من الواضح تماماً أن روسيا تختبر حلف شمال الأطلسي (الناتو) عن طريق الهجمات بطائرات «الدرون»، وعلى الحدود الرومانية. وتسعى روسيا إلى تحقيق مصالح تتعارض بشكل مباشر مع مصالح الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي وأوكرانيا والنظام العالمي الليبرالي.
وشهدت التسعينات فترة وجيزة بدا فيها أن روسيا تتجه نحو ديمقراطية على النمط الأوروبي، بعد أن شاركت في جهود إرساء الديمقراطية في روسيا آنذاك.
لكن لماذا فشلت روسيا بقيادة الرئيس الراحل بوريس يلتسين والإصلاحيين الليبراليين وحل محلهما الرئيس الحالي فلاديمير بوتين؟ ما الدور الذي لعبته الولايات المتحدة والحكومات الغربية الأخرى؟
التقيت مؤخراً بدبلوماسي أميركي سابق خدم في جولتين في موسكو، وهو واين ميري، الذي كتب عام 1994 رسالة مطولة بعنوان «قناة المعارضة»، وأثار في رسالته تساؤلات حول النهج الذي تتبعه حكومتنا، وتم الكشف عن سرية الرسالة قبل نحو ستة أشهر، ونشرها أرشيف الأمن القومي.
ويجادل ميري بأن روسيا كانت غير مؤهلة مؤسسياً لإجراء إصلاح جذري لاقتصادها الدولي، وتوقع ميري أن يقوض رد الفعل الشعبي حكومة يلتسين ويلحق ضرراً بالغاً بالعلاقات الأميركية الروسية المستقبلية.
وبالنظر لانهيار الاقتصاد السوفييتي كان من المتوقع أن يكون الانتقال الروسي فوضوياً، لكن ميري انتقد تركيز السياسة الأميركية على إصلاحات السوق بدلاً من بناء المؤسسات الديمقراطية.
وكان من الواضح في عام 1994 أن الشعب الروسي كان يبحث عن كبش فداء، وكان الإصلاحيون بمساعدة مستشارين من الولايات المتحدة يتعاملون مع اقتصاد سوفييتي انهار قبل تولي يلتسين وحكومته ذات التوجه الإصلاحي السلطة بوقت طويل.
وأدى النهج الاقتصادي المتمركز حول الدولة وما ينطوي عليه من تشوهات متأصلة إلى إفلاس روسيا، وكان الحل الوحيد الذي ربما أقل إيلاماً للمواطن الروسي العادي هو ضخ موارد ضخمة تضاهي «خطة مارشال» بعد الحرب العالمية الثانية. وتعد الكلفة الباهظة التي أنفقتها ألمانيا على مدى عقدين لاستيعاب ألمانيا الشرقية مثالاً آخر، ومع ذلك لم يكن من الممكن أن تكون الولايات المتحدة أو أوروبا مستعدة لتخصيص مستوى مماثل من الموارد، لكن ما الذي كان بإمكان الولايات المتحدة فعله بشكل مختلف؟
ودافع مدير بعثة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية جيم نوريس في عام 1991 عن خطة استراتيجية تحدد الأولويات وتحدد الإصلاحيين الروس الأكثر حاجة للموارد والدعم الفني، وكان من أهم عناصر الخطة مساعدة الإصلاحيين على بناء المؤسسات الديمقراطية اللازمة لدعم اقتصاد السوق.
وتولى منسق وزارة الخارجية زمام المبادرة في رسم السياسات، وإيماناً منه بأن روسيا مجتمع متطور بالفعل عارض وضع خطة، وبدعم من وزارة الخزانة، أراد التركيز على التجارة والاستثمار، وأخبر الكونغرس بأننا سنخرج قريباً من روسيا.
ويرى نوريس، وهو خبير اقتصادي بارز، أن روسيا «تملك القليل من الهيكليات القضائية، والمؤسسات الضرورية اللازمة لعلاقات تجارية واستثمارية طبيعية».
وخسرت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية هذه الحجة، وأصبح برنامج المساعدات الروسية في واشنطن مفتوحاً للجميع، حيث تنافست جميع الإدارات الحكومية الأميركية تقريباً على المشاركة.
وكان الجهد المبذول يفتقر إلى التعريف، وكما لاحظ ميري أنه غالباً ما تجاهل السياق المحلي، وتم بذل جهود كبيرة لتلبية احتياجات الإصلاحيين، لكن الجهد الإجمالي افتقر إلى إطار استراتيجي، وواجه يلتسين عام 1995 انتخابات في وقت كانت استطلاعات الرأي تشير إلى أن شعبيته «في الحضيض»، وشعر بأنه مجبر على التخلي عن الإصلاحات التي يقوم بها.
وخضع يلتسين للضغوط ولحكومته متجاهلاً النصيحة الخارجية، وأنشأ برنامج قروض مقابل أسهم مكنت مديري الشركات الحكومية من الحصول على كميات هائلة من شهادات الأسهم. وبلغت «الأوليغارشية» التي ولدت قبل ذلك مرحلة النضج.
وكان عام 1995 هو الفترة التي انتقل فيها بوتين من مدينة بطرسبورغ إلى موسكو، حيث أصبح وبسرعة كبيرة مدير خدمات الأمن الفيدرالي، ومن ثم أصبح رئيس الوزراء لدى يلتسين في عام 1998، وخلف يلتسين في رئاسة روسيا عام 1999.
ودائماً ما يكون هناك ميل لجلد الذات عند النظر إلى هذه الحقب التاريخية، ولا شك أن حكومتنا ارتكبت أخطاء، وكان بإمكاننا استثمار المزيد، لكن زيادة الموارد لم تكن خياراً وارداً، وكان بإمكاننا أن نكون أكثر استراتيجية وتركيزاً ووعياً بالسياق المحلي.
ولاتزال المخاطر كبيرة، ولم يعد لميريس ونوريس، الخبيرين المطلعين في وزارة الخارجية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية، صوت في إدارة ترامب، وقد يقرر مصير أوكرانيا وتاريخ أوروبا رجلان عرضة للخطأ. عن «ذا هيل»
• روسيا كانت غير مؤهلة مؤسسياً لإجراء إصلاح جذري لاقتصادها الدولي.
*بريان اتوود
باحث في «جامعة براون» الأميركية في القضايا الدولية والعامة
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة الامارات اليوم ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من الامارات اليوم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.