تطبيق إجازة منتصف الفصل الدراسي لأول مرة هذا العام في المدارس الحكومية والخاصة، فتح الباب أمام تجربة جديدة للطلبة والأسر. تجربة تتيح مساحة للتنفس بعد أسابيع من الدراسة المكثفة، وتعيد ترتيب الإيقاع النفسي والذهني استعدادًا لاستكمال الفصل الدراسي بطاقة متجددة ونشاط. وبادرت المدارس والمجمعات التعليمية بتوجيه رسائل ونصائح تحفّز الطلبة لاستغلال هذه الإجازة بما يعود عليهم بالنفع، دون تضييع الوقت بين النوم الطويل أو الإدمان على الشاشات، وهو ما يُظهر تحولاً في نظرة المدارس للإجازات، فهي لم تعد فترة انقطاع عن التعلم بقدر ما أصبحت فرصة لصناعة التوازن بين الراحة وإعادة شحن الطاقات. أطلقت عدة مدارس عبر حساباتها الرسمية على منصات التواصل، عبارات مشجعة لتحفيز الطلية لاستغلال إجازة منتصف الفصل الدراسي الأول في إعادة شحن الطاقة الذهنية، تلتها نصائح عملية حول كيفية جعلها فترة استجمام إيجابية وليست فراغاً قاتلاً، ومن بين ما شدّدت عليه النوم الجيد دون إسراف، وممارسة الأنشطة وقضاء وقت نوعي مع العائلة، والابتعاد قليلاً عن الأجهزة الإلكترونية، إضافة إلى تطوير الذات عبر تعلم مهارة جديدة. تفكير إبداعي تقول سعاد منصور – معلمة: «لاحظنا في الأعوام الماضية أن الطلبة يعودون من الإجازات الطويلة بحالة من الخمول الذهني، لذلك عندما تم الإعلان عن إجازة منتصف الفصل الأول، حرصنا على تزويدهم بقائمة أنشطة تجمع بين الراحة والتفكير الإبداعي. الفكرة ليست أن نكلّفهم بواجبات، بل أن نعلّمهم كيف يستثمرون وقتهم بما يشعرهم بالإنجاز دون ضغط».فيما تؤكد مريم عبد الله، أخصائية اجتماعية، أن الإجازة القصيرة التي يتم تطبيقها لأول مره هذا العام تمثل استراحة ضرورية من الإيقاع السريع للدراسة، خصوصاً للطلبة في المراحل العليا «الصف الـ12» الذين يعيشون ضغط الاختبارات والواجبات.وتقول إن التوازن النفسي لا يتحقق بالراحة فقط، بل بالأنشطة التي تتيح للطالب التعبير عن ذاته، لذا أنصح أولياء الأمور بالسماح لأبنائهم بمساحة من الحرية في اختيار نشاطهم المفضل، سواء كان فنياً أو رياضياً أو اجتماعياً. استثمار الإجازة أما على مستوى الأسر، فقد اختلفت الرؤى حول كيفية استثمار الإجازة. فتقول آمنة الحوسني، وليّة أمر: «كنت في البداية أخشى أن يقضي أبنائي الإجازة أمام الأجهزة الإلكترونية كالتابلت والجوال، لكنني وضعت معهم جدولاً بسيطاً يتضمن القراءة لمدة ساعة يومياً، وممارسة الرياضة، وزيارة الأقارب. اكتشفت أن التخطيط المسبق هو السر في استغلال الوقت وعدم ضياعه».وأضافت أن الإجازة رغم قصرها إلا أنها فرصة لإعادة ترتيب العلاقة الأسرية فنحن نعيش في دوامة من الروتين المدرسي والمواعيد، وهذه الإجازة منحتنا مجالاً لنكون معاً. حتى الطبخ الجماعي أو ممارسة لعبة بسيطة أو التنزه والذهاب إلى المولات أو المجمعات التجارية فالهدف هو التجمع العائلي الذي قلّما يحدث في مثل هذا الوقت.إرشادات عملية تشير المنسقة الإعلامية أسماء بدر إلى أن عدة مدارس أرسلت رسالة إلكترونية لأولياء الأمور بعنوان «الإجازة استراحة وليست انقطاعاً»، تضمنت مجموعة من الإرشادات العملية ركزت على تشجيع الأبناء على القراءة الحرة في مجالات تهمهم، وممارسة نشاط بدني يومي خفيف، وتخصيص وقت للتفكير في الأهداف الدراسية، إضافة إلى استخدام التكنولوجيا في التعلم الإبداعي، مثل مشاهدة الأفلام الوثائقية أو استخدام تطبيقات تطوير الذات.وأضافت: «لاحظنا أن الطلبة يتفاعلون أكثر مع النصائح التي تُعرض بطريقة شبابية، مثل الرسوم البسيطة أو التحديات القصيرة على وسائل التواصل، فبدلاً من التوجيه المباشر، نحاول أن نجعل النصيحة جزءاً من أسلوب حياتهم».أما د.عبد الله الحربي، استشاري تربوي، فيؤكد أن إدراج إجازة منتصف الفصل الأول خطوة تربوية ذكية تستجيب لإيقاع الحياة الحديثة، حيث فسّر ذلك قائلاً، إن العقل يحتاج إلى فترات توقف قصيرة لإعادة ترتيب أولوياته، وهذا لا يقل أهمية عن الدراسة نفسها، حيث إنه في المجتمعات التي تسعى لتربية جيل متوازن، تعتبر فترات الراحة المنظمة جزءاً من العملية التعليمية، لأنها تحمي الطلبة من الإرهاق الذهني وتغذيهم بالطاقة الإيجابية.وحول تأثير الإجازة في التحصيل الدراسي يرى أن الراحة الإيجابية ترفع كفاءة الطالب، لكن النوم المتواصل أو الانعزال عن الأنشطة الاجتماعية يبدد الفائدة من الإجازة، لذلك على المدارس والأسر أن تعزز فكرة «الاستجمام المنتج»، أي الراحة التي تنعش الذهن وتبني الشخصية. مبادرات رمزية أطلقت بعض المدارس مبادرات رمزية تحت عنوان «أسبوع الراحة الإيجابية»، تضمنت مسابقات رقمية خفيفة، كالتصوير الفوتوغرافي وإرسالها عبر منصة (padelt) التعليمية كنوع من التشاركية التربوية، وكتابة الخواطر حول مفهوم الراحة، بهدف توجيه الطلبة إلى التفكير الإبداعي بعيداً عن الدراسة الأكاديمية، ويرى أولياء أمور أن مثل هذه المبادرات تجعل الطلبة يشعرون بأن المدرسة ترافقهم حتى في الإجازة، ولكن بأسلوب لطيف وغير إلزامي، كما تجعل الإجازة مختلفة وغير مملة. في المقابل، نبّه تربويون إلى ضرورة وضع حدود زمنية لاستخدام الأجهزة الإلكترونية خلال الإجازة، لأن كثيراً من الطلبة قد يقضون ساعات طويلة أمام الألعاب أو وسائل التواصل.تقول الأخصائية مريم الميشاني: «لا مانع من استخدام الأجهزة، لكن يجب أن يكون ضمن أوقات محددة وبمحتوى مفيد. يمكن مثلاً مشاهدة فيلم وثائقي أو برنامج علمي، بحيث تبقى الشاشة أداة للمعرفة لا للهروب من الواقع». روح المشاركة تعتزم مدارس في ختام أسبوع الإجازة تنظيم فعاليات خفيفة لاستقبال الطلبة، مثل «يوم النشاط المفتوح» أو «جلسة حوار حول كيف قضيت إجازتك»، وهي أفكار تهدف إلى تعزيز روح المشاركة وتشجيع الطلاب على التحدث عن تجاربهم الإيجابية.ولا شك أن تطبيق هذه الإجازة لم يكن مجرد قرار تنظيمي، بل تجربة اجتماعية وتربوية جديدة تُعيد التفكير في مفهوم الراحة، وتؤكد أن بناء الإنسان لا يتم داخل الصف فقط، بل أيضاً في لحظات الراحة والتأمل والأنشطة الحرة التي تصنع توازنه الداخلي، فالإجازة ليست فراغاً، بل مساحة لإعادة الشحن والتقاط الأنفاس، ولتذكير الطلبة بأن التعلم لا يتوقف عند جدران المدرسة، بل يستمر في كل لحظة جميلة يعيشونها بوعي وهدف.