الزائر لباحة المجلس لا يرى مجرد بيت قديم صامت، بل صورة رمزية لطموح مدينة كاملة لا تتوقف عن النظر إلى المستقبل. في دبي، حيث تتعانق ناطحات السحاب مع البحر، يقف مجلس أم الشيف كأنه نقطة التقاء بين زمنين، زمن البساطة الأولى وزمن الطموح الذي لا يتوقف، هذا البيت - الذي بُني عام 1955 ليكون مصيفاً للمغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه - لم يكن مجرد مقر للإقامة الموسمية، بل كان فضاءً تتفاعل فيه السياسة والاجتماع والفكر، ومختبراً للقرارات التي شكّلت ملامح الإمارة الحديثة، واختير المَعْلم من بين المواقع التي اعتمدها سموّ الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع رئيس المجلس التنفيذي لإمارة دبي، ضمن مشروع حماية المواقع والأبنية التراثية الحديثة في دبي، التي تشكل جزءاً مهماً من ذاكرتها وتاريخها الحديث، بهدف المحافظة على هوية الإمارة وموروثها الحضاري والعمراني. مجلس أم الشيف ليس مجرد مبنى أثري، إنه أرشيف حيّ لذاكرة دبي الاجتماعية والسياسية.. هنا نُوقشت قضايا التجارة والغوص وصيد اللؤلؤ، واتخذت قرارات تخص توسعة الميناء، وشق الطرقات الأولى، ووُضعت اللبنات الأولى لمشروع مدينة عصرية. حين يقف الزائر في باحة المجلس اليوم، لا يرى مجرد بيت قديم صامت، بل يرى صورة رمزية لطموح مدينة كاملة، فالمجلس يمثل المرحلة التي التقت فيها التقاليد مع البدايات الأولى للنهضة، حيث كان الحاكم يجلس بين الناس، يستمع لهم، ويتخذ قرارات تنقلهم من قرية صغيرة إلى مدينة حديثة. يتوسّط المكان فناء رملي واسع، تحيط به الجدران البيضاء، ويظلل جانبه الأيمن رواق اللِّيوان الذي يفتح على السماء، الغرف الأرضية تحافظ على روح الاقتصاد والاعتماد على الموارد المحلية، فالغرفة الكبرى كانت مخصّصة لتخزين المؤونة، كالتمر، والأرز، والحبوب، وسلال خوص معلّقة بعناية، في زاوية أخرى، تُعرض أدوات صيد السمك وشباك الغوص، ومجموعة من المصابيح التي كانت تضيء ليالي الصيف الطويلة. السلالم الخشبية الضيقة تصعد بك نحو الطابق العلوي، حيث تبدأ رحلة أخرى، هنا المجلس الرئيس.. الفضاء الأوسع والأكثر هيبة، الذي شهد جلسات المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، ومناقشات مستشاريه، الأرض مفروشة بسجاد يدوي، والوسائد المطرّزة مصطفّة على طول الجدران، في مشهد يجمع بين البساطة والوقار، وعلى الجدران عُلّقت بنادق تقليدية وسيوف عربية قديمة، كأنها شواهد على روح الحماية والكرامة التي سادت ذلك الزمان. حول البيت يمتد بستان صغير، يضم نخيلًا وأشجار ليمون ولوز، تسقيها قنوات الفلج التقليدية التي تعكس عبقرية الري القديمة.. خرير الماء، حفيف النخيل، ورائحة التراب المبتلّ، كلّها عناصر تجعل من المكان لوحة حسية متكاملة. حين خضع المجلس لعملية ترميم شاملة، عام 1994، لم يكن الهدف مجرد إعادة جدران إلى شكلها القديم، بل إعادة الحياة إلى مكان يمثل ذاكرة جماعية، استعان القائمون على المشروع بحرفيين تقليديين، استخدموا المواد نفسها التي بُني بها البيت قبل عقود، ليبقى أصيلاً ومخلصاً لروحه الأولى. زيارة المجلس اليوم ليست مجرد جولة سياحية، بل تجربة ثقافية متكاملة.. الأصوات، والروائح، والمشاهد، وحتى الملمس الخشن للجدران، كلها عناصر تجعل الزائر يعيش لحظة تواصل مع الماضي.. المدارس تأتي بطلابها لتعليمهم قيم الضيافة والتواصل الاجتماعي، والباحثون يجدون فيه مادة حية لدراسة العمارة التقليدية، وأساليب الحياة في دبي قبل النفط. • 1994 خضع المجلس لعملية ترميم شاملة، لإعادة الحياة إلى مكان يمثل الذاكرة الجماعية. • 1955 بُني المجلس ليكون مصيفاً للمغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، وكان فضاءً تتفاعل فيه السياسة والفكر، ومختبراً لقرارات شكلت ملامح الإمارة الحديثة. • حول البيت يمتد بستان صغير، يضم نخيلاً وأشجار ليمون ولوز، تسقيها قنوات الفلج التقليدية التي تعكس عبقرية الري القديمة. • في المجلس نُوقشت قضايا التجارة والغوص، وقرارات تخص توسعة الميناء، وشق الطرقات الأولى، ومشروع المدينة العصرية. تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news Share فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App