من قصص البحارة الذين سافروا إلى المجهول، إلى الجن الذين يسكنون الأمواج، ومن حضارات دلمون وأم النار إلى خيال الرقيم الذي يعيد سرد الماضي بطبقات من المعاني، يقدم كتاب جديد للباحث بارفیز باراتي صورة غنية ومتشعبة للهوية الثقافية الإماراتية. كتاب يوقظ الدهشة، ويعيد للقارئ شغف الاكتشاف، ويفتح باباً على عوالم ظلت لقرون محجوبة خلف رمال الزمن. الكتاب الذي صدر أخيراً، عن «منشورات غاف»، حمل عنوان «أوديسة عربية: رؤية عن الكتابة الخيالية والعجائبية في التراث الشعبي الإماراتي (البحار التاجر وسارد القصص في الإمارات العربية المتحدة)»، وهو عبارة عن رحلة بحثية وسردية تمتد من تخوم الأسطورة إلى وقائع التاريخ، وتستكشف كيف تداخل الخيال بالعالم المعاش في البيئة الإماراتية، حيث يلتقي البحر بالصحراء، وتنبض الحكاية على لسان البحارة والرواة، وتطل الكائنات العجائبية في ذاكرة الجماعة لتؤدي أدواراً رمزية وأخلاقية ومعرفية. ويفتتح الكتاب المشهد بملامح الإمارات الطبيعية والثقافية بوصفها فضاءً تتعانق فيه رهافة المخيلة مع صرامة المعايشة، فتظهر البحر كساحة للدهشة والمغامرة ومصدر للرزق والخطر معاً، فيما ترسم الصحراء والواحات والسبخات خرائطَ للخصب والتحدي والاحتمال. على هذا الأساس، يسبر العمل أثر الحكاية البحرية في تشكيل الذائقة السردية، ويقارب حضور نصوص كبرى في الخلفية الثقافية مثل ألف ليلة وليلة، وما تركته من بنى حلمية وسرديات مفاجئة على مخيال المنطقة. ويمضي الكتاب إلى وصل الأسطورة بالتاريخ، فيقرأ دلمون وأم النار وغيرها من الحضارات المتشاطئة مع الخليج بوصفها طبقات تحتية لوعي جمعي تشكل عبر التبادل التجاري والبحري وتحولات العمران، ويسند قراءته إلى شواهد أثرية ومعطيات ميدانية (مثل مواقع ساروق الحديد، الصفوح، جميرا، وأم النار)، ليبرهن أن العجيب لم يكن غريباً عن الواقع، بل كان إحدى طرائق فهمه وتأويله عبر الزمن. كما يستعرض الكائنات الأسطورية والخلائقيات الشعبية في الإمارات - من البحرية وبو دريا إلى الغول والسعلاة والرخ وغيرها - ويتتبع وظائفها في التنبيه والتحذير، وفي حفظ المعنى الجمعي والقيم، وفي صوغ الحس الجمالي المتولد من مفارقة المألوف للمدهش. ويتناول الكتاب كذلك سؤال «الجن» من زاوية متعددة، اجتماعية ونفسية وأنتروبولوجية، فيقرأ ظواهر التمثيل والاعتقاد بين الطب الشعبي والإيمان والخبرة اليومية، قبل أن يختم بتحليل اجتماعي وفلسفي وجمالي يوضح كيف تتحول الكائنات الوحشية والأساطير إلى بنية تفسيرية للوجود، وإلى لغة جمالية تستبطن البلاغة والتربية والهوية. أما بنية الكتاب فجاءت في خمسة فصول تسبقها مقدمة، ويتلوها فهارس ومراجع: الفصل الأول «الرحلة من دلمون إلى أم النار»، الفصل الثاني «الأدب البحري في الإمارات»، الفصل الثالث «الكائنات الأسطورية والخيالية في الفولكلور الإماراتي»، الفصل الرابع «الجن.. مرض عقلي؟»، الفصل الخامس «التحليل الاجتماعي، الفلسفي والجمالي للكائنات الوحشية». وجاء ترتيب العناوين الفرعية والفهارس بما ييسر وصول القارئ إلى مسارات الموضوع وتداخلاته. وكان قد صدر لبارفیز باراتي مجموعة من الإصدارات، منها إيبيكاك (ترجمة قصص كورت فونيجت، 2002)، كتاب العجائب (2009)، تاريخ الرسم (2012)، رياح السحر: مدخل إلى العلوم الغريبة (2016)، ديف نامه (كتاب العفاريت) (2021)، شیاطین في حقل القمح (2024). • الكتاب عبارة عن سردية تمتد من تخوم الأسطورة إلى وقائع التاريخ، وتستكشف كيف تداخل الخيال بالعالم المعاش في البيئة الإماراتية. تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news Share فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App