في المياه الفيروزية لبحر الصين الجنوبي، تتحدى فيتنام قبضة بكين على أحد أهم الممرات البحرية في العالم، وعلى مدى أربع سنوات، استغلت فيتنام سلسلة من الصخور النائية والشعاب المرجانية لإنشاء جزر اصطناعية شديدة التحصين، ما يوسع نطاق وجودها العسكري في جزر سبراتلي، وهو أرخبيل تتعارض فيه مطالبات هانوي ليس مع مطالب الصين فقط، وإنما مع مطالب تايوان والفلبين وماليزيا وبروناي أيضاً. وبُنيت الجزر الجديدة من الرمال والمرجان والصخور المنحوتة من قاع البحر، وهي تضم الآن موانئ ومهبط طائرات بطول ميلين لاستيعاب الطائرات العسكرية الكبيرة، ومستودعات ذخيرة واسعة، وخنادق دفاعية قادرة على استيعاب أسلحة ثقيلة، وفقاً لصور الأقمار الاصطناعية التي راجعتها صحيفة «وول ستريت جورنال» ومحللون يدرسون بحر الصين الجنوبي. وتتيح المواقع العسكرية لفيتنام إبراز قوتها في جزر سبراتلي، وتأتي رداً على حملة الصين لتوسيع وتحصين سلسلة من الصخور والجزر المرجانية في سلسلة الجزر نفسها. ويتجاوز التسليح الفيتنامي للجزر بكثير ما قامت به أي دولة أخرى غير الصين في بحر الصين الجنوبي، وهو طريق رئيس للتجارة العالمية، ومن شأنه أن يكون طريقاً حيوياً لإعادة الإمداد للجيش الأميركي في حال اندلاع صراع حول تايوان. أراضٍ جديدة تُظهر صور الأقمار الاصطناعية أن فيتنام قد أنشأت أراضي جديدة على جميع الصخور الـ21، وما يسمى بارتفاعات المد المنخفض - وهي شعاب مرجانية كانت مغمورة سابقاً عند ارتفاع المد - التي تحتلها في جزر سبراتلي،. ويقارن هذا مع الجزر الاصطناعية السبع التي بنتها الصين في الأرخبيل. وبالفعل شيدت فيتنام أكثر من ثمانية كيلومترات مربعة من الأراضي الاصطناعية في بحر الصين الجنوبي، مقارنة بما لا يقل عن 16 كيلومتراً مربعاً شيدتها الصين، وفقا لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ومقره واشنطن. وبدأت فيتنام استصلاح الأراضي على نطاق واسع في عام 2021، مستخدمة زوارق تجريف ضخمة بالقرب من العديد من الشعاب المرجانية والصخور في جزر سبراتلي. كما تستخدم فيتنام حفارات برية ترفع المواد من المناطق الأقرب إلى الشاطئ لتوسيع سطح الجزيرة، ثم تُحصن الكتلة الأرضية الجديدة بجدران صخرية وخرسانية لحمايتها من التآكل. قيمة استراتيجية يمكن رؤية حجم التحول في جزيرة ساند كاي، التي نمت في غضون سنوات من مجرد بقعة صغيرة من جزيرة يوجد فيها عدد قليل من المباني إلى موقع متقدم واسع يضم ميناء كبيراً محصناً وبنية تحتية عسكرية أخرى. واستخدمت الصين جزرها المحصنة في بحر الصين الجنوبي لنشر سفنها وطائراتها لفترات أطول دون الحاجة إلى التزود بالوقود والتخزين في البر الرئيس، كما قامت بتركيب رادارات واسعة النطاق وبنى تحتية أخرى للمراقبة تُمكنها من رصد تحركات الدول الأخرى عبر الممر المائي. ومن المتوقع أن تستخدم فيتنام مواقعها الأمامية الجديدة بشكل مماثل، وإن كان ذلك دون توجيه اعتداءات ضد دول أخرى، وفقاً لنائب مدير مبادرة الشفافية البحرية الآسيوية التابعة لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، هاريسون بريتات. أكبر جزيرة وتُظهر جزيرة بارك ريف، أكبر جزيرة اصطناعية وأكثرها تطوراً في فيتنام في بحر الصين الجنوبي، المرافق الجديدة الرئيسة والغرض منها. وتتميز الجزر الأخرى التي بنتها فيتنام بالعديد من المنشآت نفسها، بما في ذلك الموانئ ومخازن الذخيرة والمباني الإدارية أو الثكنات الأكبر حجماً. ولم تعلن حكومة هانوي علناً عن بناء «بارك ريف» على الرغم من أن المسؤولين صرحوا بأن البلاد تُركز على حماية سيادتها في بحر الصين الجنوبي. ولم يستجب المتحدثون باسم وزارتي الخارجية الفيتنامية والصينية لطلبات التعليق. وعندما سُئل متحدث باسم الحكومة الصينية في فبراير عن استصلاح فيتنام للأراضي، قال إنها تعارض «أنشطة البناء في الجزر والشعاب المرجانية المحتلة بشكل غير قانوني». ومع ذلك، لم تسع القوات الصينية قط إلى منع حفارات فيتنامية من الوصول إلى المواقع العسكرية. وهذا يتناقض مع خطاب الصين وإجراءاتها الحازمة ضد الفلبين، التي مُنعت سفنها مرارا من نقل الإمدادات إلى مواقعها العسكرية الأكثر تواضعاً في بحر الصين الجنوبي. نظرة مختلفة وقال الباحث الزائر في كلية بوسطن، كانغ فو، إن الاختلاف اللافت في المعاملة يُعزى إلى علاقة فيتنام الأكثر تعقيداً مع الصين، مشيراً إلى أن الشركات الصينية تمتلك آلاف المصانع في فيتنام، ومنها تُصدر إلى الولايات المتحدة ودول أخرى فرضت تعريفات جمركية أعلى على الصين. وأضاف أن الحزبين الشيوعيين الحاكمان في البلدين (الصين وفيتنام) وضعا سبلاً لمعالجة قضايا، مثل الاعتداءات الصينية على الصيادين الفيتناميين في جزر باراسيل، بعيداً عن أعين الرأي العام. وتابع فو: «تريد فيتنام إدارة النزاع مع الصين، لكن في الوقت نفسه نريد منع أي هجوم صيني مفاجئ آخر على تلك الجزر». وكيل واشنطن في المقابل، تنظر بكين إلى الفلبين، حليفة الولايات المتحدة بموجب معاهدة، على أنها وكيل لواشنطن، التي تعارض بكين وجودها في بحر الصين الجنوبي. وقال الزميل في معهد «إسياس» في سنغافورة، لي هونغ هييب، إن «الولايات المتحدة، التي أدانت بناء الصين للجزر، لم تعلن معارضتها لجهود فيتنام علناً، ويرجع ذلك على الأرجح إلى اعتبارها حصناً منيعاً ضد بكين». من جهته، صرح مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية، فضل عدم ذكر اسمه، بأن واشنطن تدعو «أطراف بحر الصين الجنوبي التي تطالب بالسيادة على هذه الأراضي إلى حل نزاعاتها سلمياً وفقاً للقانون الدولي». لا يعتقد سوى عدد قليل من المحللين أن هانوي، بقواتها البحرية والجوية الأصغر بكثير، قادرة على الدفاع عن المواقع العسكرية في حال نشوب حرب شاملة. ويُفسر هذا الضعف النسبي أيضا سبب تجاهل معظم الدول الأخرى في المنطقة لإنشاء فيتنام لأراضٍ اصطناعية واسعة النطاق. عن «وول ستريت جورنال» تهديد اعتبر الباحث الزائر في كلية بوسطن، كانغ فو، أن «بناء الصين للجزر شكل تهديداً مباشراً للعديد من المصالح الاقتصادية في جنوب شرق آسيا، وللوصول إلى المياه، كما شكل تهديداً للملاحة والحقوق البحرية الدولية»، لكنه قال: «لا أحد يعتقد أن فيتنام ستفعل أياً من ذلك». . الصين استخدمت جزرها المحصنة لنشر سفنها وطائراتها لفترات أطول، من دون الحاجة إلى التزود بالوقود. . فيتنام استغلت الصخور والشعاب المرجانية لإنشاء جزر اصطناعية شديدة التحصين، بما يوسع وجودها العسكري.