تحتفل اليوم هيئة الطرق والمواصلات بدبي بالذكرى 16 لانطلاق مترو دبي، المشروع الذي لم يكن مجرد وسيلة نقل، بل تحول إلى قصة نجاح حضارية ومعمارية وهندسية واقتصادية جعلت من الإمارة نموذجاً عالمياً في إدارة منظومة النقل المستدام.فمنذ افتتاحه في 9 سبتمبر عام 2009، وحتى اليوم، حقق المترو قفزات نوعية على مختلف الصعد، وأسهم في تغيير أنماط التنقل اليومية لملايين السكان والزوار، مقدماً صورة مشرقة عن قدرة دبي على الجمع بين الحداثة والابتكار والاستدامة.رسخ المترو مكانته واحداً من أعمدة البنية التحتية في الإمارة، حيث تجاوز عدد مستخدميه منذ التشغيل وحتى نهاية العام الماضي مليارين و400 مليون راكب، وهو رقم يعكس الثقة الكبيرة التي أولاها المجتمع بهذه الوسيلة الحيوية. آخر الإحصاءات وبحسب آخر الإحصاءات في النصف الأول من العام الجاري 2025، بلغ عدد مستخدمي مترو دبي بخطيه الأحمر والأخضر نحو 143.9 مليون راكب، واستحوذت محطتا برجمان والرقة على النصيب الأكبر من عدد ركاب المترو، حيث بلغ عدد ركاب محطة برجمان للخطين الأحمر والأخضر 8.6 مليون، وعدد ركاب محطة الرقة 6.8 مليون، ثم محطة الاتحاد للخطين الأحمر والأخضر بواقع 6.6 مليون راكب، وعلى الخط الأحمر سجلت محطة مول الإمارات أكبر عدد من الركاب (بعد محطة الرقة) بإجمالي 5.6 مليون، تلتها محطة برج خليفة دبي مول ب 5.4 مليون، ثم محطة الخليج التجاري ب 5.3 مليون، والخط الأخضر جاءت محطة شرف دي جي في المرتبة الأولى في عدد الركاب بواقع 5.1 مليون، تلتها محطة بني ياس ب 4.1 مليون، ثم محطة الاستاد ب 3.6 مليون راكب.ووفقاً للدراسات، يتوقع أن يتجاوز عدد ركاب مترو دبي حاجز 300 مليون عام 2026، ليصل إلى 320 مليوناً عام 2031. محطات المترو وقد انطلقت خدمة المترو ب 10 محطات عام 2009، ليصل إلى 26 محطة في 2010، ثم ارتفع إلى 46 عام 2011، وفي عام 2014، جرى تشغيل ترام دبي، ليرتفع إجمالي عدد محطات المترو والترام إلى 56. وشهد عام 2021، تشغيل مسار 2020 لمترو دبي، حيث أضيفت سبع محطات، ليصل إجمالي عدد المحطات المشغّلة إلى 64، وستضاف 14 جديدة عند تشغيل الخط الأزرق، ليصل الإجمالي إلى 78 محطة. القطارات وقد ارتفع عدد القطارات من 16 عند افتتاح المترو عام 2009، إلى 44 في 2010، ليصل إلى 79 عام 2011، ثم ارتفع مع افتتاح ترام دبي 2014 إلى 90 قطاراً، ليصل إلى 140 عام 2021، وسيرتفع عددها مع تشغيل الخط الأزرق إلى 168، منها 157 للمترو.ويمتد المترو حالياً بطول يقارب تسعين كيلومتراً عبر خطين هما الأحمر والأخضر، ويضم 53 محطة مصممة وفق معايير عالمية تجمع بين الجمال المعماري والوظيفة العملية، وقد حاز المترو منذ انطلاقه على تصنيفات قياسية عالمية بصفته أطول خط مترو آلي من دون سائق في العالم، ما يجسد توجهات دبي في الاعتماد على الحلول الذكية والتقنيات الحديثة في إدارة النقل الجماعي. صيانة المترو وفيما يتعلق بتجديد القطارات وصيانتها، أكملت الهيئة إعادة تأهيل أسطول القطارات المكون من 79 قطاراً بعد قطعها مسافة تزيد على 1.5 مليون كيلومتر منذ بدء تشغيل المترو. أسهم هذا البرنامج، الذي تضمن تجديد وصيانة القطارات، في رفع معدل دقة مواعيد الرحلات إلى 99.7%، ما يجعل مترو دبي من بين أنظمة المترو الأكثر موثوقية عالمياً. وتساعد هذه العملية في تقليل احتمالات الحاجة إلى صيانة تصحيحية مستقبلية، مما يترجم إلى تخفيض التكاليف على المدى البعيد. تطبيقات ذكية ولأن الابتكار جزء لا يتجزأ من هوية دبي، فقد شهد العام الماضي خطوات متقدمة في تحديث أنظمة المترو، سواء بإدخال تطبيقات ذكية توفر معلومات فورية للركاب عن المواعيد والازدحام، أو باعتماد أنظمة صيانة وقائية تعتمد على الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بالأعطال قبل وقوعها. كما قامت الهيئة خلال العام الجاري بتركيب وتحديث تسعة آلاف لوحة إعلانية وإرشادية في المحطات والقطارات، لتوحيد الهوية البصرية وتسهيل تجربة الركاب، واستغلال هذه اللوحات منصات للتوعية المجتمعية والإعلانات الرقمية الذكية. الخط الأزرق ويشكل مشروع الخط الأزرق نقلة نوعية في مسيرة تطوير منظومة النقل العام في الإمارة، إذ يأتي خطوة استراتيجية لتعزيز الربط بين المناطق الحيوية، من خلال إضافة خطوط ومحطات جديدة تسهم في رفع الطاقة الاستيعابية للشبكة. ويهدف المشروع إلى تسهيل الوصول بين المناطق السكنية الحديثة والمراكز التجارية والاقتصادية، بما يعزز مكانة دبي محوراً عالمياُ للأعمال والاستثمار.وفي إطار التوسع المستمر في البنية التحتية، شهد صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في يونيو الماضي، مراسم وضع حجر الأساس إيذاناً ببدء تنفيذ مشروع الخط الأزرق، الذي يمتد على طول 30 كيلومتراً ويتضمن 14 محطة.ويخدم هذا الخط تسع مناطق حيوية، يقطنها نحو مليون نسمة، وفقاً لمستهدفات خطة دبي الحضرية 2040. وقد وجّه سموّه بالبدء الفوري في تنفيذ المشروع وفق أعلى المعايير العالمية، لتلبية احتياجات النمو السكاني المستقبلي، على أن ينجز الخط بحلول عام 2029، بالتزامن مع الاحتفال بالذكرى العشرين لانطلاق مترو دبي. دقة المواعيد وعلى الصعيد التشغيلي، أظهرت الأرقام الصادرة عن الهيئة العام الماضي، أن دقة مواعيد رحلات المترو بلغت 99%، وهو ما يعكس كفاءة الإدارة التشغيلية ومستوى الاعتمادية العالية التي وصل إليها المشروع. كما أظهرت البيانات أن نسبة رضا المتعاملين عن خدمات المترو تجاوزت 95%، ما يجعله ضمن أكثر مشاريع النقل الجماعي نجاحاً في المنطقة والعالم. النقل الجماعي أما من الناحية الإنسانية والاجتماعية، فقد أسهم المترو في خلق ثقافة جديدة لدى سكان دبي تعتمد على النقل الجماعي خياراً أساسياً، وهو ما أسهم في دعم التلاحم الاجتماعي، إذ يلتقي الملايين يومياً من مختلف الجنسيات والثقافات على متن هذه الوسيلة، في مشهد يجسد التنوع الذي تتميز به دبي.ومع مرور ستة عشر عاماً على تشغيله، يواصل مترو دبي كتابة فصول جديدة في قصة نجاحه. فالهيئة لا تكتفي بما تحقق، بل تعمل باستمرار على استشراف المستقبل وتبني أحدث الابتكارات التي تضمن استدامة المنظومة وتلبي احتياجات النمو السكاني والعمراني المتسارع. ولعل ما يميز التجربة أن المترو لم يعد مجرد مشروع نقل، بل أصبح رمزاً لهوية دبي الحديثة، وشاهداً على قدرتها على التخطيط الاستراتيجي والتنفيذ المتقن، ومختبراً حقيقياً لتجربة المدن الذكية التي تسعى إلى مواكبة متطلبات القرن الحادي والعشرين. خفض الازدحام والانبعاثات الكربونية وتعزيز الاقتصاد تبرز أهمية المترو أيضاً في مساهمته المباشرة في تقليل الازدحام المروري وخفض الانبعاثات الكربونية، حيث تشير بيانات الهيئة إلى أن تشغيله أسهم في تقليل ملايين الرحلات بالمركبات الخاصة سنوياً، ما انعكس على جودة الهواء ونسبة التلوث، فضلا عن تقليص الوقت الذي يقضيه الأفراد على الطرق. وقدرت الهيئة الأثر البيئي الإيجابي للمترو بأنه أسهم في تقليل الانبعاثات الكربونية، وهو ما ينسج مع أهداف دبي البيئية ورؤية الإمارات في الوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2050.ولم تقتصر إنجازات المترو على النقل فقط، بل تجاوزت ذلك إلى البعد الاقتصادي والاجتماعي، فقد أصبح شرياناً يربط المناطق الحيوية، ويدعم الحركة التجارية والسياحية في الإمارة. وتشير بيانات أن أكثر من 40% من مستخدمي المترو كانوا من الزوار والسياح، ما يوضح دوره المحوري في دعم قطاع السياحة الذي يعد رافداً رئيساً لاقتصاد دبي. كما أسهمت شبكة المترو في رفع قيمة المناطق العقارية المحيطة بمحطاته، حيث أظهرت دراسات حديثة أن أسعار العقارات والإيجارات القريبة من محطات المترو ارتفعت بنسبة تتراوح بين 15% و25% خلال الأعوام الماضية.