يشكّل غياب الطلبة وتأخرهم عن الحصص الدراسية واحدة من أبرز التحديات التي تواجه المنظومة التعليمية في المدارس، حيث تنعكس هذه الظاهرة بشكل مباشر على مستوى التحصيل العلمي والانضباط وجودة العملية التعليمية، لذا أكدت دائرة التعليم والمعرفة في أبوظبي، وفقاً لسياسة الشؤون الإدارية المحدثة للطلبة، للعام الدراسي 2025 ـ 2026، على أن كل يوم حضور هو خطوة على طريق النجاح، والانتظام، فيما شدد مديرو مدارس على أن الغياب، حتى وإن كان مبرراً، لا يعفي الطالب من أداء واجباته، مشيرين إلى أن الغياب المتكرر يتم التعامل معه وفق إجراءات تدريجية تبدأ بالتنبيه وتنتهي بالإنذار الخطي إذا لزم الأمر، وذلك بهدف تعزيز الانضباط.في الوقت الذي يرى فيه البعض أن الأعذار غير المبررة لعدم انتظام الطلبة في المدارس، ترتبط بالضغوط النفسية والخوف من الفشل أو القلق الاجتماعي، ما يستدعي دوراً أكبر في الدعم النفسي، أكد أولياء أمور أن الشراكة مع المدرسة أساسية لضمان انتظام الأبناء. أنواع الغياب وفقاً لدائرة التعليم والمعرفة، هناك 8 أنواع من الغياب المبرر وهي: المرض، مواعيد طبية محددة مسبقاً، وفاة أحد أفراد العائلة (من الدرجة الأولى أو الثانية)، مواعيد وارتباطات رسمية مع جهات حكومية، المشاركة في المسابقات أو الفعاليات، الإجازات الحكومية الرسمية، إجازة دراسية للامتحانات (بموافقة دائرة التعليم والمعرفة)، إغلاقات بقرار حكومي.وهناك 4 أنواع من الغيابات تعتبر غير مبررة؛ وهي الإجازات العائلية أثناء أيام الدراسة، البقاء في المنزل من دون إخطار المدرسة، مواعيد طبية غير طارئة، ظروف جوية عادية.وأكدت الدائرة أن قاعدة الغياب هي (5% و10%)، وتنطبق على الغياب المبرر وغير المبرر، موضحة أن نسبة الغياب المقلقة لطلبة الصف الأول حتى الثاني عشر هي أكثر من 5% بمجموع 9 أيام خلال السنة، ولطلبة رياض الأطفال هي 10% بمجموع 18 يوماً. الضوابط الخاصة شدد فؤاد المرسوي، مدير مدرسة، على أهمية التزام الطلبة وأولياء الأمور بالضوابط الخاصة بالغياب، مؤكداً أن الغياب المبرر لا يعفي الطالب من أداء واجباته المدرسية أو الاختبارات التي فاتته، موضحاً أنه يسمح للطالب بالغياب لمدة 3 أيام متتالية وبحد أقصى 12 يوماً في العام الدراسي، شريطة إخطار المدرسة مسبقاً برسالة من ولي الأمر.وبين أنه ابتداء من اليوم الرابع للغياب، يتوجب على ولي الأمر تقديم إجازة مرضية معتمدة من دائرة الصحة – أبوظبي، لضمان قبول الغياب وعدم احتسابه غير مبرر، أما في حال تجاوز 12 يوماً، فلا بد من تقديم تقارير طبية صادرة عن دائرة الصحة، وذلك حفاظاً على انضباط العملية التعليمية وضمان متابعة الطالب لمستواه الأكاديمي.وأكد أن الهدف من هذه الإجراءات ليس العقوبة بقدر ما هو تعزيز الوعي والانضباط؛ إذ إن الغياب المتكرر يؤثر سلباً في التحصيل الدراسي للطالب ويضعه أمام تحديات في مواكبة الدروس، كما يزيد من العبء على المعلمين في متابعة الفاقد التعليمي. تأخر الطلبة أكدت لمياء النجار مديرة مدرسة أن تأخر الطلبة عن الحصص الدراسية من أبرز السلوكيات التي تؤثر في انضباط اليوم المدرسي وجودة العملية التعليمية، موضحة أن المدرسة وضعت إجراءات واضحة للتعامل مع حالات التأخر، سواء كانت بعذر أو من دون.وقالت: «نتعامل مع التأخر عن الحصص بجدية، ففي حال كان الطالب متأخراً بعذر مقبول مثل ظرف صحي أو طارئ عائلي، يتوجب على ولي الأمر تقديم إفادة رسمية أو رسالة توضح السبب، على أن يتم تسجيل التأخر في النظام المدرسي للمتابعة، أما في حال كان التأخر متكرراً ومن دون عذر، فيتم التعامل معه باعتباره مخالفة سلوكية، حيث يتم أولاً تنبيه الطالب شفهياً، ثم إبلاغ ولي الأمر إذا تكرر الأمر، وفي المرات اللاحقة قد يتم توجيه إنذار خطي أو اتخاذ إجراءات تأديبية تدريجية وفق اللوائح المعتمدة».وأضافت أن هذه الخطوات تهدف إلى تعزيز الالتزام والانضباط، مؤكدة أن المدرسة حريصة على توعية الطلاب بأهمية احترام مواعيد الحصص الدراسية لما لها من أثر مباشر في مستواهم الأكاديمي وسلوكهم العام، حيث إن التأخر المتكرر يحرم الطالب من متابعة الدروس بشكل كامل، ويؤثر سلباً في تحصيله العلمي، كما أن انضباط الطالب في الحضور منذ بداية الحصة يعكس جديته ويعزز روح المسؤولية لديه. ظروف طارئة من جانبهم، أكد عدد من أولياء الأمور أن الحد من غياب الطلبة عن المدرسة مسؤولية أساسية تقع على عاتق الأسرة، إلى جانب دور المدرسة في المتابعة والانضباط.وقالت أم محمد الشامسي، ولية أمر: «نحن كأولياء أمور علينا دور كبير في متابعة أبنائنا بشكل يومي، والتأكد من التزامهم بالحضور في الوقت المحدد، أحياناً يكون هناك أعذار صحية أو ظروف طارئة، لكن من المهم أن يتم إبلاغ المدرسة بشكل فوري وتقديم المستندات المطلوبة، حتى يتعلم الطالب أن الغياب ليس أمراً سهلاً؛ بل مسؤولية يجب أن يتحملها بجدية».أما أم علي الطنيجي، ولية أمر، فقد شددت على أن الغياب غير المبرر مؤشراً سلبياً يجب التعامل معه مبكراً، مؤكدة أنها تحرص على ترسيخ مفهوم الانضباط لدى أبنائها في البيت، وتوضح لهم أن أي غياب من دون سبب يؤثر في مستواهم الدراسي ويضعف فرص نجاحهم، لذلك تتابع أبناءها يومياً وتسأل عن حصصهم وواجباتهم، وتتواصل مع المدرسة باستمرار إذا لاحظت أي مشكلة. تأثير الأصدقاء في المقابل، عبر عدد من الطلبة عن أسباب تدفعهم أحياناً إلى التغيب عن المدرسة، سواء بدافع شخصي أو نتيجة لتأثير محيطهم.وقال الطالب عثمان علي: «أحياناً أتغيب عن يوم الجمعة، لأن الدوام يكون قصيراً (أربع حصص فقط)، وكثير من المعلمين لا يشرحون دروساً جديدة في هذا اليوم؛ بل تتم مراجعة الدروس التي تم أخذها خلال الأسبوع أو يتركون لنا الوقت لحل الواجبات على منصات التعلم المعتمدة، لذلك أشعر أن الحضور في هذا اليوم ليس ضرورياً مثل باقي أيام الأسبوع».بينما أشار الطالب محمد الزيودي، إلى أن تأثير الأصدقاء يؤدي دوراً كبيراً في اتخاذ قرار الغياب، حيث أحياناً نتفق أنا وأصدقائي على أن نغيب معاً في يوم معين، خاصة إذا شعرنا أن اليوم خفيف أو لا توجد فيه اختبارات، في هذه الحالة أشعر أن الغياب أمر عادي ما دام الجميع متفق عليه.الضغط النفسيترى فاطمة الصرايرة، أخصائية نفسية، أن الأعذار غير المبررة لغياب الطلاب لها عدة أسباب مثل الخوف من الفشل، والهروب بدل المواجهة، حيث يعاني العديد من الطلاب خوفاً داخلياً من الفشل سواء في التحصيل الدراسي أو في نظرة المجتمع والأسرة إليهم، هذا الخوف قد يدفعهم إلى تبرير غيابهم أو تأخرهم بأعذار واهية، بدلاً من مواجهة احتمالية الإخفاق، في هذه الحالة يصبح الغياب وسيلة للهروب من التقييم أو الإحراج، وفي بعض الأحيان، يتعرض الطلاب لضغوط نفسية داخل المنزل، مثل التوقعات العالية من الوالدين أو الخلافات الأسرية، هذه الضغوط قد تدفع الطالب إلى فقدان التركيز والدافعية، فيبدأ باختلاق أعذار غير مبررة كطريقة غير واعية للتعبير عن معاناته أو للمطالبة بالراحة.وأضافت أن الدافعية هي المحرك الأساسي لأي سلوك تعليمي، وعندما يفتقر الطالب للشعور بالهدف أو المعنى فيما يتعلمه، تقل رغبته في الالتزام ويبدأ في البحث عن طرق لتجنب الالتزامات، مثل تقديم أعذار غير منطقية، قد تكون انعكاساً لفقدان الشغف أو الإحساس بعدم الجدوى، كما أن بعض الطلاب يعانون اضطرابات القلق الاجتماعي، تجعل من التفاعل مع الزملاء أو التحدث أمام الصف تجربة مرعبة، هؤلاء الطلاب قد يفضلون التغيب أو التهرب بحجج غير مبررة تجنباً للمواقف التي تسبب لهم التوتر.