في كلمتين فعل وفاعل... حقق صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، عمقاً ثقافياً وحضارياً وتاريخياً، يستحق أن يصنّف بين عيون الأدب ومناهل الفلسفة، وينابيع التاريخ.الكلمتان «علّمت والمَعني هو ضمير المتكلم.. والحياة هي المعلّم».. الحياة هي التي علّمت هذا القائد الملهم بكل المعاني.. رجل تربّى في بيت قائد، كان قدوته وأستاذه، الشيخ راشد، ثمّ شاركه هذه التربية القائد المؤسّس الشيخ زايد، طيّب الله ثراهما..هذا البيت الذي احتضن هذا الرجل الإنسان لما يحمل من الصفات، بوّأته بكل جدارة واقتدار، ما وصل إليه.. حيث كان قائداً لشرطة دبي ثم وزيراً للدفاع وولياً لعهد دبي، ثم أنشأ المكتب التنفيذي، وكان في كل مراحل حياته وقيادته حصيفاً حريفاً عميق التفكير، بعيد الاستشراف لمستقبل حافل بكل ما يرفع مكانة دولة الإمارات العربية المتحدة ومدينه «المعجزة» دبي التي صارت قبلة الطامحين إلى حياة هانئة مطمئنة من كل أنحاء العالم..كل هذا كان بروح الشجاعة التي تجلّت في كل ما أنجزه... لأن «القائد ليس الذي يملك خريطة طريق قبل أن يتحرّك، القائد هو الذي يملك بوصلة وثقة وحدساً لكي يرسم طريقاً جديداً لغيره».. كما قال الشيخ محمد بن راشد في كتاب «علمتني الحياة» الذي تستعرض «الخليج» جانباً من فصوله، حيث يعد مرجعاً للطامحين والمثابرين وللراغبين في حياة أفضل لهم ولأهليهم ووطنهم وللإنسانية جمعاء.الرؤية والحركةاحتفلت قبل فترة بمرور خمسة وعشرين عاماً على إنشاء المكتب التنفيذي الخاص بي.. والذي أسسته للمساهمة في توليد الأفكار واحتضان المشاريع في بداياتها، وذلك بهدف إعطاء مساحة كبيرة من المرونة لفريق العمل خارج إطار البيروقراطية الحكومية التقليدية.كان أحد المشاريع التي استعرضتها خلال الاحتفاء مشروع مدينة دبي للإنترنت. سألني أحد الأصدقاء: كم استغرقت من الوقت بين فكرة إنشاء المدينة وبداية التنفيذ؟ كم استغرقت الدراسات الاقتصادية والتقنية؟ لأن الفكرة في ذلك الوقت كانت خارج مألوف الثقافة والتفكير الحكومي..أجبته: 3 أيام، بين الفكرة الوليدة المكتوبة على ورقة واحدة.. وبين أمري ببداية التنفيذ.سألني: من أين لك كل هذه الشجاعة؟قلت له: القائد ليس الذي يملك خريطة طريق قبل أن يتحرك، القائد هو الذي يملك بوصلة وثقة وحدساً.. لكي يرسم طريقاً جديداً لغيره. نحن نعرف أن هذا الاتجاه هو الصحيح.. فلماذا الانتظار؟وذكرته ببيت شعر أحبه:أمشي على درب ما توطاه الأقداميوإن وعرت الأرض يعجبني المشي فيهالدي مبدأ في الحياة، طبقته عبر ستة عقود من حياتي وأثبت نجاحه، والمبدأ هو «الحركة تصنع الإنجاز».الإنجاز لا يكون بالانتظار، الإنجاز لا يحدث عبر الدراسات، الإنجاز ليس وليد الخطط.. الإنجاز هو وليد الحركة.نعم نحن نحتاج رؤية، ولكن لن تكون لديك رؤية واضحة حول كل شيء إلا إذا بدأت الحركة.علمتني الحياة أن الرؤية تتضح، والخطة تفهم، والطريق يظهر فقط عندما تبدأ الحركة.إذا انتظرت اكتمال الخطط لن تفعل شيئاً. تحرك، وسترى طريقك.. ويتزن عقلك.. وتعرف خطتك.قد يعتقد الكثير من القادة والمسؤولين بأن وضع الرؤية المتكاملة هو البداية.ولكن الصحيح أن الرؤية لا تسبق الحركة.. بل ترافقها.الحركة هي التي توضح الرؤية وتبلورها. نحن نتعلم أثناء التنفيذ.. وأثناء حركتنا.علمتني الحياة أن الحياة الحقيقية تكون على الطريق، والنجاح يتولد من الحركة، والفرص تأتي لمن يتحرك أولاً.الساعة لن تقف، والشمس لن تتوقف عن حركتها، والوقوف على رصيف الحياة لا يصنع حياة.تعلمت أن الخوف من الخطأ وانتظار الظروف المثالية يشل الحركة، ويزيد التردد، ويخلق مزيداً من الغموض.علمتني الحياة أن أعظم خطأ هو أن لا تتحرك.تحرك لكي تفتح لك الأبوابتحرك لكي تفهم الطريق، ويزول الغموض.تحرك لكي تكتشف قمماً جديدة خلف كل جبل تريد أن تقطعه.لا تحتاج أن ترى كامل الطريق لكي تتحرك، بل تحتاج إلى إيمان وثقة لكي تبدأ، وسيشكل الطريق رؤيتك الجديدة ويكشف لك عنها وأنت تتحرك.الرؤية تكتمل، والإنجاز يُصنع وأنت تتحرك.. ليس وأنت تنتظر.سنّة الكون هي الحركة، قانون الحياة الأساسي هو الحركة، لا يعيش من يظل واقفاً متردداً خائفاً.عندما تطير النحلة في بداية يومها، هل لديها خارطة طريق حتى آخر اليوم أو الأسبوع أو الشهر؟عندما تنطلق الطيور كل صباح، هل تعرف جميع محطاتها حتى آخر اليوم؟ أم أن حركتها هي التي تظهر لها أفضل طريق؟يقول الشاعر:إنّي رأيتُ وقوفَ الماءِ يفسدهإن ساح طاب وإن لم يجرِ لم يطبِوالأُسدُ لولا فراق الأرض ما افترستوالسهمُ لولا فِراق القوسِ لم يُصبِكل شيء يتحرك، الذرات تتحرك، جميع الكائنات تتحرك، الشمس والقمر لا يتوقفان عن الحركة. الأرض تتحرك أكثر من 50 مليون كيلومتر في كل يوم وهي تسبح في هذا الكون الفسيح. الكون كله يتحرك. لماذا تقف أنت متردداً تنتظر اكتمال وضوح الصورة؟مبدأ الحركة ينطبق على جميع جوانب حياتنا..حتى في علاقتنا مع الخالق، يقال: «حين تبدأ السير نحو الله.. سيظهر لك الطريق». ونقول في موروثنا الثقافي: اسعَ يا عبدي وأنا أسعى معاك، منك الحركة.. ومني البركة.الطريق إلى الراحة يحتاج حركة، الطريق إلى النجاح يحتاج حركة، الطريق إلى المستقبل يُقطع بالحركة وليس بالانتظار والتردد.ليس ما أقوله جديداً في علم الإدارة والقيادة، بل قال به الكثيرون قبلي، وهو سنّة الحياة. الإشكالية أننا تعودنا على إعلان رؤية وخطة واستراتيجية قبل الفعل والتنفيذ.لم أستغرب عندما قرأت دراسة من جامعة هارفارد أوضحت أن حوالي 70٪ من الخطط والاستراتيجيات التي يتم وضعها لا تحقق النجاح المطلوب، والسبب أن وضع الخطط أصبح تخصصاً بحد ذاته له خبراؤه ومستشاروه ومنظروه، والذين في أغلب الأحيان ليس لهم علاقة بالميدان وليس لهم علاقة بالحركة التي تصنع التغيير.. ولذلك تفشل الخطط.ولست أدعو هنا إلى عدم وجود رؤية لمسيرتنا، ولكن رؤية دون حركة هي أمنيات، وحركة دون رؤية قد توقعك في أخطاء. ما أقوله هنا أننا نحتاج للحركة حتى تتضح لنا الرؤية الصحيحة التي يمكن أن نصنع بها المستقبل.لن تعرف رؤيتك الحقيقية إلا إذا بدأت في السير.. هكذا علمتني الحياة. هل جربت أن تعيش؟هل جربت أن يكون لك حلم أو طموح؟هل جربت أن تكون لك غايات عليا تسعى إليها؟ما عاش من كان همه عبور يومه إلى اليوم الذي يليه.. وعبور شهره إلى الذي بعده.ما عاش من لم يذق لذة الوصول، ولذة الإنجاز ولذة الاكتمال.الحياة دون أهداف مثل السفينة التي تبحر دون وجهة، ودون بوصلة، ودون غاية.لا تعش حياة صغيرة.. أو نصف حياة.ولا تخف من أن تفشل في أحلامك العظيمة، بل خف من النجاح في المهام التافهة.. لأن قدرك في الحياة على قدر أحلامك.. نحن نكبر على قدر مهامنا وأحلامنا وأهدافنا. وإذا لم تخفك أحلامك فليست عظيمة بما يكفي..هل جربت أن تعيش؟ليست الحياة بعدد السنوات.. بل بعدد الأيام التي عشت فيها حياة حقيقية..لا أحد يذكر أصحاب الأحلام البسيطة.لا أحد يذكر أصحاب الحياة الرتيبة.لا أحد يذكر أصحاب العزيمة الضعيفة.التاريخ يذكر الذين خاطروا من أجل أحلامهم، والذين تجرؤوا على المشي في دروب وعرة لم يسبقهم إليها أحد.أشهد أنني عشت.رحم الله أبيكلما تفكرت في حنكة أبي وحكمته، وحياته، وسيرته، أدركت كم تعلمت منه وكيف تأثرت بشخصيته.تعلمت من أبي بساطة العيش وضبط النفس.. وأن لا أنشغل بالتفاهات، ولا أصدق ضعاف العقول والتافهين.تعلمت منه الإصغاء. ومتى أشتد ومتى ألين.تعلمت منه الوقار من غير تكلف، والتسامح تجاه الجهال من الناس، والتلطف مع الجميع.كان مجرد حضوره يفرض الإجلال على الجميع.كان أبي قليل الغضب والانفعال، كان حسن النية ولا يحب الخداع، ولا يجزع أو يهلع من أي أمر بل هو ثابت واثق رصين.وإذا عبر عن استحسانه عبر بقدر.. وبدون محاباة.تعلمت من أبي أن أحب أهلي وأقربائي وإخواني وأن أكون قريباً من أخواتي.وتعلمت منه أن أحب الصدق وأحب العدل.وتعلمت منه تقبّل النقد والثقة بالنفس.. والتوازن بين اللطف مع الناس والوقار والحزم الذي يتطلبه موقعي.تعلمت من أبي أن لا أتصيد الأخطاء.. وأن لا أبحث عن زلات الناس، وأن أتغافل أحياناً.. وألفت النظر بلطف أحياناً أخرى، وخاصة مع من تأكدت من إخلاصهم وحبهم وتفانيهم في أعمالهم.كان أبي رصيناً حازماً لا تستهويه المدائح ولا التهليل.. ولا ينطلي عليه التملق..ولا ينخدع بالمسميات الإعلامية أو التضخيمات غير المنطقية.كان لا يأخذ بالانطباع الأول حول أي موضوع، بل يتدبر فيه ويتفكر ويستشير ويسأل.. وتعلمت منه الإصغاء لكل من لديه رأي سديد أو عقل رشيد.كان أبي يحب العلماء لكنه يستطيع بسهولة كشف مدعي العلم.كان يحب مجالسة التجار وأهل السوق، وكان يوقر أصحاب الدين ويحب عمل الخير. وكان سمحاً صادقاً مستقيماً في حياته.. لم يزدر إنساناً أو يستعلِ على أحد.كان يتفرس في الناس والشباب.. ويدعم أصحاب المواهب التجارية ويستعين بمن يرى عنده قدرات إدارية.كان بعيد النظر، دقيق البحث في كل الأمور، لا يحب العجلة.. ولكنه إذا عزم على أمر لم يتردد ولم يشك لم يرتبك عند اتخاذ القرار.كان حريصاً على أصدقائه.. مرحاً معهم، منبسطاً في محادثتهم، إلا أنه لا يخلط الخاص بالعام.. لا يحابي أصدقاءه بتكليفهم المسؤوليات الحكومية، ولا يصادق من يعملون معه من المسؤولين بل يجعل بينهم وبينه مساحة.. تسودها الثقة والاحترام والمحاسبة.لم يكن أبي غليظاً أو عنيفاً.. بل ودوداً متسامحاً كريماً.. يعطي كل شخص حقه.. ويخصص لكل أحد حوله جزءاً من وقته..لم يكن يهوى كثرة الطعام.. أو كثرة الكلام.. أو كثرة المباني والقصور.. بل يميل للبساطة.. والتخفف والتحكم في نفسه.رحم الله أبي.. رحم الله أبي.العدو الخفيعندما تكون حاكماً.. ترى أحياناً ما لا يراه الكثير من الناس.بصفتك حاكماً، يتواصل معك الكثير من المسؤولين وترى العديد من التقارير، وتصلك شكاوى وتظلمات الناس سواء كانوا موظفين أو تجاراً أو مسؤولين. وترى من موقعك أيضاً ديناميكية العلاقات بين المؤسسات ومع خبرة السنين تكتشف بأن هناك قوة خفية قد تكون مدمرة.. لا يتم الحديث عنها.. تلعب دوراً كبيراً في حركة هذه المؤسسات وإنجازاتها وعلاقاتها ببعضها. هذه الظاهرة هي التحاسد.عندما يتواصل معك البعض لتقليل نجاحات الآخرين، أو لانتقادهم بطريقة غير مبررة، أو لمحاولة عرقلة مشاريعهم الناجحة عبر قرار أو توجيه منك، أو لإيقاف الدعم الذي تقدمه لهم، فاعلم أن هذه القوة الخفية هي من يقف وراء ذلك.. الحسد.الحسد قوة مدمرة وخفية ليس فقط على المستوى الشخصي ولكن حتى على مستوى المؤسسات. عندما تتحول نجاحات البعض لتهديدات بالنسبة لآخرين تتبدل بيئة العمل، وتحل المكايدات بدل المبادرات، والتشكيك بدل الثقة، والشللية بدل العمل بروح الفريق الواحد، ومنبع كل ذلك هو إحساس بالعجز والضعف والحقد لدى البعض عندما يرى نجاحات الآخرين.وكقائد لابد لك من فهم هذه الدوافع الإنسانية وتأثيراتها والتعامل معها وتوجيهها، أو على الأقل تحييدها حتى لا تصاب المؤسسات بالشلل، ولا يتحول التنافس المحمود إلى صراعات صفرية لا يفوز فيها أحد، ولا تتحول التوترات الصامتة إلى مؤامرات تهدف لإفشال الناجحين.علمتني الحياة أن العديد من المشاريع والأفكار لا تفشل بسبب نقص في مواردها، أو بسبب قلة الإبداع في فكرتها، أو بسبب ضعف القائمين عليها، بل بسبب شخص حاسد سعى لإيقافها وعرقلة نجاحها لأنه يظن أن نجاح الآخرين فشل له.. وتفوق زملائه إظهار لعجزه هو.الحسد خطيئة.. والحاسد عاجز وحاقد.. وحتى موروثنا الديني الحنيف حذرنا من كل ذلك، بل وعلمنا قراءة سورة الفلق للاستعاذة من الحاسد ومن الحسد كل يوم، لأنها ظاهرة حقيقية ومؤثرة في كافة جوانب حياتنا.ومن الحسد هو أول خطيئة في الجنة عندما رفض إبليس السجود لأبينا آدم، وأول خطيئة في الأرض بسببها قتل قابيل أخاه هابيل، وأكبر جريمة حدثت في بيت نبي عندما رمى إخوة يوسف أخاهم في البئر للتخلص منه بسبب الحسد.هو شعور إنساني موجود، ودافع بشري خفي. والعاقل هو الذي لديه الوعي الذاتي بذلك، ويدرك حكمة الله وعدله في توزيع الأرزاق والنجاحات، وينشغل بذاته عن الانشغال بغيره، وبما يملكه هو عن ما يملكه الآخرون، ويحيط نفسه بأصحاب العقل والحكمة.لابد أن يكون لدينا الوعي الكافي للتعامل مع هذه القوة الخفية والمدمرة لأنها قد تؤثر على حياتنا الشخصية، وتؤثر على حياتنا الاجتماعية، وتؤثر على أداء مؤسساتنا التنموية. وأستطيع القول بأنها تؤثر حتى على العلاقات الدولية.لعل البعض لم يسمع من قبل بمصطلح «الحسد الجيوسياسي» (Geopolitical Envy).. وهي ظاهرة سياسية يمكن من خلالها تفسير وتحليل بعض القرارات بين الدول في علاقتها مع دول أخرى والتي لا تستند إلى تفسيرات اقتصادية أو سياسية منطقية، حيث تنشأ مشاعر عدم ارتياح لديها بسبب صعود ونجاح دولة ما، وخاصة إذا كان صعودها سريعاً، بسبب الخوف من فقدان المكانة أو التفوق، مما قد يؤدي لإفشال مشاريع مشتركة، أو فتور في العلاقات البينية، أو حتى بناء تحالفات مضادة، وكل ذلك تحت غطاء «السيادة» أو «المصالح الاستراتيجية».وقد يؤدي التحاسد السياسي لمشاحنات إعلامية وتحريضات سياسية مبالغ فيها لا تحمل أي منطق أو مبرر حقيقي لها. والقائد الحقيقي هو الذي يستطيع التعامل مع كل ذلك بحكمة ودبلوماسية وهدوء من خلال بناء الشراكات ومشاركة النجاحات.علمتني الحياة أن الحسد خطيئة شخصية.. ورذيلة اجتماعية.. وآفة مؤسسية.. وأحياناً معضلة في العلاقات الدولية..والحكمة تقتضي الوعي بها، وفهم طبيعتها وحسن إدارتها.. حتى لا تتحول إلى طاقة مدمرة للإنجازات والمجتمعات.الحرية الاقتصاديةعلمتني الحياة أن أفضل ما يمكن أن تفعله الحكومات لتحقيق الازدهار الاقتصادي هو أن لا تحاول أن تهيمن عليه.الاقتصاد يقوم على حركة البشر وأفكارهم ونشاطهم واستغلال طاقتهم العظيمة الكامنة عندهم.الحكومة تنظم هذه الحركة، ولا تكون هي الحركة.الدول التي حاولت أن تسيطر حكوماتها على حركة الاقتصاد أثبتت فشلها.أعلنت قبل فترة عبر وسائل الإعلام بأن الإمارات تستحوذ على 41% من إجمالي الصادرات في المنطقة خلال العام 2024.راسلني أحد الأصدقاء العرب متسائلاً: «بالله عليكم.. أنتم تمثلون حوالي 2٪ فقط من شعوب المنطقة.. كيف تحققون كل ذلك؟».أجبته: ليس فقط التجارة، نحن بحمد الله نستحوذ على ربع سياحة المنطقة، ولدينا أنشط سوق عقاري في الشرق الأوسط، ونجتذب حوالي 40٪ من الاستثمار الأجنبي للمنطقة ونستحوذ على ثلث حركة الطيران فيها.. وغيرها من الأرقام والتي وإن كانت تسرني، إلا أنها على المستوى الحضاري تزعجني جداً.يعيش في منطقتنا أكثر من 500 مليون نسمة، أين إنتاجاتهم وإبداعاتهم وحركتهم؟ أين تاريخهم المليء بالإنجاز والعمل والتفوق الحضاري والريادة العالمية؟علمتني الحياة وستة عقود من تجارب الحكم بأن البشر بطبعهم مبدعون، طموحون، خلقهم الله وغرس فيهم حب التطور والتقدم وعمارة أرضهم.علمتني الحياة أنك إذا أردت أن تطلق قدراتهم أعطهم حريتهم..حريتهم في العمل، حريتهم في الإبداع والابتكار، حريتهم في التنقل، حريتهم في الاستثمار.حريتهم في التقاضي، حريتهم في تأسيس الشركات.أعطهم حريتهم الاقتصاديةالحرية الاقتصادية هي مفتاح التطور، حرية حركة الأموال وحركة البضائع وحركة البشر.هناك أكثر من 300 دراسة أكدت أن الحرية الاقتصادية ترتبط بزيادة الازدهار وتحسين مؤشرات الرفاه.ورأيت ذلك واقعاً معاشاً في الميدان.يأتي الشاب من المنطقة حولنا إلى الإمارات فيزهر ويزدهر ويؤسس الشركات وينمي الثروات، وفي بلده لا يستطيع.عندما يكون الاقتصاد ملكاً للحكومة كيف يستطيع هذا الشاب أن ينافس؟وعندما يكون الفساد ضارباً في جذور بلده، كيف له أن يأمن على أفكاره وطموحاته؟وعندما تقيده حكومته بمئات الإجراءات، والبيروقراطيات العقيمة، كيف له أن يبدع؟وعندما تقيد حركة أمواله واستثماراته وأملاكه، كيف له أن ينطلق؟لست من دعاة الحريات التي تؤدي إلى الفوضى السياسية، وتأجيج الشعوب وخراب الدول، بل أتحدث عن الحرية الاقتصادية التي تطلق الطاقات، وتحفز على الإبداع، وتكسر القيود العقيمة أمام انطلاق الشعوب لبناء ثرواتهم وازدهارهم.علمتني الحياة أن الحرية الاقتصادية ليست ترفاً أو امتيازاً بل هي ضرورة لبناء المجتمعات القادرة على المنافسة، وهي أعظم من موارد الدولة الطبيعية، لأنها الوقود الحقيقي الذي يطلق طاقات البشر.علمتني الحياة أن الأمم التي تثق في شعوبها تمنحهم حريتهم الاقتصادية، فيثقون بها ويحققون لها أعظم المعجزات.