بإرادة صلبة وطموح لا يعرف حدوداً، شقت منى الحمادي طريقها لتتخطى كل الصعوبات، وتصبح أستاذة جامعية، ولم تسمح للإعاقة البصرية التي تحملها منذ الولادة أن تمنعها من مواصلة الحلم، بل على العكس، كانت دافعاً للإصرار وتحقيق التميز.
واجهت الدكتورة منى الحمادي الكثير من الصعاب، لاسيما خلال رحلتها الدراسية بين الإمارات ومصر وأستراليا، لكن تجربتها شكلت نموذجاً حياً لكل من يؤمن بأن الطموح لا يعرف الحواجز، والإصرار هو الطريق الوحيد للنجاح.
بقايا بصرية
وقالت الدكتورة منى الحمادي لـ«الإمارات اليوم»: «ولدت في أسرة تحمل تاريخاً في الإعاقة البصرية، وطبيعة الجينات التي أحملها تجعل الإناث أكثر عرضة للإصابة بالمرض، ولدي أخ وأخت كفيفان، لكني كنت أكثرهم حظاً لأنني محتفظة بنسبة من البقايا البصرية، لاسيما أن الظروف العلاجية للإعاقة البصرية لم تكن متقدمة على مستوى العالم في الثمانينات، مقارنة بالوقت الحالي»، وأضافت: «كنت من أوائل الطلاب الذين انضموا إلى مركز دبي لذوي الإعاقة البصرية، وهو من أول المراكز الحكومية على مستوى الدولة، وكانت إمكاناته محدودة، ولكن ما يميز المركز أن العاملين فيه كانوا يعملون بإخلاص، ومع قلة الإمكانات كانت هناك محاولات حثيثة لإيجاد حلول لها، وهذا انعكس علينا، فتعلمنا مواجهة التحديات من أجل إيجاد الحلول لها».
مواجهة التحديات
تلقت الحمادي معاملة الكفيفين في بداية طفولتها، لأنهم اعتقدوا أنه في حال استخدمت بقايا بصرها في القراءة، فقد يؤدي ذلك إلى فقدان بصرها بالكامل، وهذا ما دفعها إلى تعلم القراءة بطريقة «برايل»، ولكن بعد استقرار وضعها، تملكتها رغبة في تعلم القراءة بشكل عادي، فانتسبت إلى مدرسة مسائية، وكانت تدرس في مدرسة صباحية أيضاً، مشيرة إلى أنها كانت فترة صعبة دامت عامين، ومكنتها من القراءة.
واصلت الحمادي مواجهة التحديات مع دخولها الجامعة، حيث واجهت نوعاً من التحفظ حول الاختصاصات التي يمكن لذوي الإعاقة البصرية دراستها، موضحة أنها كانت ترغب في العمل بمجال الإعاقة البصرية، ولم يتم السماح لها بدخول اختصاص التربية الخاصة، وهذا ما دفعها إلى دراسة العلوم الإنسانية، وتحديداً تاريخ الإمارات. وعبّرت الحمادي عن التحديات الكثيرة في الدراسة، مشيرة إلى أنها خلال فترة التحاقها، تم تعيين شخص يتابع ذوي الإعاقة البصرية، وكانت الخدمة متميزة، مبينة أنها بعد تخرجها في الجامعة بدرجات عالية، كان طموحها أن تعمل معيدة في الجامعة، ولكن واجهت تحفظاً مرة جديدة، بسبب الإعاقة البصرية.
إخفاء الإعاقة
لم يتوقف طموح الحمادي المحملة بالإصرار على متابعة دراستها، فتابعت دراستها في مصر، مبينة أنها واجهت نموذجاً مختلفاً في التدريس، وكذلك النظرة لذوي الإعاقة كانت تحمل الكثير من الشفقة أكثر من الدعم، ما دفعها إلى إخفاء إعاقتها البصرية، وهذا وضعها أمام تحديات كبيرة، ما اضطرها إلى إعادة امتحانات معينة بشكل متكرر، وبعد إنهاء الدراسات العليا عادت الحمادي إلى الإمارات، وعملت في متابعة الطلاب ذوي الإعاقة البصرية، لكنها لم تكن راضية عن طبيعة الخدمات المقدمة، إذ كانت ترى أن الموضوع يتطلب المزيد من الدراسة، فتوجهت إلى استكمال مسيرتها كباحثة، وقبلت في بعثة دراسية إلى أستراليا، معبرة عن تخوف أهلها في البدء من سفرها إلى أستراليا وحدها.
أصرت الحمادي على خوض التجربة التي كانت محملة بالكثير من الصعوبات، حيث شكّلت دراسة اللغة الإنجليزية تحدياً كبيراً، بسبب الإعاقة البصرية التي كانت تجعل القراءة لديها متطلبة للكثير من الوقت، فضلاً عن أن طبيعة الدولة تفرض عليها تحمل مسؤولية نفسها في التنقل والحركة، ما دفعها لطلب مساعدة تدريبية من أجل التنقل والتحرك، إلى أن أصبحت مستقلة الحركة.
واجهت الحمادي مشكلات في عينيها خلال الفترة الأولى من الدراسة، مشيدة بدعم سفارة الإمارات في أستراليا بتقديمها الدعم الصحي، فضلاً عن خدمات قدمت من جمعيات تُعنى بذوي الإعاقة، حتى تمكنت في الختام من كتابة رسالة علمية من 900 ألف كلمة باللغة الإنجليزية. وبعد عودتها إلى الإمارات، وجدت أن الفرص الوظيفية باتت أفضل لأصحاب الهمم، ما خولها الحصول على فرصة التدريس في جامعة زايد، لاسيما أنها من بين الجامعات التي تقدم دعماً كبيراً لأصحاب الهمم، سواء كانوا طلاباً أو من الكادر العامل.
خارج الصندوق
ونوهت الحمادي بأهمية «أن يتحلى الإنسان بالقدرة على التفكير خارج الصندوق، وهذا ما دفعني إلى تغيير مساري أكثر من مرة، وتكيفت مع المسارات والطرق البديلة حتى تمكنت في الختام من بلوغ هدفي». واعتبرت أن تقبل الإعاقة يعتبر الجانب الأكبر من التحديات، وقد لامست التعاطي المختلف في محطات مختلفة، لاسيما في بداية تقديمها على وظائف، حيث كان المعتقد السائد أن ذوي الإعاقة البصرية يمكنهم العمل في وظائف محدودة.
ونوهت بأن قضية تقبّل الإعاقة نالت كثيراً من وقتها، معتبرة أنه التحدي النفسي الأكبر، وهناك الكثير من أصحاب الهمم قد لا يتقبلون الإعاقة، وهذا ما يؤدي إلى عدم تقبل الآخرين لهم. وعلى الرغم من هذه القوة، لم تغب اللحظات التي شعرت فيها الحمادي بالضعف، موضحة أن مراحل الإحساس بالضعف تأتي مع المواقف المختلفة، إذ هُددت بفقدان بقايا النظر لديها، كما أنها تعرّضت لإعاقة سمعية بسيطة، بعد ولادتها لطفلها الثاني، وراحت تفكر في قضية التأقلم مع إعاقة جديدة، ما جعلها تشعر بالضعف.
جانب الأمومة لم يكن بعيداً عن التحديات أيضاً، فالحمادي أمّ لطفلين، وأشارت إلى حرصها على أن تنمي الاعتماد على الذات في طفليها، وكذلك إبراز جوانب النقص لديها، وأنه لا يمكنها القيام بمهام الأمهات العاديات، موضحة أن ابنها الصغير يساعدها في الحركة.
تاريخ الإمارات
تمكنت الدكتورة منى الحمادي من تحقيق حلمها بدراسة التاريخ الإماراتي في مرحلة الدراسات العليا، وقد درست التاريخ الإماراتي قبل الاتحاد، وركزت على الإدارة البريطانية في ذلك الوقت، وتمكنت من خلال دراسة الماجستير من نشر هذه الدراسة، ونشرت الدراسة في كتاب، وحصلت على جائزة العويس لأفضل كتاب عن الإمارات في عام 2010.
منى الحمادي:
• كنت من أوائل الطلاب الذين انضموا إلى مركز دبي لذوي الإعاقة البصرية، وهو من أول المراكز الحكومية على مستوى الدولة.
• يجب أن يتحلى الإنسان بالقدرة على التفكير خارج الصندوق، وهذا ما دفعني إلى تغيير مساري أكثر من مرة حتى تمكنت من بلوغ هدفي.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة الامارات اليوم ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من الامارات اليوم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.