يبدو أن سياسات إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تجعل العالم أكثر تعقيداً بالنسبة لدبلوماسيي الولايات المتحدة في الخارج، إذ خلال الأيام القليلة الماضية، تم استدعاء اثنين من كبار دبلوماسيي الولايات المتحدة في دولتين حليفتين، هما فرنسا والدنمارك، لتلقي الاحتجاج الدبلوماسي من الدولتين المُضيفتين، وهو أمر غير اعتيادي.
واستدعت الدنمارك القائم بأعمال السفارة الأميركية، بالنظر إلى أن السفير لم يتأكد وجوده حتى الآن، بعد تقارير استخباراتية تشير إلى وجود جهود سرية من قبل الولايات المتحدة في «غرينلاند»، لإثارة المعارضة داخل البلد ضد حكم الدنمارك.
وفي باريس تم استدعاء سفير الولايات المتحدة الجديد، تشارلز كوشنر، بعد توجيهه انتقادات لحكومة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، لكونها لم تقم بما فيه الكفاية لكبح جماح «معاداة السامية»، وقد أرسل أحد موظفي السفارة بدلاً من ذهابه بنفسه.
ويتجاهل نهج ترامب في العلاقات الدبلوماسية المجاملات المعتادة والتقليدية، ويريد الوصول فوراً إلى جوهر الموضوع الذي مفاده: من الأقوى؟ ويتضمن التلميح أنه إذا كان ترامب هو الأقوى، فهو يتوقع منك أن تفعل ما يشاء، وإذا استمرت أي حكومة أجنبية في معارضة سياساته بأي مكان في العالم، فيبدو أنه مستعد لدعم الجهود، كما في حالة «غرينلاند»، لتغيير الحكومة أو الضغط عليها علناً لتغييرها.
وأوصى الرئيس الأميركي السابق، تيودور روزفلت، الذي حكم بلاده في الفترة بين 1901 و1909، خلفه من الرؤساء، بالتحدث بلطف وحمل عصا غليظة للتهديد في الوقت نفسه، ومن الواضح أن ترامب يفضل أن يتحدث بصوت عالٍ، ويستخدم عصاً غليظة، خصوصاً مع الدول الحليفة له، وهذه لعبة دبلوماسية جديدة للولايات المتحدة.
ويثير كل ذلك السؤال التالي: ما الدور الملائم للسفير خارج بلاده، وكيف يتم تنفيذ العلاقات الدبلوماسية؟ كما كتبت في كتابي الأخير حول كيفية أن تكون دبلوماسياً، مستفيداً من خبرتي الممتدة لـ35 عاماً دبلوماسياً بريطانياً عمل في إفريقيا والشرق الأوسط والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بأن هناك قواعد وعادات وممارسات، لكن لا يمكن مراعاتها دائماً.
وأوضحت اتفاقية فيينا لعام 1961، التي سعت إلى تنظيم هذه الممارسة، أنه يجب أن يتم احترام السفراء، باعتبارهم ممثلين لدول أخرى ذات سيادة، لكن في المقابل يتعين عليهم أيضاً احترام الدول المُضيفة لهم عن طريق عدم توجيه الانتقادات لها علناً أو السعي إلى التدخل بصورة مباشرة في شؤونها الداخلية.
دور السفير
ويعمل السفراء كناطقين باسم حكوماتهم، ومن الشائع بالنسبة للحكومات ألّا تتفق مع بعضها بعضاً، ويوجد السفراء لتمثيل بلادهم، من أجل التفسير، والإقناع، والتفاوض على نقاط الخلاف التي تقع بين الدول.
ولتحقيق ذلك، يجب أن يكون السفير قادراً على التحدث مع الحكومات المُضيفة، وبالطبع فإن توجيه الإهانة علناً للدول المُضيفة، كما فعل كوشنر من خلال مقالة الرأي التي كتبها في إحدى صحف الولايات المتحدة، لا يشجع الحوار، ولا يؤدي إلى نتائج مثمرة.
وهناك طرق راسخة لإدارة مثل هذه الخلافات، وعادة يتم تبليغ الاحتجاجات بين حكومة وأخرى من خلال الاتصالات الدبلوماسية المعروفة بـ«مذكرة شفوية»، باستخدام الأقنية الرسمية للعمل، المعروفة بـ«المسار»، حيث يقوم السفير بنقل وجهة نظر بلاده إلى الدول المُضيفة، أو عن طريق استدعاء السفير إلى وزارة الخارجية في الدول المُضيفة، أو استدعاء من ينوب عن السفير إلى الحكومة المُضيفة.
ويمكن استدعاء السفراء أيضاً نتيجة سوء سلوك موظفيهم أو مواطنيهم في الدول المُضيفة، أو حتى طرد بعض موظفي السفارة، نتيجة قيامهم بأنشطة لا تتوافق مع وضعهم، وهو المصطلح المتعارف عليه، للدلالة على «التجسس».
وإذا تدهورت العلاقات أكثر، يمكن اعتبار السفير شخصاً غير مرغوب فيه، أي طرد السفير من الناحية الفعلية أو الرسمية أو سحبه رسمياً للتشاور، مع أن القائم بالأعمال، في الأغلب، يبقى لضمان استمرار التواصل بين الحكومتين.
وعندما كنت سفيراً لبريطانيا في دولة ساحل الحاج الإفريقية، قام رئيس الدولة، لوران غباغبو بإبعادي عن بلاده مع بقية الموظفين الدبلوماسيين في العاصمة أبيدجان، بعد أن طلبت منه احترام نتائج الانتخابات الرئاسية في بلاده عام 2010، ومن ثم قدم استقالته، وفي النهاية غادر السلطة قبل أن أغادر بلاده.
ويكون الإجراء الدبلوماسي الأخير الذي يسبق شن الحرب، هو قطع العلاقات، وسحب السفير والموظفين الدبلوماسيين، وإغلاق السفارة، وعندما زار نائب الرئيس الأميركي، جاي دي فانس، جزيرة غرينلاند في مارس 2025، وجّه انتقادات لحكومة الدنمارك التي تحكم الجزيرة.
وخلال إدارة الرئيس دونالد ترامب الأولى، أثار سفيره في ألمانيا، ريتشارد غرينيل، استياء واسعاً بدعمه الضمني لليمين المتطرف في أوروبا، بما في ذلك حزب «البديل من أجل ألمانيا»، وانتقاده للمستشارة أنغيلا ميركل.
ونتيجة لذلك، قلّصت الحكومة الألمانية الغاضبة تواصلها معه قدر الإمكان، مع أنه لم يتم طرد السفير أو أي موظف دبلوماسي من السفارة قط، ومن المرجح أن يلقى كوشنر، المصير نفسه في فرنسا، فقد يحظى بشعبية سياسية في واشنطن وتل أبيب، لكنه قد يصبح عديم الفائدة عملياً في فرنسا.
لكن ترامب لم يتردد في توجيه انتقادات لاذعة للسفراء الأجانب في الداخل، وكذلك للحكومات في الخارج، في عام 2019 اضطر السفير البريطاني في واشنطن، كيم داروش، للاستقالة برفضه مقابلته بعد تسريب بعض التعليقات الانتقادية الخفيفة في تقرير داخلي سري إلى الصحافة البريطانية، وعندما رفض وزير الخارجية آنذاك، بوريس جونسون، دعم داروش، لم يكن أمامه خيار سوى الاستقالة.
شؤون خارجية
وخلال الحرب الباردة، شاركت كلٌّ من الحكومتين الأميركية والسوفييتية، بنشاط في بعض الأحيان، في محاولة تنصيب حكومات أكثر تعاطفاً في دولة ثالثة، أبرزها في إيران عام 1953، وتشيكوسلوفاكيا عام 1968، وتشيلي عام 1973، لكن كان السفراء يُستثنون من هذه العملية، التي كانت تتولاها وكالات أخرى.
ويظل السؤال ما إذا كان نهج الإدارة الأميركية الحالي يُمثّل إعادة صياغة للقواعد الدبلوماسية، أم مجرد عودة إلى الوضع الراهن قبل عام 1945؟ في تلك المرحلة، قرر العالم، من خلال الأمم المتحدة، السعي إلى إرساء مزيد من النظام والقواعد في العلاقات الدولية، بدلاً من السماح للقوى العظمى بالتصرف بحرية تامة، وهو ما أدى إلى حربين عالميتين.
وفي الواقع، لطالما كان توازن القوى بين الطرفين أساساً للدبلوماسية، لكن حتى الدول العظمى تدرك بأن بعض القواعد كان مفيداً، وهو السبب الذي جعل الولايات المتحدة لاتزال موجودة، وستستمر الدبلوماسية مهما كلف الأمر، لكن لم يتم التوصل - حتى الآن- إلى قرار بشأن ما إذا كانت السياسة الواقعية التي ينتهجها ترامب ستحقق نتائج أفضل للشعب الأميركي مقارنة بالطريقة السابقة التي يحاول التخلص منها. عن «الكونفرزيشن»
• من الواضح أن ترامب يفضّل أن يتحدث بصوت عالٍ، ويستخدم عصاً غليظة، خصوصاً مع الدول الحليفة له، وهذه لعبة دبلوماسية جديدة للولايات المتحدة.
• يتجاهل نهج ترامب في العلاقات الدبلوماسية المجاملات المعتادة والتقليدية، ويريد الوصول فوراً إلى جوهر الموضوع الذي مفاده: من الأقوى؟.
نيكولاس ويسكت*
*بروفيسور في العلاقات الدولية والعلوم السياسية، وسفير سابق لبريطانيا.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة الامارات اليوم ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من الامارات اليوم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.