا - شات جي بي تي