تحت شعار التغيير، انتخب الحزب الديمقراطي الليبرالي الحاكم في اليابان، ساناي تاكايشي، زعيمة جديدة له. وفي انتظار التصويت في مجلس النواب في وقت لاحق من الشهر الجاري من المتوقع أن تصبح رئيسة وزراء اليابان المقبلة أول امرأة تشغل هذا المنصب على الإطلاق. للوهلة الأولى يبدو هذا الحدث تاريخياً، حيث إن تاكايشي ليست فقط أول زعيمة للحزب الديمقراطي الليبرالي، بل هي أيضاً واحدة من السياسيين القلائل في فترة ما بعد الحرب العالمية الذين صعدوا دون أن يرثوا مقعداً برلمانياً عائلياً. وفي ثقافة سياسية تهيمن عليها السلالات الذكورية، يبدو صعود تاكايشي إشارة إلى تغيير طال انتظاره. وفي بلد لطالما تعرض لانتقادات بسبب عدم المساواة بين الجنسين، يُعد صعودها خطوة نحو التقدم. سياسة مألوفة لكن في الواقع، يعكس صعود تاكايشي عودة إلى السياسة المألوفة، حيث استقال سلفها شيغيرو إيشيبا بعد عام من توليه المنصب إثر هزائم انتخابية. ولم تكن هذه الخسائر من صنعه وحده. وكان إيشيبا قد تعهد بإصلاح الحزب الليبرالي الديمقراطي بعد فضائح تتعلق بعلاقات مع كنيسة التوحيد وأموال الرشوة، لكنه واجه مقاومة شديدة. مع عودة ظهور الفصائل القديمة في الحزب، احتشدت شخصيات بارزة خلف مسعى تاكايشي للقيادة، مؤكدين بذلك توازن الفصائل التي لطالما ميزت التيار المحافظ الياباني. وقد أشارت تاكايشي بالفعل إلى عودة النخبة القديمة في الحزب إلى مركز السلطة، في حين تحركت لإنهاء الجهود الرامية إلى محاسبة المتورطين في فضائح الماضي. حالة أزمة يشير فوز تاكايشي إلى أن الحزب الحاكم في اليابان يعيش حالة أزمة، ففي الأشهر الأخيرة خسر الحزب ناخبين لصالح أحزاب يمينية شعبوية جديدة مثل «سانسيتو». ولوقف هذا النزيف تحول الحزب نحو نهج محافظ أكثر تشدداً، وهذا النمط من «الأزمة والتعويض» ليس جديداً، ففي سبعينات القرن الماضي وتحت تهديد اليسار، تبنى المحافظون سياسات رعاية اجتماعية وبيئية للاحتفاظ بالسلطة. واليوم وفي مواجهة تحديات اليمين الشعبوي، اعتمد الحزب الليبرالي الديمقراطي على القومية وخطاب مناهض للهجرة والمراجعة التاريخية. تاكايشي التي تصف نفسها بـ«المحافظة الاجتماعية»، تعارض السماح للأزواج بالاحتفاظ بألقاب منفصلة، وترفض خلافة الإناث للعرش الإمبراطوري. وقد أعربت عن إعجابها برئيسة الوزراء البريطانية السابقة، مارغريت تاتشر، على الرغم من أنه لايزال من غير الواضح ما إذا كانت رئاستها للوزراء ستُحدث تحولاً مماثلاً. إرث آبي تُعتبر تاكايشي، الحليفة المقربة للراحل شينزو آبي، والحاملة للواء إرثه السياسي، فمن الناحية الاقتصادية تتعهد بمواصلة السياسات المالية والنقدية التوسعية المعروفة باسم «أبينوميكس»، مع إعطاء الأولوية للنمو على ضبط المالية العامة. ومع تجاوز نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في اليابان 260%، ظلت تاكايشي غامضة بشأن كيفية تمويل خططها بشكل مستدام لتخفيف الضغوط الاقتصادية على العائلات اليابانية. سياسياً، تسعى إلى إكمال مشروع آبي المتمثل في «استعادة اليابان» من قيود نظام ما بعد الحرب من خلال مراجعة الدستور السلمي وتعزيز الدفاع الوطني. وفي السياسة الخارجية تدعم تاكايشي رؤية آبي لـ«منطقة المحيطين الهندي والهادئ حرة ومفتوحة». وتدعو إلى تعاون أعمق مع الولايات المتحدة وداخل المجموعة الرباعية التي تضم الولايات المتحدة وأستراليا واليابان والهند، كما تدعم شراكات إقليمية أقوى لتعزيز الردع. إنفاق دفاعي يتماشى موقف تاكايشي المتشدد تجاه الصين وكوريا الشمالية مع تلك الأجندة. وقد تعهدت بزيادة الإنفاق الدفاعي، وهي خطوة من المرجح أن ترحب بها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي حثت طوكيو على الاقتراب من معيار حلف شمال الأطلسي البالغ 5%. وتبلغ ميزانية الدفاع اليابانية حالياً نحو 1.8% من الناتج المحلي الإجمالي. ترث تاكايشي أيضاً اتفاقية تجارية معلقة مع واشنطن، تتضمن حزمة استثمار يابانية بقيمة 550 مليار دولار، على الرغم من أن العديد من الخلافات لاتزال موجودة. وفي الوقت نفسه، فإن سجل تاكايشي في زيارة ضريح ياسوكوني المثير للجدل - الذي يكرم قتلى الحرب اليابانيين، بمن فيهم مجرمو الحرب المدانون - يهدد بإلغاء التقدم الأخير في العلاقات مع كوريا الجنوبية وتأجيج التوترات مع الصين. ويمكن أن تقوض مثل هذه التحركات جهود اليابان للعمل كقوة استقرار في الأمن الإقليمي. توحيد الحزب على الصعيد المحلي، سيكون التحدي الأكبر لتاكايشي هو توحيد الحزب الليبرالي الديمقراطي الذي يواجه ناخبين محبطين بشكل متزايد. وقد لا يكون لدى الناخبين، الذين يواجهون ركود الأجور وارتفاع تكاليف المعيشة، صبر كبير. كما ستواجه حكومتها برلمانا منقسما، حيث يفتقر الحزب الليبرالي الديمقراطي إلى الأغلبية. ويُعد توسيع الائتلاف الحاكم أحد الخيارات، إلا أن «كوميتو»- شريك الحزب الليبرالي الديمقراطي- لايزال حذراً من مراجعة الدستور والسياسات القومية. وقد ألمحت تاكايشي بالفعل إلى مغازلة أحزاب شعبوية تُشاركها دعمها لقانون مكافحة التجسس وتشديد ضوابط الهجرة. أنماط قديمة في كثير من النواحي يُجسد صعود تاكايشي استراتيجية البقاء الدائمة للحزب الليبرالي الديمقراطي من خلال التكيف دون إعادة الاختراع. وادعاء الحزب بالتجديد يخفي استمرارية أعمق: الاعتماد على الشخصيات المحافظة الكاريزمية للحفاظ على السلطة وسط إرهاق الناخبين وضعف المعارضة. وقد تعزز قيادتها القاعدة اليمينية للحزب الليبرالي الديمقراطي، لكنها لا تقدم سوى القليل من الدلائل على الإصلاح المؤسسي أو التنوع الأيديولوجي. لذا يبقى من غير المؤكد ما إذا كانت رئاستها للوزراء ستجلب التحول أم أنها ستعزز الأنماط القديمة فحسب. وقد يمنحها التزامها بالتحفيز الاقتصادي بعض الوقت، لكن التحديات الهيكلية الأعمق التي تواجه اليابان - شيخوخة التركيبة السكانية، وعدم المساواة، والتدهور الإقليمي - تتطلب إبداعاً أرجأه الحزب الليبرالي لفترة طويلة. وإذا ركزت تاكايشي بدلا من ذلك على مراجعة الدستور وسياسات الهوية، فإنها تخاطر بتنفير الناخبين الوسطيين واستنفاد صبر الجمهور. إذا نجحت تاكايشي فيمكنها إعادة تعريف التيار المحافظ الياباني وتأمين إرث دائم كأول رئيسة وزراء لبلادها، وفي حال فشلت، فإن المقارنة مع «مارغريت تاتشر» قد تتلاشى بسرعة وتحل محلها ليز تراس، وهي زعيمة أخرى أمضت فترة قصيرة جداً في الحكم، بسبب الانقسامات الحزبية والتوقعات غير المحققة. عن «ذا كونفرسيشن» اختبار دبلوماسي ستوفر زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الشهر الجاري إلى اليابان وسلسلة من القمم الإقليمية التي سيعقدها، أول اختبار دبلوماسي لساناي تاكايشي. كما ستقدم لمحة عن كيفية موازنة سياستها الخارجية الحازمة مع مصداقيتها المحلية. وسيعتمد الكثير على قدرتها على إقناع الناخبين المتشككين بأن قيادتها تمثل أكثر من مجرد فصل آخر في سياسة الحزب الليبرالي الديمقراطي للبقاء. • حكومة تاكايشي ستواجه برلماناً منقسماً، حيث يفتقر الحزب الليبرالي الديمقراطي إلى الأغلبية. • تاكايشي واحدة من السياسيين القلائل في فترة ما بعد الحرب العالمية الذين صعدوا دون أن يرثوا مقعداً برلمانياً عائلياً.