اقتصاد / صحيفة الخليج

حقل «هديبة 2» وآثاره في السوق العقاري

د. عبدالله نعمان*

في الشارقة دائماً ما نقول إنها إمارة مباركة ببركة حاكمها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم إمارة الشارقة، فكلما نرى عطاءً من صاحب السمو لأبنائه في الجوانب الاجتماعية والدعم السكني وجوانب المشاريع والبنية التحتية نرى اكتشافاً جديداً ودخلاً جديداً لهذه الإمارة، ومن هنا يشكل اكتشاف حقل (هديبة 2) البري للغاز الطبيعي، الواقع شمال حقل الصجعة، حدثاً اقتصادياً بارزاً يُتوقَع أن يكون له انعكاسات واسعة تتعدى قطاع لتطال المشهد العقاري والاستثماري في المناطق المحيطة مثل الشنوف، الصجعة، العرقوب، والزبير، يستند الأثر الاستراتيجي للحقل الجديد إلى عدة جوانب متداخلة، أولاً تم الحفر استناداً إلى تراكيب جيولوجية موثوقة حيث أظهرت اختبارات الإنتاج الأولية إمكانيات عالية لتدفق الغاز وسوائل الهيدروكربونات، ثانياً من المتوقع ربط البئر الجديدة مالياً وتشغيلياً بخطوط الإنتاج القائمة خلال الأشهر المقبلة، مما يعزز من قدرات إمدادات الغاز في الإمارة ويدعم أمن الطاقة فيها على المدى البعيد.
عادةً ما تمثل مشاريع تطوير الحقول النفطية والغازية دافعة مباشرة لتسريع تطوير الشبكات الطرقية والبنية التحتية في المناطق المحيطة. وفي حالة حقل (هديبة2)، من المرتقب أن يشمل المخطط تطوير طرق رئيسية تربط الحقل بمرافق المعالجة وخطوط الإنتاج، مع تعزيز الاتصال بالمراكز الصناعية والسكنية المجاورة، مثل الشنوف.
والشنوف تعد منطقة قيد التطور العقاري، وتستفيد بالفعل من قربها الجغرافي من مشاريع كبرى للطاقة والصناعة في الشارقة ومع تفعيل الحقل، من المتوقع أن تشهد المنطقة أعمال توسعة أو إعادة تأهيل الطرق القائمة، لتسهيل حركة المركبات الثقيلة (شاحنات وصهاريج الغاز)، وربط وحدات الإنتاج بالمدينة الصناعية وقلب الشارقة، هذا التحسين في البنية الطرقية يعزز من سهولة الوصول ويزيد من جاذبية المنطقة للمستثمرين العقاريين والشركات الخدمية، وينعكس تدريجياً على مستويات الأسعار وإقبال المشترين والمستأجرين الجدد.
وتشكل خطوط الإنتاج والأنابيب التي تربط حقل (هديبة 2) بوحدات المعالجة ومحطات التوزيع عنصراً محورياً في البنية التحتية، حيث تُقام عادةً ضمن مسارات استراتيجية قريبة من مناطق التطوير العمراني والصناعي، يؤدي تطوير شبكة خطوط الأنابيب إلى فوائد مباشرة وغير مباشرة: أولاً، تعزيز الغاز الطبيعي للشبـــكات السكنيـــة والصناعيـــة فـــي الشارقة وتعزز استقلالية الطاقة؛ ثانياً، تدفع المستثمرين العقاريين للتركيز على الأراضي المجاورة للخطوط نظراً للتوقعات بالحصول على خدمات طاقة مستقرة ورخيصة، الأمر الذي يرفع من القيم السوقية للعقارات الصناعية والتجارية في هذه المناطق.
سبق لمناطق مثل محيط المجمع الصناعي في الصجعة أن شهدت دفعات استثمارية نشطة عقب ربطها بشبكة الغاز، حيث تحولت الكثير من الأراضي هناك إلى مناطق جذب صناعي وخدمي متكامل، وارتفعت أسعارها بشكل ملحوظ مقارنة بفترة ما قبل تطوير البنية التحتية للطاقة.
ترتبط مشاريع الحقول الجديدة عادة بإنشاء وحدات معالجة حديثة ومجمعات فصل وتخزين، كما هو الحال مع محطات معالجة الغاز في الشارقة.
هذه المرافق، سواء أكانت في محيط الحقل أو متصلة به عبر خطوط الإنتاج، تمثل عامل جذب للاستثمارات الصناعية والخدمية، وتخلق طلباً على مشاريع الإسكان العمالي ومجمعات الخدمات اللوجستية ومراكز الأعمال المحلية.
مــع الإعلان عــن مشاريـــع استراتيجيــة مثل حقل (هديبة 2)، تميل التوقعات إلى زيادة الطلب على وحدات الشنوف السكنية والتجارية، خاصة مع توقع تحسن شبكة الطرق وتدفق الكوادر العاملة ومزودي الخدمات نحو المنطقة.
في المقابل، تُعد الصجعة مركزاً صناعياً رئيسياً في إمارة الشارقة، وتحتضن أكبر تجمع للمرافق الصناعية ووحدات الإسكان العمالي ومخازن الشركات، عرف السوق العقاري في الصجعة نمواً خلال السنوات الأخيرة بفعل سياسات التوسع الصناعي الحكومي وربط المنطقة بمشاريع إنتاج ومعالجة الغاز والكهرباء، ومع تطوير أو توسيع خطوط إنتاج وطرق مرتبطة بحقل (هديبة 2)، يُتوقع أن تشهد الصجعة زيادة مباشرة في معاملات البيع والشراء للأراضي الصناعية، وارتفاع معدلات الإيجار في الوحدات المخصصة لسكن العمال، وتزايد الطلب على وحدات الدعم اللوجستي والمخازن، تدفق مزيد من الأعمال المرتبطة بمشروعات الطاقة وصيانة البنية التحتية المتنامية.
كما تمتاز منطقة العرقوب بموقع استراتيجــي قريب مــن الحقول الجديــدة والمناطق الصناعية، ويهيمن عليها الاستخدام الصناعي للأراضي (مصانع، مستودعات، وحدات متعددة الأغراض) مع إمكانية الاستثمار في وحدات سكنية وتجارية مرافقة.
قبل انطلاق مشروع حقل (هديبة 2)، كان نمو السوق العقاري في العرقوب يسير بخطى ثابتة ولكن هادئة، بفعل تدرج الاستثمار في مشاريع المدن الصناعية، إلا أن توقعات تطوير وحدات معالجة وخطوط إنتاج جديدة ستؤدي غالباً إلى تسريع وتيرة الطلب على الأراضي والمستودعات، خصوصاً مع بدء الشركات المحلية والأجنبية بالبحث عن قطع أراضٍ قرب مشاريع الطاقة الجديدة للاستفادة من الخدمات والبنية التحتية الحديثة.
كما تُعد الزبير من المناطق المرشحة بقوة للنمو العقاري بالتوازي مع التطورات في قطاع الطاقة والمشاريع الحكومية، خلال العامين الماضيين، بدأت أسعار الأراضي السكنية في الزبير بالارتفاع التدريجي نتيجة السياسات الجديدة بتيسير إجراءات التمويل العقاري وعروض الأراضي الجاهزة للبناء.
الملاحظ أن أرضية النمو فيه شهدت دعماً إضافياً بفضل الضخ الاستثماري الحكومي في مشاريع الإسكان والبنية التحتية الرئيسية، ومع توقع تحسن الوصول والطاقة والبنية التحتية نتيجة اكتشاف حقل (هديبة 2)، ستزداد جاذبية الزبير للأسر والشركات الباحثة عن الاستقرار والخدمات، ما يدفع بأسعار الأراضي والوحدات السكنية، ويزيد حركة المعاملات العقارية.
تشير الدراسات إلى أن الإعلان عن اكتشافات جديدة أو عمليات تطوير للمشاريع النفطية والغازية غالباً ما يكون له أثر واضح وسريع على ديناميكية السوق العقاري المحلي، سواء من حيث تحريك الطلب أو أسعار الأراضي والمشاريع العمرانية الجديدة، ويبرز ذلك بشكل أوضح في المناطق القريبة من مواقع المشاريع، حيث يُنظر إليها باعتبارها مراكز مستقبلية للاستثمار والاستقرار الاقتصادي.
مثال ذلك، في العام 2020، أدى اكتشاف حقل (محاني) البري للغاز في الشارقة إلى انتعاش معاملات البيع والشراء للأراضي الصناعية والسكنية في المناطق المحيطة، مع ارتفاع ملموس في حجم الطلب من قبل الشركات الصناعية وشركات المقاولات وقطاعات الخدمات المرتبطة بقطاع الطاقة، كما شهد سوق الصجعة الصناعية زيادة كبيرة في قيمة الإيجار وأسعار الأراضي نتيجة ربط الحقول الجديدة بمحطة معالجة الغاز وشبكة التوزيع الإقليمية.
ومن جهة أخرى، يلاحظ أن استثمار الحكومات المتزامن في تطوير البنية التحتية (طرق، مرافق نقل، خدمات عامة) يضاعف من أثر الاكتشافات الغازية أو النفطية في السوق العقاري، ويحول المناطق المحيطة تدريجياً إلى مراكز تنمية عمرانية وتجارية جديدة.
* الرئيس التنفيذي في شركة نعمان العقارية

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا