مع انهيار الدعائم التقليدية للنظام العالمي القديم، وابتعاد الولايات المتحدة عن أداء دورها في قيادة الجهود الدولية لحل أزمة المناخ، أصبحت مسؤولية التصدي لهذه الأزمة تقع على عاتق قوى أخرى قادرة على قيادة العمل البيئي العالمي، وفي ظل استضافة البرازيل لمؤتمر المناخ (كوب 30)، في الفترة من 10 إلى 21 نوفمبر الجاري، تبرز فرصة أمام القادة الذين يدركون خطورة المرحلة لتشكيل تحالف من الدول الطموحة والمصممة على مواجهة المشككين في تغيّر المناخ والرافضين للتحرك العاجل.
ينظر كثيرون إلى الصين بوصفها القوة العالمية الصاعدة في مجال التقنيات الخضراء، حيث تتصدر إنتاج الألواح الشمسية والبطاريات والسيارات الكهربائية، ما يجعلها نموذجاً للاقتصاد منخفض الكربون، إلا أن الأهداف المناخية التي قدمتها أخيراً إلى الأمم المتحدة جاءت مخيبة للآمال، ولايزال الغموض يكتنف مدى استعدادها لتولي زمام القيادة المناخية عالمياً.
قاد كلٌّ من الاتحاد الأوروبي، والمملكة المتحدة، والنرويج، ومعهم اليابان، الجهود الغربية في مجال السياسات البيئية والتمويل الأخضر الموجه لدول الجنوب، غير أن الاتحاد الأوروبي يبدو اليوم أقل ثقة بنفسه، تحت وطأة ضغوط من قطاعات اقتصادية تسعى إلى تقليص الطموحات المناخية، ومن أحزاب يمينية متطرفة تحاول زعزعة الإجماع التقليدي حول هدف «صفر انبعاثات».
وفي ظل الاضطرابات الجيوسياسية والمخاطر البيئية المتزايدة، يواجه قادة العالم اختباراً حقيقياً لمدى التزامهم بالتحرك الجماعي، وتشير استطلاعات الرأي الحديثة إلى أن الشعوب والبرلمانات تدرك أن الجهود الحالية غير كافية، ومن ثم فإن مؤتمر «كوب 30» في البرازيل يجب أن يُمثّل نقطة تحول حقيقية نحو قيادة مناخية أكثر طموحاً وإنسانية، تضع حماية الكوكب والإنسان في قلب سياساتها.
إجراءات ضرورية
وقد زادت الأعاصير العنيفة التي ضربت جامايكا أخيراً، من إحباط الدول الأكثر تعرضاً لتداعيات تغيّر المناخ، وفي مقدمتها باربادوس بقيادة رئيسة الوزراء ميا موتلي، وفي هذا السياق، يبرز قرار رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر بالمشاركة في مؤتمر «كوب 30» برفقة وزير الدولة لأمن الطاقة إد ميليباند، بوصفه مؤشراً إلى عودة روح القيادة البريطانية في هذا الملف المصيري.
ويتعين على القادة الجدد التركيز على إجراءات ضرورية لمواجهة التغيّر المناخي، مثل زيادة الاستثمارات العامة والخاصة لمواجهة الفيضانات والحرائق والجفاف، وربط سياسات التخفيف والتكيّف بإنقاذ الأرواح وتحسين نوعية الحياة اليوم، وليس فقط في المستقبل.
ويشمل ذلك أيضاً تعزيز القدرة على الزراعة في الأراضي القاحلة، ومنع نصف مليون وفاة سنوياً بسبب الحرارة الشديدة، ومعالجة المشكلات الصحية المرتبطة بالفقر، مثل الأمراض المنقولة بالمياه التي تتسبب في ثمانية ملايين وفاة مبكرة سنوياً.
اتفاقية باريس
قبل نحو 10 سنوات، وضعت اتفاقية باريس للمناخ هدفاً واضحاً يتمثّل في الحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى أقل من درجتين مئويتين، مع السعي إلى عدم تجاوز 1.5 درجة، ورغم الانخفاض الملحوظ في كُلفة الطاقة المتجددة منذ ذلك الحين، فإن العالم لايزال بعيداً عن المسار الصحيح، فقد ارتفعت حرارة الأرض بالفعل بمقدار 1.5 درجة مئوية، بينما تتواصل زيادة الانبعاثات العالمية.
وخلال الأسابيع المقبلة، ستعلن كبرى الدول المسببة للانبعاثات، أهدافها المناخية لعام 2035، غير أن الفجوة الكبيرة بين تعهدات الدول الغنية والفقيرة لاتزال قائمة، ما ينذر بارتفاع متوقع في درجة الحرارة العالمية يراوح بين 2.3 و2.7 درجة مئوية في نهاية القرن، كما تشير تقارير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إلى أن مستويات ثاني أكسيد الكربون ترتفع بأسرع وتيرة مسجلة، مسببة آثاراً اقتصادية وبيئية مدمرة.
أضرار
وبلغت الأضرار الناجمة عن الكوارث المناخية نحو 451 مليار دولار خلال عامي 2022 و2023 فقط، وذكر الخبير الألماني غونتر ثالينغر من شركة «أليانز»، أن مناطق كاملة أصبحت «غير قابلة للتأمين»، بسبب تدهور الأصول، فيما عانى أكثر من 23 مليون شخص في إفريقيا الجوع الحاد عام 2023 نتيجة موجات الجفاف القياسية، فضلاً عن الأمراض المرتبطة بارتفاع الحرارة، مثل الملاريا والإسهال.
تحديث الإسهامات
يُفترض أن تلتزم الدول بتحديث «الإسهامات المحددة وطنياً» المنبثقة عن اتفاقية باريس، لكن التقدم في هذا المجال محدود للغاية، فبعد مؤتمر «كوب 26» في غلاسكو، الذي أقر بعدم كفاية الخطط الحالية، تعهدت الدول بتقديم خطط أكثر طموحاً، إلا أن دولة واحدة فقط فعلت ذلك، وحتى اليوم لم تقدم سوى 67 دولة من أصل 197 خططها، ما يحقق خفضاً لا يتجاوز 10% من الانبعاثات، بينما المطلوب هو خفض بنسبة 60% للبقاء ضمن سقف 1.5 درجة مئوية.
ولهذا السبب ستكون قمة القادة التي يستضيفها الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا في السادس والسابع من نوفمبر، قبل مؤتمر «كوب 30» في مدينة بيليم بالغة الأهمية، حيث تُمثّل هذه القمة لحظة حاسمة لتمهيد الطريق لإطلاق إعلان بيليم أكثر طموحاً من المقترح الحالي.
خطوات رئيسة
ويجب على الدول المشاركة أن تتبنى خطوات رئيسة، تتمثّل بتسريع تنفيذ اتفاقية باريس، وتعزيز خطط إزالة الكربون في قطاعات النقل والمنازل والصناعة والزراعة، مع دعم مقترحات مثل تلك التي قدمتها بريطانيا لتسريع الوصول إلى الحياد الكربوني، وتوسيع أسواق الكربون كما دعت البرازيل.
كما يجب تأمين تمويل ضخم بقيمة 1.3 تريليون دولار لمصلحة دول الجنوب بحلول عام 2035، تنفيذاً لخريطة الطريق «من باكو إلى بيليم» المتفق عليها في مؤتمر «كوب 29»، عبر أدوات تمويل مبتكرة، تشمل مبادلات الديون، وضمانات بنوك التنمية، وتحفيز رأس المال الخاص. وإلى جانب ذلك، ينبغي دعم مرفق الغابات الاستوائية الدائمة في البرازيل الذي يسعى إلى وقف إزالة الغابات وتوفير فرص عمل للسكان الأصليين، كنموذج عالمي للتمويل المستدام، فضلاً عن الحد من انبعاثات غاز الميثان عبر التزام الصين والهند بالتعهد العالمي، ما يُعزّز السيطرة على هذا الغاز شديد التأثير المنبعث من قطاعات الطاقة والزراعة والنفايات.
وينبغي أن يركز الجهد الدولي أيضاً على التكاليف البشرية للتقاعس المناخي، فالأمر لا يقتصر على فقدان سبل العيش أو تدهور البيئة، بل يمتد إلى معاناة نحو 40 مليون طفل حول العالم حُرموا من التعليم بسبب الكوارث المناخية، مثل الجفاف والفيضانات والعواصف. عن «الغارديان»
. البرازيل تستضيف مؤتمر المناخ «كوب 30» في الفترة من 10 إلى 21 نوفمبر الجاري.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة الامارات اليوم ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من الامارات اليوم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
