تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو لمستودعات تبيع حقائب سفر فقدها أصحابها من المسافرين في مطارات، وتضمنت المقاطع عرض الحقائب للبيع مغلقة بما فيها دون فتحها، وبأسعار متفاوتة تبدأ من 100 إلى 500 درهم، حسب حجم كل حقيبة، وفي الوقت نفسه يصبح من حق المشتري تملك ما بداخلها، أيّاً كان ما سيجده فيها، وكلٌّ ونصيبه وحظه!!!.
أثارت المقاطع تساؤلات البعض حول مشروعية طرح هذه الحقائب للبيع، وأحقية المشترين في حيازة ما تحتويه من ملابس فاخرة أو أجهزة إلكترونية، وربما مجوهرات ذهبية أو نقود، أو وثائق وصور تحمل ذكرى غالية على أصحابها وتساؤلات أخرى عديدة تجيب عليها «الخليج» في السطور التالية.
أحدثت مقاطع الفيديو التوتر لدى البعض، لاسيما لدى ممن ينتباهم القلق من إمكانية فقدانهم حقائبهم أثناء السفر وصعوبة استرجاعها وضياع ما فيها من مقتنيات أنفقوا في سبيل شرائها معظم دخلهم، وربما أغلبهم ظل على مدار شهور طويلة يقتصد من راتبه الشهري، ليستطيع شراء هدايا لأفراد أسرته، وخلافه من إلكترونيات يدوية، لإدخال الفرحة إلى قلوبهم بعد فترة عمل وغياب طويل.
مهلة 6 أشهر
في جولة بحثية لاستيضاح جوانب الأمر، وجدنا أن شركة طيران الإمارات كانت قد أكدت عام 2017 أن حقائب المسافرين المعروضة للبيع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تعود لأشخاص فقدوها ولم يسألوا عنها خلال مدة تجاوزت 6 أشهر، وأن كافة الحقائب التي يتم العثور عليها في مطار دبي يجري تسليمها للجمارك إلى حين المطالبة بها من قبل أصحابها، وبعد انقضاء المهلة المذكورة، تنقل للبيع بالمزاد العلني، أما على المستوى الدولي، وبحسب موقع «كليفر جورني»، فإنه عندما يترك المسافر حقائبه في مركز استلام الأمتعة لفترة طويلة، يتم إرسالها إلى قسم الأمتعة المفقودة.
وتعد الأمتعة غير المطالب بها ظاهرة شائعة جداً في معظم مطارات العالم، وعادة يكون بسبب إرسالها إلى الوجهة الخطأ، أو أن الراكب غاب عن الرحلة وتم إرسال الحقيبة بدونه، وليس لأن الراكب فشل في استلامها في الوقت المناسب، فيما أن المطارات على دراية كبيرة بهذه العملية، ولديها بالفعل بروتوكولات خاصة بشأن ما يجب فعله مع الأمتعة غير المطالب بها، حيث تبقى في قسم الممتلكات المفقودة لمدة 5 أيام، ثم يتم الاحتفاظ بها في مستودع لمدة 60 يوماً أخرى، وبعد انقضاء هذه المهلة، إذا لم يتم استلام المالك للحقيبة، يتم بيع الممتلكات المتروكة في المزاد العلني بأسعار رخيصة أو يتم التبرع بها، بينما لا تكسب شركات الطيران الكثير من المال من بيعها، بل قد تخسر أموالاً بسبب تكاليف المستودعات والتخزين.
بيانات مختلفة
على صعيد متوازٍ كشفت بيانات نشرها موقع Confused.com عن تسجيل أكثر من 62 ألف بلاغ بفقدان أمتعة في المطارات البريطانية، من أغسطس 2023 وإلى الشهر ذاته من 2024، وفي الولايات المتحدة، تقوم شركات الطيران بتنظيم مزادات علنية لبيع الحقائب غير المستردة، ويُعرض العديد من الحقائب المفقودة في متجر «الأمتعة المفقودة» في مدينة سكوتسبورو بألاباما، حيث يتم بيع المحتويات من الملابس والأدوات الإلكترونية وغيرها.
وفي ألمانيا، تعرض الحقائب المفقودة في مطار فرانكفورت للبيع بعد فترة من الزمن، حيث تنظم هناك مزادات علنية لعملية البيع، وفي بعض الحالات، يتم التبرع بمحتويات الحقائب غير المستردة إلى الجمعيات الخيرية مثل «غود ويل» أو «سالفيشن آرمي»، حيث توزع هذه المحتويات على المحتاجين، وعادة تقدم شركات الطيران تعويضاً عن الحقائب المفقودة لا يتجاوز 1600 دولار في الحالات العادية، بحسب ما ذكره اتحاد النقل الجوي الدولي.
حقوق الراكب
عن حقوق الراكب بالنسبة لأمتعته وفقاً للقوانين المقررة، أوضح المستشار القانوني د. يوسف الشريف، أن النقل الجوي في دولة الإمارات يُنظم وفقاً للفصل الخامس من قانون المعاملات التجارية الاتحادي الصادر بالمرسوم بقانون اتحادي رقم 50 لسنة 2022، واتفاقية مونتريال للنقل الجوي الدولي لسنة 1999 والتي انضمت إليها الدولة ودخلت حيز التنفيذ اعتباراً من 1 مايو 2023 ومن هذا التاريخ تُعد الاتفاقية وبروتوكولاتها كقانون من قوانين الدولة. وقال: «بخصوص حقوق الراكب بالنسبة لأمتعته قبل شركة الطيران، فالمقصود بالأمتعة هنا الأشياء التي يجوز للراكب حملها معه في الطائرة (مثل الهاندباج)، أو قد يسلمها لموظفي شركة الطيران لتكون في عهدة الشركة أثناء السفر وحتى تسليمها للراكب». وأضاف: «وفقاً للمادة 356/1، 2 من القانون يكون الناقل الجوي مسؤولاً عن الأضرار التي تحدث نتيجة للتأخير أو الهلاك أو الفقدان أو التلف، وذلك إذا وقع الحادث الذي ترتب عليه الضرر أثناء النقل الجوي، وهي الفترة التي تكون فيها الأمتعة في حراسة شركة الطيران أثناء الطيران، أو أثناء وجود الطائرة في أحد المطارات، أو في أي مكان آخر هبطت فيه. وتكون شركة الطيران مسؤولة عن الضرر الذي يحدث نتيجة للتأخير في وصول الأمتعة المسجلة».
ماهية الإجراءات
أوضح د. الشريف: «بالنسبة للإجراءات فإنه في حالة وصول الأمتعة تالفة، يجب على الراكب إخطار الشركة أو إدارة المطار في ميعاد لا يجاوز 7 أيام من تاريخ الرحلة، أو تسلم الأمتعة التالفة حسب الأحوال، وفي حالة وصول الأمتعة متأخرة يجب أن يحرر الإخطار خلال 21 يوماً على الأكثر من اليوم الذي توضع فيه الأمتعة تحت تصرف الراكب».
ويحقّ لِشركة الطيران بعد فوات المهل المحددة قانوناً التصرف في الأمتعة، ولكن بعد بذل الجهد في التواصل مع الراكب عبر وسائــل الاتصال المتاحة بتذكرة السفر، أو البيــان الذي يلصق على الأمتعة، وفي حال عدم القيام بذلك تكون الشركــة مسؤولة، وللراكب مطالبتها بالتعويض، ويقع على الشركة عبء إثبات قيامها بالتواصل دون جدوى. ويكون التصرف في الأمتعة عند عدم استلامها خلال المواعيد المقررة، بعد تجميعها من قبل وحدات المفقودات في المطار، فتُنقل إلى قسم الفقد، والأمانات، ثم تُعرض للبيع في المزاد.
التزام قانوني
شدد د. الشريف، على أن شركات الطيران والمطارات عليها التزام قانوني هام، يتمثل في بذل الجهد اللازم لتوصيل الأمتعة لأصحابها، قائلاً: «هذا ليس ترفاً أو خدمة، بل هو التزام لتعويض الراكب عن تأخير، أو فقد أمتعته، لأسباب لا دخل لصاحب الحق فيها، ومن ثم يتعين تحميل الشركة كل العبء اللازم لجبر هذا الضرر، وتوصيل الأمتعة لصاحبها أينما كان، لاسيما مع توافر كافة بيانات التواصل بتذكرة السفر، وملصق الأمتعة، لذا لا مجال للتعذر بأي عذر في ذلك».
ولا سبيل لاعتبار ذلك خارج نطاق مسؤولية الشركة أو المطار، بل هو من صميم حقوق الراكب عليهما، باعتبار أن أمتعته أمانة قام بتسليمها بموجب عقد، ويجب إعادتها تحت طائلة المسؤولية، ولعل ذلك من بين معايير تقييم شركات الطيران والمطارات على الصعيد الدولي، وتقدير سمعتها العالمية، وتحديد المستوى المهني والخدمي الذي يستفيد منه الراكب.
وأكد على أنه من صالح تلك الشركات والمطارات، الحرص على توصيل الأمتعة في مواعيدها بالحالة التي تسلمتها بها، دون التأخير، وعند الفقد يجب المبادرة بتقديم التعويض المناسب، وفقاً للقانون، والاتفاقيات الدولية النافذة.
ممارسة منظمة
بحسب المستشار القانوني د. محمد بطي الشامسي، يعد بيع الحقائب المفقودة بالمزاد العلني من الإجراءات التي تلجأ إليها أغلب شركات الطيران، بالتنسيق مع سلطات الجمارك في الدولة، وشركات المزادات العامة، طالما أن الحقائب لم يتم العثور على مالكيها، بعد فترة معينة تختلف حسب الجهة، وغالباً تكون 6 أشهر أو أكثر، وذلك بموجب اتفاقيات معينة بين شركات الطيران والسلطات المختصة، حيث يتم بيع هذه الحقائب بالمزاد بعد تسليمها للجمارك، أو قسم الممتلكات المفقودة، ويتم اللجوء إلى هذا الإجراء بسبب كلفة تخزينها التي تفوق قيمتها.
وقال: «تعتبر هذه الممارسة منظمة وفقاً للقوانين الدولية والمحلية، وفي حالة فقدان أو تلف الأمتعة، يجوز للراكب رفع دعوى مدنية ضد شركة الطيران إما في المحاكم التي لها ولاية قضائية إقليمية على وجهات الوصول والمغادرة، وفي المحكمة التي يقع المكتب الرئيسي للناقلة تحت ولايتها القضائية، وذلك وفقاً للمادة 368 من قانون المعاملات التجارية الإماراتي».
وجوب المراجعة
قال الشامسي: إن مسألة البيع في المزاد العلني عملية غير منظمة وفقاً للقوانين الدولية، وإنما هناك بعض التنظيمات المحلية لعملية بيع المفقودات، ولكن ما يجب مراعاته أنه وفقاً لدستور دولة الإمارات، فقد نصت المادة (21)، على أن الملكية الخاصة مصونة، ويسمح بنزعها فقط في حالات الضرورة العامة، ووفقاً للقانون وبمقابل تعويض عادل، ومن جهة أخرى أكدت المادة 39 من الدستور كذلك على أن المصادرة العامة للأموال محظورة، ولا تكون عقوبة المصادرة الخاصة إلا بناءً على حكم قضائي، وفي الأحوال المنصوص عليها في القانون.
وحسم الأمر قائلاً: «بالنظر إلى المادتين السابقتين، يجب مراجعة إجراء بيع الحقائب المفقودة في المزاد العلني، حتى لا تكون هناك شبهة عدم مشروعية في الإجراء، وإن كان البعض قد يرى أن مشتري التذكرة قد وافق مسبقاً عند شرائه للتذكرة على الشروط والأحكام الخاصة بها، والتي من ضمنها الأحكام الخاصة بالتعويض في حالة الفقد أو التلف، وأنه بالتعويض تكون ملكية المفقودات قد انتقلت إلى ملكية شركة الطيران، وبالتالي لها مطلق الحرية في التصرف فيها.
إجراءات واجبة
نبه خبراء إلى عدد من الإجراءات الواجب على المسافر الالتزام بها حال فقدانه حقيبته، منها إبلاغ مكتب خدمة الأمتعة التابع لشركة الطيران فوراً، وتقديم وصف دقيق للحقيبة، وتفاصيل عنها مثل العلامة التجارية واللون والحجم ونوع الغلاف والعلامات المميزة، وحتى الصور إن وُجدت.
مع التحقــق ممــا إذا كانت شركة الطيران تغطي تكاليف الضروريات مثل الملابس أو أدوات النظافة، إلى جانب تفعيل تأمين السفــر حيث العديد من وثائق التأمين تغطي تأخير الأمتعة بدءاً من 12 إلى 24 ساعة، وخلافه.
ثعابين ورأس ماعز أغرب المفقودات
نشر متجر «الأمتعة المفقودة» في ألاباما عام 2023 قائمة بأغرب الأشياء التي عثر عليها في الحقائب المفقودة في ذاك العام، وتضمنت ثعابين حية، ومفتايح تابوت، ورأس ماعز رام محنط، وزجاجة من نبيذ الأفاعي الياباني «هابوشو»، وخاتم ألماسي بقيمة تتجاوز 37 ألف دولار، وحقيبة يد من علامة «هيرميس بيركين» بقيمة 23 ألف دولار، ودرع من العصور الوسطى، وقناع من فيلم «الفك المفترس»، وجمجمة غزال محنطة.
وبحسب دراسة أجرتها جامعة ساوثهامبتون في المملكة المتحدة، اتضح أن أكثر من 40% من المسافرين يعدون أن القيمة العاطفية لمحتويات حقائبهم، تفوق قيمتها المالية، حيث تشكل لهم ذكرى لا يمكنهم استعادتها بحال.
بيع الغرر
ذهب البعض إلى أن في بيع الحقائب مغلقة بما تحتويه دون الكشف عما بداخلها، يؤدي لحصول المشتري على ما لاحق له فيه من مقتنيات ثمينة تفوق الثمن الذي دفعه مقابل شراء الحقيبة من تلك، والعكس، بما يعد «بيع غرر» منهي عنه شرعاً، وبتبين ذلك اتضح أن الشارع الحكيم حدد بيع الغرر في أنه البيع الذي يكون فيه جهالة أو عدم يقين كبير في أحد طرفي العقد (المبيع أو الثمن).
ويُعد هذا النوع من البيع محرم شرعاً بالإجماع، ويعرّف بأنه «كل بيع يكثر فيه الغرر ويغلب عليه حتى يوصف به»، ويهدف إلى تحصين الأموال ومنع الخصام بين المسلمين، تشمل أمثلته بيع المجهول، وبيع ما في بطون الأنعام، وبيع الثمر قبل ظهوره، أو بيع العقار في مبنى لم يبنَ بعد، ويُحرم لكونه يؤدي إلى أكل الأموال بالباطل وقطع المودة بين المسلمين.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
