قبل عقدين من الزمن ترك الهندي، جينول عابدين، عائلته وانتقل إلى العاصمة الهندية نيودلهي، حيث أمضى عاماً في تعلم تقنية يطلق عليها «زردوزي»، وهي تقنية تطريز قديمة ومعقدة، أملاً في أن يتمكن من إعالة أسرته لعقود قادمة، ونجحت مغامرته، وحصل على وظيفة في شركة «أورينت كرافت»، وهي مصنع متخصص في صناعة الملابس، ويقع على مشارف نيودلهي، ويورّد منتجات علامات تجارية عالمية، مثل «غاب» و«رالف لورين» و«أميركان إيغل»، وظل ينتج على مدار 12 عاماً قطعاً مُعدة لعرضها على رفوف الملابس على بعد 8000 ميل في الولايات المتحدة. وقال عابدين، وهو يتذكر ذلك العام الذي قضاه في تعلم حرفته عندما كان يعيش على مدخراته الضئيلة، بينما كانت إبرته تتحرك على قطعة قماش شفافة لتشكل زهرة: «هذه مهارة حقيقية، لولا ذلك لما استغرق الأمر عاماً كاملاً لتعلمها»، لكن هذا الرزق الذي اكتسبه بشق الأنفس بات مهدداً بقوة خارجة عن سيطرته، فقد فرضت إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، رسوماً جمركية بنسبة 50% على السلع الهندية، وهي من أعلى الرسوم التي فرضتها الولايات المتحدة على أي من شركائها التجاريين ضمن حرب تجارية عالمية تاريخية، ما يهدد بتدمير الأعمال التي تعتمد على الصادرات الهندية مثل المنسوجات، والألماس، والصلب، والسيارات. ويأتي نصف هذه الرسوم البالغة 50% كعقاب فرضه ترامب على الهند بسبب مشترياتها المتزايدة من روسيا عقب الحرب في أوكرانيا، أما النصف الآخر فهو جزء من حملة ترامب الشهيرة «أميركا أولاً» لخفض العجز التجاري الأميركي، والذي وصل في حالة الهند إلى 45.7 مليار دولار بحلول عام 2024. ويتعارض كلا الإجراءين مع حلم «صنع في الهند» الذي يتبناه رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، الذي يتصور تحويل بلاده إلى قوة صناعية لدفع النمو الاقتصادي وانتشال الملايين من براثن الفقر. صادرات الهند وتشكل أميركا بصفتها أكبر أسواق صادرات الهند أو على الأقل كانت، جزءاً كبيراً من هذا الحلم، وبدأ الشعور بالكآبة يخيم على شركة «أورينت كرافت» التي تصدر نحو 82% من منتجاتها إلى الولايات المتحدة. وقال عابدين: «لقد تسبب ذلك في صعوبات كثيرة، وباتت الشركة في ورطة، وإذا كانت الشركة في ورطة، فنحن في ورطة، وإذا كانت البلاد في ورطة، فنحن في ورطة أيضاً». وتحول الأمر إلى مشكلة أكثر سوءاً من مشكلة لا يستطيع مودي تحملها، حيث يكافح عشرات الملايين من الشباب بالفعل لدخول سوق العمل في أسرع اقتصاد رئيس نمواً في العالم. وبالنسبة لربة المنزل سوميترا ديفي، كان العمل في مصنع «أورينت كرافت» في ولاية جهار خاند المجاورة أكثر من مجرد وظيفة، وقالت: «نساء قريتي لا يعملن عادةً، كنت ربة منزل». وأدى الدخل الذي تحصل عليه ديفي من المصنع إلى تغيير كل شيء، وأرسلت أطفالها إلى مدارس خاصة، والآن تحلم ابنتها الكبرى بأن تصبح مهندسة، وتنظر ديفي، التي تركت الدراسة، إلى الأمر باعتباره «مصدر فخر»، لكنها تخشى الآن من أن تؤدي الرسوم الجمركية إلى إلغاء كل شيء. ووصف مالك شركة «أورينت كرافت»، سودهيرا دينغرا، هذه الفترة بأنها «صعبة للغاية»، وأضاف أن بعض طلبات المشترين الأميركيين قد تم تعليقها بالفعل، ويقدر رئيس قسم الأقمشة في «أورينت كرافت»، هيمانت ماخيجا، أن نحو 20 مليون عامل في مصانع القطن في جميع أنحاء الهند قد يفقدون وظائفهم. وقال ماخيجا: «تعمل مصانع القطن في جميع أنحاء منطقة العاصمة الوطنية بالفعل بنسبة 50% من طاقتها على الرغم من أن هذا موسم الذروة». صناعة الألماس وتعد مدينة «سورات» الواقعة في غرب الهند، مركزاً لصناعة الألماس عالمياً، ومركزاً ضخماً للمعالجة، حيث يتعامل الحرفيون المهرة مع نحو 90% من الماس الخام في العالم، ويصقلونه لتجهيزه للسوق العالمية. ويساهم هذا القطاع، الذي يوظف نحو 5 ملايين شخص على مستوى البلاد، بنحو 7% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وفقاً لمؤسسة الهند لقيمة العلامة التجارية. ويقول الرئيس الإقليمي لمجلس ترويج صادرات الأحجار الكريمة والمجوهرات في الهند جايانتيباي سافاليا: «حدوث أي تباطؤ في هذا المجال الاقتصادي سيكون له تأثير مؤكد 100% وسيؤدي إلى فقدان الوظائف وتقليص الرواتب». عن «سي إن إن» تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news Share فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App