خلف صاج تقليدي تفوح منه رائحة الخبز وعبق الزمن الجميل، وفي محل متواضع افتتح منذ أكثر من 50 عاماً، يجلس الخباز إلياس حيدر، أحد أوائل الخبازين في دبي، والذي وهب زبائنه دفء التنور ووصفة خبز الرقاق التي باتت جزءاً من ذاكرة أهل دبي وزوارها على مدى أجيال. بابتسامة لا تفارق وجهه، مازال إلياس إلى اليوم يستقبل زبائنه الذين يقصدون مخبزه، فطعم خبزه ممزوج بالذكريات والحنين والأحاديث العفوية، لاسيما أنه يبيعه بدرهم واحد فقط، وهو سعر لم يغيره منذ سنوات طويلة. بحب صادق لمدينة دبي التي احتضنته، وعاش تطوراتها وتحولاتها، مازال يعد خبز الرقاق، لكنه بات يقدمه بنكهات متنوعة، تماماً كتنوع ثقافات وخلفيات الزبائن، مع حرصه على أن تبقى روح الأصالة موجودة في كل رغيف، وعلى الرغم من الفرص الكثيرة والعروض التي وصلت إليه فإنه يتمسك بقوة بهذه المهنة وهذا المكان تحديداً نظراً لحبة الكبير لدبي التي لا ينوي أبداً مغادرتها حتى آخر لحظة في حياته. بدايات وذكريات يسترجع إلياس حيدر لـ«الإمارات اليوم» بدايات هذا المخبز الذي يحمل اسم «مخبز وليد محمد بخيت» قائلاً: «افتتحت مخبزي في جميرا منذ 50 عاماً، وذلك بعد أن انتقلت من الشندغة التي افتتحت فيها مخبزاً لمدة عام واحد فقط، ومنذ خمسة عقود وأنا هنا يومياً أعد الخبز للزبائن منذ ساعات الصباح وحتى الواحدة بعد منتصف الليل». وأضاف حيدر: «يحمل المخبز اسم (وليد محمد بخيت)، وهو اسم صاحب الأرض التي أدفع إيجارها، وقد توفي منذ سنوات، لكن بقي الاسم موجوداً، ولا أريد تغيير مكاني، فالناس تقصدني منذ سنوات، كما أنني أحمل ذكريات عن منطقة جميرا، فحين أتيت إلى هنا كانت المنطقة فارغة من كل أشكال العمران، وكلها عبارة عن رمال حتى الجِمال كانت موجودة وتتحرك بحرية في المكان». حياة مختلفة يعود حيدر بالذكريات إلى الزمن الجميل، ويقول إن الحياة في دبي كانت مختلفة تماماً، وحتى طريقة العمل تبدلت، فسابقاً كان يقصد المطاحن في الشندغة ويستقل العبرة في منطقة ديرة، حيث كان يتم طلب الطحين من التجار هناك، فيما اليوم بات الوضع مختلفاً، مشيراً إلى أنه يطلب الطحين عبر الهاتف، ويتم توصيله إلى مركز المخبز. وأشار إلى أن المخبز كان مركزاً لتجمع شباب دبي والناس لمشاهدة التلفزيون، كما أنه كان نقطة علامة يتواعد الناس ويلتقون عنده، حيث كان يضع الكراسي للزبائن الذين يحبون الالتقاء في المخبز. الشكل نفسه على الرغم من تطور الحياة فإن حيدر مازال يحافظ على شكل المخبز القديم، موضحاً أنه حتى الجيل الشاب يرتبط بالمخبز بعلاقة مميزة، فهم يطلبون منه الحفاظ على شكله دون إجراء أي تعديلات تغير من معالمه المحملة بعبق وجماليات الماضي، فالجيل الجديد يرغب في رؤية صور وتفاصيل تعيدهم إلى السنوات الماضية، أما زبائن حيدر فهم من جنسيات عدة. وأوضح أن الشباب الإماراتيين يقصدونه منذ أن افتتح المخبز، ومع مرور السنين بات لديه زبائن من مختلف الجنسيات، ولاسيما السياح من بلدان الخليج المجاورة ومنها قطر والبحرين والسعودية. وأوضح أن وصفة الخبز التي يعدها تعلمها في دبي منذ افتتح مخبزه الأول، وراح يعدل ويضيف في النكهات، وأدخل عليها الكثير من التعديلات كي تكون متماشية مع متطلبات الجيل الشاب. يفتح حيدر مخبزه عند الساعة الخامسة فجراً، ويبدأ بإعداد الخبز عند السابعة صباحاً بعد أن يحضر العجينة التي يتركها جانباً ما يقارب ساعتين من الوقت. وأكد أنه خلال شهر رمضان يعمل بشكل مضاعف، إذ يرتفع الطلب على خبز الرقاق من قبل الزبائن الذين يستخدمونه في وجبة الفطور، فيما بات يعد الباجيلا والحمص، إلى جانب الخبز، إرضاءً لطلبات الزبائن الذين يرغبون في تناول الأكلات الشعبية. نكهات وإضافات على الرغم من حفاظ إلياس على أصالة نكهة الرقاق ولاسيما الوصفة التقليدية التي تعد مع البيض والجبن والمشاوي، فإنه مع مرور الزمن أضاف العديد من النكهات الجديدة، منها «الشيبس»، والشوكولاتة والعسل، وغيرها من النكهات التي منحت هذا الخبز الشعبي مذاقات مختلفة. ومازال حيدر يبيع خبز الرقاق بدرهم واحد فقط، موضحاً أنه من 50 عاماً كان يبيع القطع الست من الخبز بدرهم واحد، مشدداً على أنه لا يرغب في رفع الأسعار، فهو يشعر بالرضا من الربح الذي يحصده من عمله اليومي. أما البقالة التي افتتحها إلى جانب المخبز فقد أقفلها منذ سنوات، بسبب ضرورة الحصول على ترخيص مستقل للبقالة، ورغب في الحفاظ على المخبز فقط. تقاعد في دبي يبلغ إلياس حيدر من العمر 65 سنة، ولفت إلى أنه حين افتتح المخبز في دبي كان لديه أصدقاء خبازون، ولكنهم تقاعدوا وتوقفوا عن العمل، وأنه الخباز الوحيد من جيل الطيبين الذي مازال يعمل، معبراً عن رغبته في التقاعد، ولكن دون أن يغلق المخبز، بل سيتركه لصديقه، إذ يرغب في تمضية بقية حياته في دبي. ولدى حيدر أربعة أولاد يعيشون في وطنه، وهو لا يغادر دبي إلا لزيارتهم، حيث يعشق المدينة، ويراها أفضل من عواصم عالمية كثيرة، لما تحمله من جماليات، مشيراً إلى أنه تلقى العديد من الدعوات لافتتاح مخبز في الكويت أو قطر، لكنه رفض ترك دبي بسبب عشقه لهذه المدينة. إلياس حيدر: • افتتحت مخبزي في جميرا، بعد أن انتقلت من الشندغة التي افتتحت فيها مخبزاً لمدة عام واحد فقط، ومنذ خمسة عقود وأنا هنا يومياً. • حين أتيت إلى هنا كانت المنطقة فارغة من كل أشكال العمران، وكلها عبارة عن رمال حتى الجِمال كانت موجودة وتتحرك بحرية في المكان. تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news Share فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App